محمد عبدالله البريكي يتوسط المشاركين بعد تكريمهم من اليمين هبة شريقي و يوسف الحمود و فواز الشعار و متوكل زروقالحضور
الشارقة – “البعد المفتوح”:
نظم “بيت الشعر” في مقره بالشارقة الثلاثاء 29 يوليو/ تموز 2025 أمسية شعرية أحياها الشعراء متوكل زروق، وهبة شريقي، ويوسف الحمود بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير “بيت الشعر” في الشارقة وجمع من الشعراء والأدباء والفنانين ومحبي الشعر.
قدم للأمسية الثلاثية بتنوع أساليب شعرائها ورؤاهم، فواز الشعار فرفع أسمى آيات الشكر لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة لإعلائه شأن الثقافة وجعلها نهجًا لبناء الحوار الإنساني ، وحيا القائمين على دائرة الثقافة في الشارقة و الشاعر محمد عبدالله البيركي مثنيًا على دور بيت الشعر ونشاطه، وعرف بالشعراء المشاركين الذين تعاقبوا على المنبر.
الشاعر متوكل زروق استهل الإلقاء بقصائد لفتت انتباه الحضور بمعانيها ودلالاتها ، ومنها “مواعظ العدمي للعدمي”، حيث يشعر بأسى “يسمو به” ويرى أن الأسى “قدرٌ لنا سنُجلُّه”:
بي مرَّ نايٌ يرجحن ويشهقُ
قلتُ: اصطحبني قال: حزنكَ أعمقُ
وصدى جراحك كنتُ قبلُ سمعته
تغفو الجراحُ وبعدُ جرحك يُفتقُ
عالٍ أنينك فوق ما يعلو البكاءُ
رؤاك ذابلةٌ ونبضُكَ يَصعقُ
يا أيها المطليُّ بالأوجاعِ حز
ني حرفتي ولديك حزنٌ مرهِقُ
عندي أسىً أسمو به وأُحبه
وأساك مبتزٌّ وروحَك يزهقُ
درجٌ بحنجرتي يرتبُ آهتي
ويلُمُّ آهتك الصَّدى ويُفرقُ
بي كلُّ نازلةٍ تمرّ أُحيلها
طيراً ينزُّ عذوبةً ويزقزقُ
هذا الأسى قدرٌ لنا سنُجلُّه
وبه _ إذا ملَّ الأسى _ نترفقُ
هذا أوانُ مواعظِ العدميِّ للــ
عدميِّ هذا صوتُه يتشققُ
وقتُ انبهارِ الشِّعرِ بالشُّعراءِ
والشُّعراءِ بالأحزانِ وهي تُنسّقُ
بي مرَّ طيفٌ لا تُرى أقدامه
والوقتُ أقصرُ من خُطاهُ وأَضيقُ
قلتُ انتبه لي إنني متربصٌ
بكَ واللُّحون وكلّ ما يتألقُ
فأراق أقصى ما له في مهجتي
ومشى على ذهني يهُشُّ ويحرقُ
يمشي كأن الحزنَ ليس بحلقهِ
وبقدرِ ما اتسعَ المدى يتعملقُ
قلت اصطحبني فالطريقُ مُذِلَّةٌ
والرَّاكضونَ بحزنهم قد أُرهقوا
أَمشي وكلُّ ضحيةٍ لاقيتها
نسبت لكم أشلاءَها لو تنطقُ
كلُّ الذين تيبَّسوا في دمعِهم
لعنوا خُطاك وفوق سبِّك عُلِقوا
ماذا ستحصد لو سموتَ بجرحِهم؟
وحصدت ماذا لو نسُوكَ وحلَّقوا؟
قال الطريقُ فردتُها من أضلعي
أمشي عليها فاتحاً وأغلِّقُ
أمشي وحيداً صامدًا متعجرفًا
كالنسر أصعَدُ، ما أشاءُ أحلِّقُ
مذ قيل كن للحزنِ شلتُ غناءَه
وكبرتُ بالأشجان وهي ترقرقُ
بي نزَّ جرحٌ دائماً صادقتهُ
لكنَّ جُرحكَ غائرٌ وممزقُ
سأسيرُ وحدي شاهراً عدميتي
حتى يُرى للحُزنِ وجهٌ مشرق
هذا قرارٌ قعرهُ متيقِّنٌ
أن الذي لا يشرئبُّ سيُسحقُ
أن الذي أقدامه في الظِّلِ لا
أملٌ له وعلى الفناءِ معلقُ
لا ظلَّ يسندُ صاحباً في ميلهِ
إن الظِّلال خديعةٌ لا منطقٌ
وفي “اسمها” حيث “الغيمُ يمشي خفيفاً ويبتدعُ الوترُ
المستكينُ على العودِ أغنيةً هشَّةً كالهيام”:
لاسمِكِ ينتفضُ الصمتُ مُزدهراً بالكلام
والعصافيرُ تُلقي الغناءَ بأعشاشها
والذي لم يعد ممكناً
عاد باسمك ِمنتصباً واستقام
لاسمك النهرُ لمَّا يعد صاعداً
دار مبتسماً واستهجى الضفافَ
التي حوله شدَّ خيمته وأقام
لاسمك الحجرُالصلدُ ينشزُ بالماءِ
والغيمُ يمشي خفيفاً ويبتدعُ الوترُ
المستكينُ على العودِ أغنيةً هشَّةً كالهيام
حلَّق النَّدُ، لما انحنى لاسمك الزَّهو
وانفتق الليلُ بالصبحِ
والشِّعرُ أنفق ما أنجز الشُّعراءُ
وما سيجيءُ به القابضون على جمرةِ الشِّعرِ
منذ (امرئ القيس) وهو مكبٌ
على آنه واعدٌ غدَه بالقيام
لاسمك الذِّكريات التي باض فيها الصَّدا
فرَّخت لُمعةً، شبَّ فيها الرَّياحينُ
مندهشًا والسنا بعدُ حام
فإذا الوقتُ غلَّق أبوابه والمنى
قصرت خطوَها دقَّ بالهمسِ أقفالها
وأراق المنى في كؤوسِ المُدام
نقطةُ الشَّهد في كلِّ قولٍ
ولحنٌ على كل سمعٍ،
وخارطةٌ للشَّذا واسمك العطرُ
و الماء والذبذباتُ التي في صدورِ المحبينَ مكتملٌ، فوق روعته وتمام التمام
اعتلت المنبر بعد ذلك الشاعرة هبة شريقي منشدة محموعة من قصائدها التي حلقت بأجنحة الرقة والخيال والغاطفة ، وفي قصيدتها “هروبٌ حرّ”تبث حب امرأة “دمْعِ رقّتها سينبتُ العشبُ كي يروي حكايتَهُ”:
مُسافِرٌ ضلَّ من خوفٍ هدايتَهُ
منكِّسٌ قلبَهُ دوماً، ورايتَهُ
لا غايةً يرتجي إلّا الطريقَ لهُ
لا عادَ من يأسِهِ أو نالَ غايتَهُ
من كثرِ ما أفلتَ الأحلامَ أشرِعةً
ما عادَ يَرقبُ ما يخشى استحالتَهُ
مقيِّدٌ روحَهُ في سجنِهِ أبداً
وحائرُ القلبِ، لا يدري جنايتَهُ
أشغالُهُ الصّبرُ حتى يومِ شهقتِه
جلّادُهُ الوقتُ لا ينوي إضاعتَهُ
خَدّامُهُ الحُزنُ يفديهِ ويعشقُهُ
ما دامَ.. ما دامتِ الآهاتُ سادتَهُ
تحبّهُ امرأةٌ، من دمْعِ رقّتها
سينبتُ العشبُ كي يروي حكايتَهُ
ويعبقُ الوردُ مزهوّاً بفتنتِهِ
ويعزمُ الأمرَ أن يسبي فراشتَهُ
لا يستطيع سوى تقبيلِ دمعتها
ثمّ الرحيلِ إذا اسطاعتْ غوايتَهُ
ولا ترى غيرَ أن ترنو لرجعتِهِ
مُذ باتَ ذاكَ الهروبُ الحُرُّ عادتَهُ
أنثى -بفطرتِها- من غيرِ سؤلتِهُ
راحتْ تلبّي لهُ في الحُبِّ حاجتَهُ
تحتاجُهُ، إنّما يحتاجُ عُزلتَهُ
وأنْ تُبارِكَ في المنفى مساحتَهُ
لأنّهُ حاولَ المعنى وأسكتَهُ
طولُ التمعُّنِ لمْ يُحسِن صياغتَهُ
هو التباسٌ وتفسيرٌ وأحجيةٌ
ولمْ يجد لغةً تكفي بلاغتَهُ
اليأسُ لو صارَ ظلّاً، لن يفارقَهُ
أو حاول الشعرَ لاستلّ استعارتَهُ
وختم الإلقاء الشاعر يوسف الحمود بعدد من قصائده القوية بسبك عباراتها ومنها قصيدته “براري الأمس” ذات الدلالات العميقة والتي قدم لها بقوله: “من منسياتكم أصدقائي: أبو البقاء الرندي، شاعر له مرثية الأندلس الشهيرة “لكل شيء إذا ما تم نقصان”، سيف الفناء: سيف ديموقليس، الشهير في الحكاية اليونانية”.
حيٌّ على ورق ما سال من قلمهْ
نزيفَ روح، بحبر خَطَّ أم بدمِهْ؟
في موقف الوعد خلاها محنطة
ذكرى لعابرة تسطو على حلمهْ
مشرداً في براري أمسه زمناً
أمضى، وها هو يهوي من ذرى ندمِهْ
عصر أصمُّ وترجو في المجاز صدى
يا صانع الكلم المصنوع من كلمِهْ
هذب نشيدك، ما دعواك جائزة
بعثتَ ميْت كلام الأمس من رممهْ
أريتَ كالمتنبي العصر وهو عمٍ
أذهلت كالمتنبي العصر عن صممهْ
الآن، ليس سواه، الآن، لحظتك الأخرى
سراب تمرأى في ضحى ديمه
لا شيء أحكم في سفر الحقيقة من
سيف الفناء المدلى دل عن حكمه
فأين ما ساسه في الفرس ساستهم
وأين ما شاده شداد في إرمهْ””
أبو البقاء رأى أم الفناء وكم
شبيه أندلس يسعى إلى عدمه
وأين مَن ظنّ أن المجد مخلده
وأين مَن ظن لبَّ الخلد في صنمه
وأين داع لدنيا عبد قولته:
ما ضر من قال لا لو مات عن نعمه؟
أتى عليهم جميعاً وقت قاضية
والوقت كالسيف طبع الفتك من شيمه
بمنجل راقص في الريح بُغيتُهُ
الطير في وكره والليث في أجمه
وما سوى صرخة للشعر رددت ال
صحراء أصداءها عن مجتدي نعمه
من ثغرة في نواميس الوجود أتى
هذا المكرر مثل الشمس في قدمه
الشعر وعد الغريب، الشعر ردته
إلى زمان سخي، شبَّ في كرمِهْ
وما القصيدة؟ أنثى عندما عبرت
حطتْ عن القلب ما أوهاه من ألمهْ
لك التحية يا برق ابتسامتها
أعرت ضوءاً لحرفي شع في ظُلَمهْ
لك التحية يا دمعاً بمقلتها
أعدت شعري فتي القلب في هرمِه
حياً على ورق أنجاه من غرق
في لجة الصمت، ويل الشعر من بكمهْ
وفي “أوج القصيدة” يبوح الشاعر بأنه “ذاك الغريب” قائلًا:”على طعن الهوى وطنت قلبي”:
تركتِ له رهان الخاسرينا
فآلى أن يظل له رهينا
يُعادى فيك أنتِ ولا يعادي
يخانُ وطبعه أن لا يخونا
حفيٌّ بالغريب الشعرُ، من ذا؟
ولو حلماً يعيد له السنينا
به مسّ الأغاني لا يبالي
أذابَ إليك شجواً أو حنينا
أنا ذاك الغريب، أكون ما لا
يُكان، وعاجز عن أن أكونا
على طعن الهوى وطنت قلبي
فكان كلاكما وطناً طعينا
لك الذكرُ الشهيُّ كما نوايا
صبايا يتخذن العشق دينا
لك النهر المجفف في الأغاني
سلاماً من صبا بردى حزينا
يد الصوفيّ تستعطي دنان الخطايا
في تكايا العارفينا
لك الجرحُ العريق بسيف غازٍ
عجنت عظامه للزهر طينا
فما الغارُ المؤجّل لانتصارٍ
مريرٍ أي نصر تنشدينا؟
ولي من عزة الأوطان أني
أئن نشيد عزتها أنينا
أكثف عبرة التاريخ سطراً
سأورثه لمن يأتون جينا
ولي من آدم ذكرى خلود
تأبد فيه إبليس سجينا
كذا من لعنة الأخوين درس ال
غراب وقد تركت أخاً دفينا
ولي في كهف أفلاطون ظل
وأغلال كحال الآخرينا
ولي أيضاً زوالي في غبار ال
أساطير التي حيكت قرونا
عبوري مثلما شبح المرايا
حضورَك فوق عرش الخالدينا
وأوثر ردة الإيقاع أني
أحاول بالقصيدة أن أكونا
ومن أوج القصيدة ذات شعر
أطل عليك لا من قاسيونا
وفي نهاية الأمسية كرّم الشاعر محمد البريكي المشاركين شعراء و مقدمًا والتقط معهم صورة تذكارية .