أخبار

“دراسات نقديّة”: رصد تجلّيات الأدب الأردني في ديوان وشهادة وكتاب

عمّان    –   “البغد المفتوح”:

صدر في العاصمة الأردنية عمّان عن “الآن” ناشرون وموزعون، الأردن (2025)، دراسات نقديّة في إبداعات أردنيّة.. دواوين وتواليف” د. يوسف بكار ، وهو كتاب ضم ستّ دراسات أنجزها الباحث في عام 2023 كما يوضح في مقدمته.

الدراسة الأولى من الكتاب تناولت ديوان “سرد لعائلة القصيدة” للشّاعر الأردني عمر أبو الهيجاء، ورأى الباحث بكار أن أبو الهيجاء “لم يُرْس سفينة شعره على شواطئ الشّعرين الشّطريّ والتّفعيلي، بل حطّ في بريّة قصيدة النّثر كما يقول نزار قبّاني، الذي بدأ شطريًّا ثم تفعيليًّا ومن ثمَّ إلى بريّة قصيدة النّثر؛ لكنّه ظلّ يغرّد على أغصان أشجار القوالب الثّلاثة وفْقًا للرؤية والموقع والموقف”. موضحاً أن “عمر أبو الهيجاء شاعر نثري، فلا نعدم أن نقع، بين الحين والحين، في بعض قصائد في دواوينه، على “سطور” موزونة من البحور الصّافيّة كالمتقارب والرّجز والكامل والمديد، وعلى ارتكازات قافيّة إيقاعيّه جزئيّة متباعدة ومتقاربة تُعلي من موسيقى الشّعر الخارجيّة، وتصون من ضعف الرّنين، وتشد أزر الموسيقى الدّاخليّة في الألفاظ والجمل والتّجاور. ومن أمثلة ذلك في قصيدته “نقاط”: “الطّريق وحدَها تعرف إيقاع المتعبين، المدن تأكلها الشّظايا، قلبي موسيقى الرّاحلين”.

وتناولت الدراسة الثانية ديوان “دم حنظلة” للشاعر الأردني إبراهيم الخطيب الذي خصّص ديوانه لرسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي الذي اتخذ من “حنظلة” رمزًا للفلسطيني المعذّب والمناضل القويّ في آنٍ، وقد صدر هذا الديوان في الذكرى الثّالثة لاستشهاد ناجي العلي (1937-1987). ويضمّ دّيوان الخطيب قصيدتين متلاحمتين متلازمتين دون عنوان لكلّ منهما إذ أن العنوان كما يوضح يوسف بكار “ينداح فيهما اندياحًا شاملًا مدعّمًا بعدد من رسوم ناجي العلي المتوائمة مع ما يعنيه الشّاعر ومسيرة حنظلة ذاته”: “لا رثاء ولا احتفاء بناجي، أي حيّ من الممات ناجي؟!، أينما كنت لا مفر من الموت، ولو كنت خلف برج عاجي”. بينما القصيدة الأخرى الأطول فمنظومة من عدّة مقاطع تفعيليّة من بحر المتقارب، الذي عضّد الشاعر موسيقاه بالرّكن الآخِر من الموسيقى الخارجيّة القافية، التي احتفظ برنينها الموسيقى متقاربًا ومتباعدًا في جلّ مقاطعها: “حَنظلةْ!، لا تكذبُ البوصلةْ، تُهمتي خيمةْ، وجْهتي غيمةْ، ودمي مرحلةْ”. ويؤكد الباحث في قراءته للديوان أن شعر إبراهيم الخطيب عامة، وفي ديوانه هذا خاصة ذو سمات شعريّة واضحة في الموضوع والفنّ، ففي الموضوع تشغله في هذا “الزّمن المهزلة” كما يصفه هو، قضايا أمته الوطنيّة والسّياسيّة وقضيتها المركزيّة القضيّة الفلسطينية بأبعادها الشموليّة والجزئية.

