أقلام مجنحة

“فرط السعادة” قصة قصيرة – لطيفة محمد حسيب القاضي – اليمن

لطيفة محمد حسيب القاضي

 

في بيت العائلة الواقع في ضاحية هادئة في المملكة المغربية، يحتضن البيت أجواءً من الهدوء والسكينة. تتراقص الدقات الصامتة للساعة، معلنة قدوم الساعة الثانية عشرة مساءً.

كان “عمَر” يعيش في حالة توتر وترقب. كانت اللحظات تمر ببطء، وتخيم الحماسة والقلق على حياته اليومية، يترقب النتيجة التي ستحدد مستقبله المهني والأكاديمي. إنه يوم إعلان نتائج اختبارات الثانوية العامة، و”عمر” يجلس إلى مكتبه، وعلى الطاولة أمام شاشة الكمبيوتر كومة من الكتب المدرسية والملاحظات المكتوبة.. فلبه ينبض بقوة في انتظار مصيره.

كانت غرفته هادئة ومضاءة بضوء خافت، والنوافذ مغلقة، كان ينظر خارجها بتوتر وقلق.. الثواني تبدو وكأنها ساعات. كان يعرف أنه قدم ما في وسعه خلال العام الدراسي، ولكنه لم يستطع أن يتحكم بمشاعره المتضاربة.

كل لحظة تمر تبدو وكأنها ساعة طويلة تتجاوز مخيلته بين الأحلام المحتملة والمخاوف من عدم تحقيق توقعاته، وتفكير عميق في أنه لا بدَّ أن يكون الأول على المملكة حتمًا.

في هذا الانتظار الطويل، استغرق “عمر” في ذكريات السنوات الثلاث الماضية في عقله، والمشاكل التي واجهها في الدروس، والليالي التي أمضاها بحل المسائل.. مضى يتساءل:

– هل أنا قدمت أفضل ما لدي؟ وهل كان استعدادي للامتحانات بشكل كافٍ؟

يتخيل النتائج، والفرحة الهائلة في حالة وصوله إلى المرتبة الأولى على مستوى المملكة، وتحقيق أحلامه، والخيبة في حال كون النتائج غير مرضية وتبعد عن مسار مستقبله المرجو.

فجأة، وهو يقلب صفحات الأخبار عبر الإنترنت، يظهر اسمه في الصفحات الأولى للأخبار بأنه الأول على المملكة المغربية.

اندلعت داخله فرحة هائلة، ولم يستطع تمالك نفسه من الابتسامة العريضة التي انتشرت على وجهه. كانت هذه اللحظة مليئة بالاعتزاز والفخر، في منزلة تأكيد لقدراته.

“عمر” الذي يحمل ملامح تعكس شخصية قوية وجذابة وطموحًا كبيرًا. وجهه رفيع ومتناسق، عيونه بنية واسعة، وشعره أسود غامق كثيف منسدل حول رأسه. يفضل الملابس المريحة مع الاهتمام بالتفاصيل الأنيقة.. تجول مسرعًا في جميع غرف المنزل، في الوقت الذي كان أبواه جالسين في بهو الصالة لمشاهدة التلفاز.

قال والده، وكله دهشة: ما بك يا عمَر، تلف وتدور في جميع غرف البيت؟

– لم أتوقع أن يحدث ذلك!

* ماذا حدث؟

جلس عمر على الكرسي لأنه لا يقوى على الوقوف من فرط السعادة.

* هذا غير معقول!

في تلك اللحظة التاريخية، استيقظت أخته، فأسدلت عن كتفيها الغطاء، ودنت من أخيها.

** ما الذي حدث؟ صوتك عالٍ ووجهك شاحب؟

– هذا من الفرحة، لقد أصبحت الأول على مستوى المملكة المغربية. هل تعرفين ذلك؟ إنكم تعيشون مثل الوحوش البرية، لا تطالعون الصحف ولا تتصفحون صفحات الإنترنت!.. كل المملكة تعرف الآن! تعالي يا أمي على غرفتي لتقرأي الخبر على الكمبيوتر. تعالي، تمعني في هذا الخبر.

ذهبت أمه لتقرأ الخبر، وكانت الصدمة هائلة.

فوجئت الأم باكتشاف محبط، تشابه في الأسماء بين ابنها و شاب آخر، وتحديدًا في الاسم الأخير. لم ترد أن تقول لابنها خوفًا عليه من هول الصدمة.. قلصت شفتيها، وأجهشت، وامتلأت عيناها بالدموع، وظفرت حبات العرق على أنفها. وقالت بصوت متهدج:

×إنه تشابه في الأسماء، ولستَ أنت الأول. خذ، وأقرأ جيدًا.

ضرب “عمر “الأرض بقدميه. لم يكن لديه ثمة إحساس بالحياة، واستغرق في التفكير.

– آه على حظي في الحياة، دائمًا حظي سيء.

اكتسب “عمر” لونًا شاحبًا كالشمعة التي كانت متوهجة وفجأة انطفأت.. كانت الصدمة الهائلة في تلك الليلة المظلمة وكأن الشمس المشرقة التي كانت تضيء طريقه قد تحولت إلى سحابة سوداء تعصف بحلمه وطموحه.

شعر “عمر” بارتباك وتشتت، لكنه عازم على التغلب على هذه التحديات والنهوض من جديد. استغرق في التفكير كثيرًا.. قدمت له أسرته الدعم والتشجيع اللازمين للمضي قدمًا وإعادة توجيه طاقته وتركيزه.

لوَّحَ “عمر” بابتسامة في خضم حزنه، قائلًا:
– الحياة كلها مفاجآت. في الحياة أشياء أخرى جميلة آتية.

مع مرور الوقت، ما فتئ “عمر”يتغير، وأصبحت لديه رؤية أوضح لمستقبله وأهدافه، وتحقيق أحلامه وإعادة تشكيل مستقبل واعد، وأدرك أنها ليست نهاية المطاف، وأن لديه فرصًا أخرى لتحقيق أحلامه والنجاح في المستقبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى