أخبار

“قراءات نقدية وشهادات في أدب الراحل عبدالله صقر ندوة “نادي القصة”في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات

المشاركون د. مريم الهاشمي و د. محمود بكري و عبدالفتاح صبري ومحسن سليمان

د. مريم الهاشمي و د. محمودبكري و عبدتالفتاح صبري و محسن سليمات
جانب من الحضور

 

 

 

 

الشارقة    –    “البعد المفتوح”:

نظم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الأربعاء 11 يونيو/ حزيران 2025 في “المقهى الأدبي” بالشارقة ضمن نشاط “نادي القصة” في الاتحاد ندوة بعنوان “قراءات نقدية وشهادات في أدب الراحل عبدالله صقر” قدم لها القاص محسن سليمان رئيس “نادي القصة”، وشارك فيها كل من الأستاذ عبدالفتاح صبري و د. محمود بكري و د. مريم الهاشمي.

كانت البداية مع عبدالفتاح صبري الذي تحدث حول مسيرة الراحل الأدبية وريادته لفن القصة القصيرة من خلال مجموعته “الخشبة” ، كما تحدث غن تناول النقاد لهذه المجموعة بترحيب بالغ الإعجاب مع بعض التباس تعرضت له المجموعة وظروف طباعتها المتأخرة ، ويرى عبدالفتاح صبري أن اتلالتباس الذي حدث في أحفية الريادة بينه و القاصة شيخة الناخي سببه قصور لدى الباحثين والمؤرخين.

وقرأ د. محمود بكري ورقته بعنوان “تأملات الذات وهواجس الغياب” وجاء فيها: “لَم تَعُدِ الذَّاتُ فِي النُّصوصِ النَّثْرِيَّةِ المُعاصِرَةِ ذَلِكَ الكِيانَ الصُّلْبَ المُتَماسِكَ الَّذِي يَعرِفُ مَنْ هُوَ، بَل غَدَتْ سُؤالًا مَفْتوحًا، وَمَجالًا لِلتَّأَمُّلِ وَالقَلَقِ وَالتَّمَزُّقِ، وفِي فَضاءٍ نَصِّيٍّ يَعْزِفُ عَلَى وَتَرِ البَوْحِ وَالكِتمانِ، تُطِلُّ الذَّاتُ عَبْرَ ظِلالِها، لا عَبْرَ حُضُورِها الكامِلِ، وَتَتَحَوَّلُ إِلَى أَثَرٍ لُغَوِيٍّ يَتَقاطَعُ فِيهِ الذَّاتِيُّ بِالكَوْنِيِّ، وَالدَّاخِلِيُّ بِالخَارِجِ، وَالمَعْلُومُ بِالغَائِبِ.

يَحضُرُ “الغِيابُ” فِي هَذَا السِّياقِ، لا بِوَصْفِهِ نَقِيضًا لِلحُضُورِ، بَل كَحالَةٍ وُجُودِيَّةٍ مُرَكَّبَةٍ، يُمَثِّلُ فِيهَا الفَقْدُ وَالانْتِظارُ وَالحَنِينُ وَالتَّشَظِّي أَبْعادًا مُتَعَدِّدَةً لِلوَعْيِ المُعاصِرِ. وَيَتَحَوَّلُ الغِيابُ إِلَى عُنْصُرٍ إِبْداعِيٍّ فاعِلٍ، يَصُوغُ النَّصَّ بِتَرَاتُبِيَّاتِهِ الإِيقاعِيَّةِ، وَصُوَرِهِ الغَامِضَةِ، وَفَراغاتِهِ الدَّالَّةِ، وَمِن هُنا، تَسْعَى هذِهِ القِراءَةُ إِلَى مُقارَبَةِ البِنْيَةِ الدَّلالِيَّةِ وَالبَلاغِيَّةِ الَّتِي تُنْتِجُها “الذَّاتُ المُتَأَمِّلَةُ” وَ”هَاجِسُ الغِيابِ” فِي نُصوصِ عَبْدِاللَّهِ صَقْرِ أَحْمَد، بِالاسْتِنادِ إِلَى مَقولاتِ التَّأْوِيلِ، وَسِياقاتِ الذَّاتِ المُعاصِرَةِ، لِبَيانِ كَيْفَ تَتَشَكَّلُ هذِهِ الثِّيماتُ الكُبْرَى فِي بِنْيَةِ اللُّغَةِ الشِّعْرِيَّةِ.

المَحْوَرُ الأَوَّلُ: الذَّاتُ المُتَشَظِّيَةُ – بَيْنَ حُضُورِ الكِتابَةِ وَغِيابِ اليَقِينِ

يقول عبدالله صقر في قصيدة “نصف ملك” :

فِي ذَلِكَ الشَّارِعِ
لَمْ أَتَمَكَّنْ مِنْ رُؤْيَةِ وَجْهِي
خِلَالَ المُتَوَفِّرِ،
فَوَجَدْتُ قَدَمِي اليُمْنَى
تَتْرُكُ وَطْأَتَها بِسَعادَةٍ
عَلَى الأَرْضِ
والذَّاتُ فِي هذَا المَقْطَعِ تُواجِهُ صَدْمَةَ الوُجُودِ الفِيزْيائِيِّ؛ حَيْثُ لا تَرَى انْعِكَاسَها (غِيابُ الهُوِيَّةِ)، رَغْمَ تَوَفُّرِ المَكانِ. المُفارَقَةُ الدَّلالِيَّةُ تَكْمُنُ فِي أَنَّ الأَرْضَ – الَّتِي عادَةً مَا تَرْمُزُ لِلثَّباتِ وَالانْتِماءِ – تُسْتَحْضَرُ عَبْرَ القَدَمِ اليُمْنَى الَّتِي تَطَأُ “بِسَعادَةٍ”، وَكَأَنَّها تُعِيدُ تَثْبِيتَ وُجُودِ الذَّاتِ بَعْدَما فَقَدَتْهُ.
كما أنَّ هذا المَقْطَعَ يُكَرِّسُ فِكْرَةَ الحُضُورِ عَبْرَ الغِيابِ، حَيْثُ تُعْلِنُ الذَّاتُ وُجُودَها لا مِن خِلالِ وَجْهِها (رَمْزُ الذَّاتِ القَدِيمَةِ)، بَلْ مِن خِلالِ حَرَكَةِ الجَسَدِ المُنْفَلِتِ مِن سُلْطَةِ التَّمَرْكُزِ.

ثم يعود في النص نفسه ليقول:

“تتلك الدورة العجيبة

تتثاقل بوزني

وبعض المشاعر المتهالكة

بسبب جيوبي الخاوية

أو إفلاس مرت بي مراحله

أو بعض مساوئ عصبية

 تَسَرَّبَتْ داخِلِي
دُونَ خَجَلٍ،
فَتَخَفَّتْ خَلْفَ ذَلِكَ الهُدُوءِ
حِينَما اصْطَنَعْتُهُ

وذابت فيه إلى ما لا نهاية

وهنا يَتَكَثَّفُ فِي هذَا المَقْطَعِ الانْفِعالُ القَهْرِيُّ النَّاتِجُ عَنْ الاخْتِراقِ الدَّاخِلِيِّ لِكِيانِ الذَّاتِ. التَّسَرُّبُ بِدُونِ خَجَلٍ يُشِيرُ إِلَى فُقْدانِ السَّيْطَرَةِ، وَ”الهُدُوءُ المُصْطَنَعُ” هُوَ قِناعٌ يُخْفِي تَمَزُّقًا دَاخِلِيًّا، فالذَّاتُ هُنا تَـمَثُلُ كَمَنْفًى داخِلِيٍّ؛ الغَرِيبُ يَسْكُنُها، وَهِيَ تَسْتَسْلِمُ لَهُ. لا فَرْقَ بَيْنَ الدَّاخِلِ وَالخارِجِ، فَالصِّراعُ الأُنْطولوجِيُّ هُوَ صِراعٌ مَعَ اللّا مَرْئِيِّ، وَهُوَ جَوْهَرُ قَصِيدَةِ النَّثْرِ الحَدِيثَةِ الَّتِي تَنْبَنِي عَلَى الغِيابِ كَجَوْهَرٍ بَلاغِيٍّ.

المَحْوَرُ الثَّانِي: الغِيابُ كَخِطابٍ – مِنَ الغِيابِ الفِيزْيائِيِّ إِلَى الوُجُودِيِّ

هنا يظهر الغياب كخطاب يعبر من الغياب الفيزيائي إلى الوجودي. يقول في نص “جس نبض “:

فَالمَشْهَدُ
يَغِيبُ كَذَلِكَ.
حِينَما تَغِيبُ
يَتَوَارَى مَعَكِ.”

وهنا نرى الانْزِياحَ الأُسْلُوبِيَّ يَخْلُقُ إِيقاعًا قَائِمًا عَلَى التَّكْرارِ: يَغِيبُ – تَغِيبُ – يَتَوَارَى، مِمَّا يُحْدِثُ مَسْحًا دَلالِيًّا لِلصُّورَةِ، فالمَشْهَدُ يَفْقِدُ مَعْنَاهُ بِغِيابِ الآخَرِ. الحُضُورُ مُشْرُوطٌ بِالعِلاقَةِ، وَفِي غِيابِها يَنْحَسِرُ الوُجُودُ.

ويقول في نص “تبًا لضجرٍ ممتد” :

خاصِيَّةُ البَقَاءِ
سَابَقَتْ نُزُوعَ بَقَائِي كَثِيرًا
بِالتَّوَاجُدِ.
بِالتَّكَوُّمِ خَلْفَ كُلِّ مَوْعِدٍ

وراء كل مقعد

في زاوية ما

يفرغ مني

ما دون وردة

ما دون قصيدة

فالذَّاتُ هنا لا “تَعِيشُ”، بَل “تَتَكَوَّمُ”. البَقَاءُ يَصِيرُ هَوَسًا مَرْهُونًا بِالانْتِظارِ، حَيْثُ التَّكَوُّمُ يُمَثِّلُ حَيَاةً مُؤَجَّلَةً، حَيْثُ يُعاشُ الوُجُودُ نَحْوَ المَوْتِ، وَيُصْبِحُ اللِّقَاءُ تَرَاكُمًا لِغِيابٍ.

المَحْوَرُ الثَّالِثُ: بَلاغَةُ الصَّمْتِ – اللُّغَةُ كَأَدَاةٍ لِتَظْهِيرِ الغِيابِ

هنا تبدو اللغة أداة تعبر عن الغياب لتظهره، فحين تبلغ الذات مبلغًا عميقًا من التأمل، يصبح الصمت أبلغ حديث، وأفصح متكلم، يقول عبدالله صقر:

كَيْفَ لِذَلِكَ التَّوَافُقِ
أَنْ يَظْهَرَ فِي كُلِّ مَشْهَدٍ؟
كَيْفَ لِتِلْكَ الخُطُوَاتِ
أَنْ تَتَّفِقَ عَلَى ذَلِكَ النَّهْجِ؟
بَلْ كَيْفَ لِلأَرْضِ
أَنْ تُقْبِلَ عَلَى دَوَرَانِهَا بِشَهِيَّةٍ
تَحْتَ خُطُوَاتِي المُتَطَرِّفَةِ
بِهَذَا التَّوَافُقِ؟

هنا يطغى السؤال على البنية اللغوية للنص، مما يشي بما يعتمل في نفسه من حيرة، كَيْفَ، كَيْفَ، كَيْفَ = إِيقاعُ الحَيْرَةِ وَالصَّمْتِ، فالتَّسَاؤُلُ يُقَوِّضُ النِّظامَ، وَيُظْهِرُ اللُّغَةَ كَأَزْمَةٍ، والذَّاتُ تَشُكُّ فِي مَنْطِقِ الكَونِ، وَتَجْعَلُ الصَّمْتَ وَسِيلَةً لِلتَّأَمُّلِ.

المَحْوَرُ الرَّابِعُ: تَأَمُّلَاتٌ فَلْسَفِيَّةٌ – الوُجُودُ، وَالمَوْتُ، وَالذِّكْرَى

وهنا ننتقل من التأمل الذاتي إلى التأمل الفلسفي، فتنتقل الذات المتأملة من النظر في الجواني إلى النظر في البراني، فنراه يقول

وَأَمُوتُ
فِي كُلِّ مَكَانٍ مُسْتَبَاحٍ
خِلَالَ تِلْكَ البُحَيْرَاتِ الحَمْرَاءِ
حَيْثُ تُشْبِهُ عَلَمًا بَلْشَفِيًّا

وحين ننعم النظر في هذا المقطع سنجد الآتي
المَوْتُ = انتِهَاكٌ وَذَوَبانٌ فِي عَالَمٍ عَدَمِيٍّ.
البُحَيْرَاتُ الحَمْرَاءُ = الدَّمُ وَالعُنْفُ السِّياسِيُّ.
العَلَمُ البَلْشَفِيُّ = تَحَوُّلُ الأَيْدِيُولُوجِيَا إِلَى قَمْعٍ.
فالمَوْتُ هُنَا وَعْيٌ سِياسِيٌّ وَذَاتِيٌّ بِالعَجْزِ وَالاغْتِرابِ.

ونجده أيضا يعبر عن الذات المعاصرة، فالكاتب يعبر عن ضمير عصره، لذلك تعبر الذات عن سخطها، أو عن رفضها لبعض الممارسات، أو تتشكك في بعض القيم في عالم يموج بالتناقضات، والانفتاح على كل شيء؛ لذلك نجده يردد قائلًا:

“حيث ظَلِلْتَ
تَنْتَظِرُ نَشْوَةً سَانِحَةً.
فِي هَذِهِ البِلادِ
تَسْقُطُ قِيَمٌ كَثِيرَةٌ
أَوْ تُسْتَبْدَلُ
أُخْرَى بِبَعْضِهَا

فالقِيَمُ تَتَفَكَّكُ، وَيُسْتَبْدَلُ كُلُّ شَيْءٍ بِكُلِّ شَيْءٍ. ، وكأننا أمام قِرَاءٍَ مَا بَعْدَ كُولُونِيَالِيَّةٍ، تُظْهِرُ الذَّاتَ مُعَلَّقَةً فِي نِظامٍ يُعيدُ تَدْوِيرَ الرُّمُوزِ.

الخاتِمَةُ

فِي نُصُوصِ عَبْدِاللَّهِ صَقْرِ أَحْمَد، لا تَظْهَرُ الذَّاتُ لِتُعْلِنَ يَقِينَهَا، بل لتعبر عن الإنسان المعاصر، حيث تَتَسَلَّلُ مِثْلَ ظِلٍّ يَبْحَثُ عَنْ نُورِهِ.

الغِيابُ لا يَأْتِي كَنَفْيٍ لِلْحُضُورِ، بَلْ كَصَوْتٍ مُوَازٍ يَصُوغُ وُجُودًا هَشًّا، مُتَرَدِّدًا، مُفَتَّتًا داخِلَ اللُّغَةِ.

النصُّ هُنَا لَيْسَ بِنْيَةً لُغَوِيَّةً مُغْلَقَةً، بَلْ فَضَاءً تَأْوِيلِيًّا يَعْكِسُ وَجَعَ السُّؤَالِ، وَغُمُوضَ الوُجُودِ، وَحَنِينَ الذَّاتِ إِلَى يَقِينٍ لا يَعُودُ.

فِي كُلِّ مَقْطَعٍ، نَسْمَعُ صَمْتًا يَتَكَلَّمُ، وَنَشْهَدُ فَرَاغًا يُنْتِجُ المَعْنَى، وَنَلْمَسُ حُضُورًا لا يَكْتَمِلُ إِلَّا عَبْرَ الهَامِشِ، الهَامِشِ الَّذِي هُوَ نَحْنُ”.

 د. مريم الهاشمي ختمت بمداخلتها  “عبدالله صقر –  عالم ذاتي في نصوص محلقة “، ومما قالته فيها: ” وبعد البحث في تجربة عبدالله صقر وجدت أن هناك ثلاث قضايا مهمة مرتبطة الارتباط الوثيق، وكل قضية تحيل للأخرى بشكل مباشر : مفهوم النص، قضية التجنيس الأدبي، التقريرية في الأدب.

الوقوف على مفهوم جاء من إطلاق سمة ونوع المنتج من الكاتب ( أو الناشر ) على إبداعه الكتابي مسمى نصوص  (الخشبة ) ( ثانية أخرى لحديث تأخر) (سهيل) (قطع مظلمة من الليل  (اغتراب في زمن مسلوب)  و (ابن حكايتك  التي لا أعلم حقيقية إن تم نشرها وطباعتها ، وهي عبارة عن سيرة ذاتية وغيرية في آن معًا مع كتابات في الشعر الشعبي، ولكن ما هو النص : وأصل النص هو : رفعك للشيء وإظهاره،فهو من الرفع والظهور ، ومنه المنصة،كما ترنبط اللفظة عند لغويي الغرب بالنسيج، وهي دقة التنظيم وبراعة الصنع والكمال والاستواء . لكن عند العرب فالنص بمعنى أنه لا يحتمل إلا معنى واحدًا أو ما لا يحتمل التأويل وهو هنا بمعنى (النص الديني) ، وعند النقاد فمعناه من حيث الدلالة: أنه شبكة معطيات ألسنية وبنيوية وأيدولوجية تسهم في إخراج النص إلى حيز الفعل والتأثير،  وهو هنا قائم على التعددية والقرائية ،ومنه جاء  النص الأدبي . وإن أبرز أجزاء النص وخصائصه حي يأخذ سمة النصية ولا يكون مجرد مجموعة جمل هو أن يعتمد على مجنوعة من الوسائل اللغوية التي تخلق النصية بحيث تسهم في وحدته الشاملة.