ومن الدراسة الثالثة تطل حياة عبد المنعم الرّفاعي وإبداعاته في الشّعر والنّثر والنّقد، وقد وضع في الكتاب ملحق مهم هو حوار أجراه الأديب شجاع الأسد مع الرفاعي، وقد أدرجه بكار في كتابه نظراً لما فيه من مصطلحات نقديّة للشاعر من مثل “الرَّقيّ الشّعري”، و”السّمو والتّحليق” و”الصّفاء” إبّان النّظم، والموقف من “الوعي واللاوعي”، و”الشّاعر والصَّنْعة”، وهي بحسب بكار: “قمينة بأن تدرس من خلال شعر الشّاعر نفسه وغيره، كما هو الشأن في مصطلح (المعاودة) الذي درسته كاملًا في كتابي عنه وألمعت إليه في هذه الدّراسة”، وأكد د.يوسف بكار أن عبد المنعم الرّفاعي كان مسكونًا بهاجس “التّثقيف” بدءًا و”المعاودة” تاليًا؛ لأنّه كان يصبو دائمًا إلى مزيد من التّجويد الفنيّ ويرنو إلى مستوىً أفضل وأرحب من “الاستواء الفنيّ” أو ما يسميّه هو “القدرة الأدبيّة والإبداعيّة”، كما كان حريصًا على أن يعود إلى شعر عهد الشّباب وعهد الجامعة، الذي لم يكن راضيًا عنه كل الرّضى من حيثُ القدرةُ الأدبيّة والإبداعيّة، فيعاودَ النظر فيه تغييرًا وتحسينًا وتقويمًا، لكنّه وجده فعلًا مضنيًا، فتركه. ويشير بكار إلى أن ديوان “المسافر” في الشّعر، وكتاب “الأمواج” في النّثر أهم ما خلّف الرّفاعي، وهما يحكيان معًا سيرة الرّجل إلى حدٍّ معقول، فالمسافر الذي عُنون بعنوان أوّل قصائده فيه قال هو عنه إنّه “استعارة لصفة ذلك المسافر الذي قام برحلة الحياة، ووقف في أسفاره عند عدد من المحطّات على الطريق الطّويل”.. إنّه سيرة لجزء من حياته الخاصة والعامة. والقصيدة تحديدًا وصُفت بأنّها “مسيرة الحياة”؛ حياة الشّاعر الخاصة في الأغلب، يقول إنّه نظمها عام 1958 واستغرق نظمها ستة (6) شهور، وإنّها “تمثّل حواره مع نفسه بما دخل على هذا الحوار من مؤثرات خارجيّة كان لها انعكاسها في الإحساسيّات الذاتيّة للشعر”، وهي من “الطراز الوجداني، فالمقطع الثّالث، بعد المعاودة، تلفُّه “الذكرى” التي لا تخلو من ألم: “كيف أنسى وفي يميني المُعَنّى، أثر النار وانطلاق الحديد، نم هنا طال مدأب ومثار، هذه رقدة الجريح الطريد”.

وكان موضوع الدراسة الرّابعة بقلم الأديب يعقوب العودات “البدوي الملثّم”، والشاعر مصطفى وهبي التّل “عِرار”، من خلال كتاب العودات “عرار شاعر الأردن”، وهو أوّل كتاب يصدر عن الشاعر، وهو واحد من كتب العودات “الأصلية” لأنّه عرف عرارًا عن قرب وخالطه، وخالط أصدقاءه ومعارفه، ولم يألُ جَهْدًا في أن يجمع كلّ ما أمكن من أخباره وأشعاره بالاتصال بالعارفين به والسّفر إليهم، ولقد كانت جهوده المضنية الجادّة في تأليف الكتاب الذي يحوي معلومات وتفاصيل دقيقة عن الشّاعر الذي عرفه أوّل مرة في شهر إبريل/ نيسان عام 1922م حين نزل ضيفًًا على والده في بيتهم بالكرك؛ وآلت هذه المعرفة إلى صداقة سبعة وعشرين عامًا انتهت بوفاة عرار، وقيّد العودات الكثير من خصائص الشّاعر وسجاياه الشّخصيّة ونوادره ومفارقاته ودعاباته ومواقفه الوطنيّة والقوميّة والإنسانيّة ونوادرَ من رسائله إلى ابنه البكْر وصفي، كما أنّه أثبت مطارحاتِه ومساجلاته الشّعريّة مع عدد غفير من شعراء الأردن والوافدين عليه من أصدقائه ومعارفه، وفي الكتاب، كذلك، مباحثُ موضوعيّةٌ وفنية لجوانب من شعر عرار، كالتّصوير الفنيّ، والومَضات الفلسفيّة، ونزعة التشاؤم، وركزت دراسة د.بكار على الكتاب وما ندّ عن الشّاعر والمؤلف من “هفوات طفيفة” كما يصفها الباحث، مستدركاً هذه الهفوات ومشيراً إلى أنها  “أمر طبيعي في عالم التأليف والكتابة والإبداع”.

 الدراسة الخامسة وقفت عند كتاب “المجمع العلمي العربي في الشّرق” (1341هـ/ 1923م – 1344هـ/ 1926م) للدكتور سمير الدّروبي عضو مجمع اللّغة العربيّة الأردني الذي كشف فيه اللثّام عن حقيقة هذا المجمع الذي أسسه الرّاحل الأمير عبد الله بن الحسين عام 1923 وعُمّر ثلاث سنوات، “وقد غامت هذه الحقيقة عن عدد من الباحثين الأردنيين وغير الأردنيين” بحسب بكار، ولم تقتصر الدّراسة على التعريف بهذا الكتاب الرّائد، إنّما تضيف إلى فصوله إضافات تكميليّة من مصادر فات المؤلف أن يطّلع عليها، وتنبّه على “هفوات طفيفة دلفت إليه بغية تحاشيها في طبعات لاحقة” كما يؤكد الباحث.

وتمحورت الدراسة السّادسة والأخيرة حول كتاب “حركة إحياء التراث في الأردن” للدكتور محمد الدروبي، وهي في الأصل كما يوضح د.يوسف بكار تقديم كتبه لهذا الكتاب التّأريخي القيّم لحركة إحياء التّراث في الأردن التي تتبعها الكاتب تتبعًا استيعابيًا حثيثًا يرى فيه بكار: “كامل ووافٍ” بحيث يمكن أن يعدّ سِفْرًا في بابه، ومصدرًا مهمًّا في دراسة حركة إحياء التّراث في الأردن لا تقلّ عن مثيلاتها في بلدان الوطن العربي كافة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى