تاج السر حسن و د. سعد الدين عبد الحميد و د. عمر عبدالعزيزلقطة تذكارية
الشارقة – “البعد المفتوح”:
نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة مساء الخميس 29 مايو 2025 جلسة ثقافية حول “تجربة الفنان التشكيلي البروفسور أحمد شبرين” تحدث فيها د. سعد الدين عبد الحميد وأدارها الخطاط تاج السر حسن، بحضور جمع من الفنانين التشكيليين و طلاب الفنان الذين تخرجوا على يديه، ومن محبي فن التشكيل وأعمال هذا الرائد السوداني العربي بشكل خاص،
حضر الجلسة عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي.ومحمد ولد سالم رئيس اللجنة الثقافية و الفنان خليفة الشيكي مسؤول الفعاليات والمعارض رئيس اللجنة الفنية في النادي وفي تقديمه قال تاج السر حسن إن أحمد شبرين (1931 – 2017)، هو رائد في فن التشكيل والتصميم والحروفية العربية، وقد شغل منصب أستاذ كرسي التصميم الغرافيكي جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا في الخرطوم، وعميد سابق لكلية الفنون الجميلة والتطبيقية، وساهم مع كل من عثمان وقيع الله وإبراهيم الصلحي في تأسيس مدرسة الخرطوم التشكيلية، تخرّج من كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بالخرطوم، ثم تلقى دراساته العليا بالكلية المركزية للفنون والتصميم لندن، عمل محاضراً، ثم عميداً لكلية الفنون الجميلة والتطبيقية، وقد صمم عدة إصدارات للعملة السودانية، وأسس مركز شبرين للفنون، وعرضت أعماله في العديد من أقطار أفريقيا وأوروبا وآسيا، كما صمم عدة جداريات بمطار الملك عبد العزيز بجدة ومجسمات على كورنيش البحر الأحمر بمدينة جدة المملكة العربية السعودية، وهو حائز على نوط الجدارة من جمهورية السودان، وتكريم من صاحب السمو حاكم إمارة الشارقة، تقديرا لجهوده في تطوير حركة الفنون والثقافة والإبداع في الوطن العربي.
و قدم د.سعد الدين عبد الحميد ورقة بعنوان (حروف مدوزنة وذكريات ملونة) متحدثًا عن تجربة الفنان أحمد شبرين مستعرضا مراحل هذه التجربة وأبعادها وعمقها وتأثيراتها المختلفة، وقال في مستهل حديثه: “أنشئت مدرسة الفنون بكلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم لاحقا) في 1946، وكان عثمان وقيع الله، أحمد شبرين وإبراهيم الصلحي من أوائل من انتسبوا إليها، وورأوا في الميراث الإبداعي المحلي الممتد من نبتة وكوش والنوبة المسيحية، والتراث العربي والإسلامي مع كل تراث أهل السودان وتجلياته المختلفة، مادة قابلة لصياغة عمل إبداعي، ذي خصائص تصله بمجري الحداثة في عالم منتصف القرن العشرين، تلك كانت نكهة ذاك العصر المشوب بتيار جارف للتحرر من الاستعمار وبناء الدولة المستقلة، وهي النكهة الجميلة التي فاحت من أعمال شبرين على مدى العقود الموالية”.
واستعرض د. سعد الدين باستفاضة أعمال أحمد شبرين منذ بداياتها إلى نهاياته، ومن عرض لشرائح مصورة من أعماله والتعليق عليها، وهي أعمال زاوج فيها بنجاح بين ما تلقاه من علم وثقافة الغرب خاصة في مجال تخصصه وهو التصميم الغرافيكي، وبين قيم ثقافته القومية، وخاصة فنون التعبير التشكيلية وغير الأدبية، وفن الخط العربي بشكل أخص، وتحدث في البداية عن ارتباط أعمال أحمد شبرين بالخلاوي القرآنية التي درس فيها القرآن وتعلم فيها كتابة الحرف العربي وطرق التعاطي معه، فكان ذلك هو (التدريب التَّشكيليِّ الأَوَّليِّ والعَفَويِّ، الذي يَتلقَّاه الحيران “تلاميذ الخلوة”، ويَظلُّ راسِخاً في دواخِل الموهوبين منهم، فتَجُودُ بَرَكة وتأثيرُ هذا السِّحْر لاحقاً في نتاجِ مُعظَم الفنَّانين التَّشكيليِّين، وكان تأثير الخطِّ على أستاذنا شبرين، جِدُّ كبيرٍ وعميق، إذ ظلَّتْ تجرِبة “الخلوة” هيَ المَنهل الدَّافقُ والمُلهِمُ الأوَّل في مُساهَماته، تملَّكتْهُ بقوَّة، ورافقها بمتعةٍ وإخلاص، وقدَّم لنا من خلالها درساً بالغِ الأهمِّيَّة لمَنابعِ وعيِنا وإِلهامِنا المَنسِية”، وإلى جانب هذا التأثير الأولي لطقوس الكتابة في الخلاوي كان لتأثير الفن والفلكلور الشعبي وتراث منطقة مروي تأثير راسخ أيضا في وجدان شبرين سوف يستدعيه في تصميماته للحرف العربي، ذلك الحرف الذي اتخذه عنصرًا راسخًا من عناصر أعماله الغرافيكية.
وأضاف سعد الدين أن الفنان شبرين امتلك عقلًا متأملًا هو الذي بنى من خلاله خياله الواسع، ويستشهد بكلمات لشبرين يقول فيها: صرت أطيل التأمل فيما يقع عليه بصري، مثل تقاطعات أغصان الأشجار وأوراقها، وأشكال السحب في السماء وحركتها، تتقارب وتتباعد، وتظهر من خلفها ليلاً النجوم ثم تخفيها، وهذه ترسم بتراصها وتفاوت المسافات بينها أشكالاً، أتصور ما يشابهها مما أعرف ولا أعرف من مخلوقات، في سياحة بصرية ممتدة”، وظلت تلك التأملات مرجعاً لذاكرته البصرية، وزودته بقدرة هائلة على تفكيك وتحريك وتجريد مكونات الأشكال وحركاتها – والحروف خاصة – والتلاعب بجزئياتها بمهارة، ليعيد تخليقها في صورٍ شتى، فتفردت تشكيلاته الحروفية بهذا التميز والثراء البصري، وكانت بداياته تتميز بقوة التأثير البصري، وكان يؤلف عناصرالتصميم من المأثورات الموروثة من الإنسانية كلها ومن البيئة المحيطة به.
ومن المفارقات أن التأمل العميق وقوة التأثير البصري في أعمال شبرين جاءا في البداية عبر أعمال فنية بسيطة سيطر عليها (الأسود والأبيض) خاصة في عقود الستينات وحتى الثمانينات، وتمكن من التعبير بهما عن دقائق الأشياء وأعماقها وأصولها، رأى في التبسيط أفضل السبل للوصول إلى الجوهر، وأن التجريد هو غاية البساطة والوضوح.
واستعرض د.سعد الدين مقتطفات كثيرة من كتابات كتاب سودانيين وعرب كتبوا عن المرحوم شبرين في مخلتف الجرائد والمجلات العربية، شرقا وغربا، تؤكد كلها أنه كان أحد رواد الحروفية العربية، الذين كان لهم تأثير عميق في مسيرة فن الخط العربي، ومن تلك الاستشهادات ما كتبته مها سلطان في جريدة الحياة: “أحمد شبرين فنان حروفي طليعي، من القلائل الذين مزجوا الحروفية العربية بسحر الطقس الأفريقي، ضمن رؤى تجريدية حديثة، عبر تكوينات مبسّطة تستدعي ذاكرة بريئة تمتلئ بالاستعارات والتوريات، جمالية هذه اللغة التشكيلية أنها تلقائية وطبيعية، صادقة وعميقة، سهلة وممتنعة، ولكنها أصيلة في انتمائها، غير تشخيصية في ظاهرها، وإنسانية في مضمونها”.
وفي مداخلة له بهذه المناسبة قال د.عمر عبد العزيز: “إن اللمسة الغالبة في ملحمة شبرين تمثلت في تجسيره العلاقة المباشرة بين الحرف العربي وسلسلة من التداعيات الحرة المحكومة بضوابط المساحات والمحتوى، وق شكلت أن خلاوي حفظ القرآن الكريم تميمة هامة في اقتراحاته الفنية، التي استدعاها حصراً من عوالم اللاشعور ومعارج الحنين الفني الدافق بأسرار الخلاوي، وتمثل تجربة الفنان شيرين معنى السودانوية الثقافية، التي تجمع بين انساق ثقافية متنوعة في السودان، من خلال اللونين البني الطيني، والأخضر المتدرج، إلى جانب استخدام الألوان المتباعدة التي مزاجها الضياء والعتمة، كما الأصفر والأحمر بتدرجاتهما”.
وبعد مداخلات شارك فيها عدد من الحضور، تم تكريم المحاضر ومقدمه والتقاط صورة تذكارية للمكرمين شارك فيها عدد من الحضور.