إذن النص الأدبي عملية تفريغ واستخراج لأقصى ما عند الناص من معان وإفراغها في قالب جمالي يأخذ شكلا من أشكال التعبير المختلفة، والأديب البارع يصطنع لغة تعلو على لغة الخطاب العادي وتنخرط في مجازات اللغة ، ولا يجعلها تطفو فوق السطح، بل يتنزل بها إلى قاع النص ليستدرج القارئ إلى بذل جهد لاكتشاف طبقات النص الدلالية . ( إذن مفهوم النص مرتبط بفاعليته بشكل رئيس على القارئ .ز القارئ الغواص المولع بصيد المعاني، فمن الغواصين من يقف عند الطبقة الأولى فيكل ويتعب أو لا يمتلك القدرة على الغوص أكثر ، ومن يخترق إلى طبقات أكثر عمقا فيظفر بتلك الدرر المخبوءة) .

كتابات عبدالله صقر جعلتنا نقف أمام قضية نقدية ، وهي قضية التجنيس وتصنيف الأنواع الأدبية ، وتحديد هوية أشكال التعبير ، وإن النظرية الأدبية دأبت إلى أن تضع حدودا فاصلة بين الشعر – تحديدا- والفنون الأخرى ، وبين المسرح والفنون الأخرى ، ووبين الرواية والمسرحية ، وبين الرواية والقصة القصيرة ، وبين الشعر والقصة القصيرة،ومع التطور والتحول الأدبي ظهرت أنواع وأشكال وتصنيفات متجددة للأدب ، فنجد مصطلح شعرية الشعر مثلًا أو مسرحة الشعر و شعرية الرواية أو سردية الشعر .

ولذا أنا أتعاطف مع من تخوف في طباعة المجموعة القصصية الأولى – كما ذكر الكاتب في مقدمة المجموعة – في نشرها وطباعتها ، ووصفها وكأنها  عمل مترجم لانها وللوهلة الاولى من القراءة لا تدل على الواقع -واقع ينتمي اليه خالق النص عدا قصة زوبعة في مجموعتة الخشبة . لكن التجارب لا يمكن أن تنعزل عن تلك التراكمات الإبداعية والاتصال بالتجارب الأخرى ( العربية منها وغير العربية ) وفي تجربتنا اليوم خرجت من إطار التاريخي والاجتماعي الواضح إلى إطار ذاتي أكثر وضوحا  ونزعة استغرقت في الاغتراب  وفي الثورة على الواقع الأدبي والاجتماعي والثقافي ، وواقع الأطر الإبداعية التي تحدد هوية شكل التعبير .

والقصة القصيرة عند عبدالله صقر هو عالم مستقل يقع خلف نسيجها نسيج متعدد ، متنوع اللغة والأفكار والرموز والشفرات ، وأعتقد أن الكاتب عبدالله نفسه يدرك هذه الحقيقية – بوعيه أو لاوعيه –  المرتبطة ب بنيات المتنوعة والمتداخلة في تجربته ولذا ركن إلى تسميتها ب .. ( النصوص ) . ونحن أمام مفهوم القصة القصيرة في كونها صيغة سردية له مغزى خاص جدا بالنسبة للشخصية القصصية ( وهو الإنسان باعتباره فاعلية ثقافية متصلة مع الموقف والزمن والمكان ) . والتجربة لعبدالله صقر هي خبرة خاصة مرتبطة بالعالم الداخلي ( الأفكار والانفعالات ) التي تشكلت بسلوك لغوي . وقد استعان في نصوصه – كما يسميها – بخيال الشعر أو بعناصره المعتمدة على الكثافة التعبيرية إو إسقاطات الرموز  من أجل القضايا التي أردا الوقوف عليها مثل : المرأة – الفقد الاغتراب – الحنين – سوداوية الواقع إلى جانب قضايا ذاتية تجتاح ذاته لينثرها على الورق أو يستشفي منها كتابة.

 التقريرية (والتي تطرق إليها الكاتب في مقدمة الخشبة)

 لم يعد الأدب  يقدم رؤية مباشرة للعالم ؛ بل رؤية فنية تنشد المواربة والتضليل  بعيدة عن التقريرية والوعظية ، وإن الشفرات النصية  لدى عبدالله صقر  يكتنفها دائما طابع التعقيد والغموض ما يسنح لنا بوصفها بالتعددية والتمايز والمغايرة ؛  فنجد شفرات اجتماعية وثقافية وسياسية وأدبية وذاتية ، فالقارئ – أيا كانت درجته وعيه القرائي والأدبي والفكري – لا يتواصل مع النص الأدبي إلا عبر الشفرات  التي تبحث عن تلك الذخيرته المعرفية والرصيد الثقافي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى