مقالات

 تجليات السخرية في روايات صبحي فحماوي دراسة : د.عايدة نصر الله

الضحك قناع يخفي خلفه نقدًا مرًّا لواقع الفلسطيني والعربي عمومًا

الغلاف

عمان    –    “البعد المفتوح”:

صدر عن دار “الآن ناشرون وموزعون ” في الأردن 2025 كتاب “تجليات السخرية في روايات صبحي فحماوي” للباحثة د.عايدة نصر الله،ويتناول موضوعة السخرية في أدب الكاتب صبحي فحماويّ من خلال استعراض المواقف الساخرة في أربع روايات له هي على التوالي: “عذبة” (2002)، “حرمتان ومحرم” (2007، 2010)، “صديقتي اليهودية” (2015)، “سروال بلقيس” (2014). وكما يظهر فقط كُتبت هذه الروايات في أزمنة متباعدة، ما أتاح للناقدة أن تقرأ تطور أسلوب السخرية عند فحماوي في سياقات سياسية واجتماعية وثقافية مختلفة.

وأولت د. عايدة نصر الله في كتابها رواية “سروال بلقيس” اهتماماً خاصاً ، حيث أفردت لها فصلًا كاملًا، نظرًا لاحتوائها على جميع أشكال السخرية التي برزت في الروايات الأخرى، إضافة إلى تقديمها مواقف جديدة لم ترد في الأعمال الأخرى.

يستند الكتاب الذي جاء في 256 صفحة على فكرة أن السخرية عند صيحي فحماوي ليست ترفًا لغويًا أو غاية في ذاتها، بل هي أداة مقاومة فنية وفكرية، تستمد قوتها من التجربة الفلسطينية الممتدة في الداخل والشتات، فقد استندت معظم كتابات فحماوي إلى ما عاشه في المهجر وما سمعه من ذاكرة الأهل والشعب، سواء من بقي تحت الاحتلال أو من عاش مرارة المنفى.

بهذا المعنى، ينتمي فحماوي إلى تيار من الكتّاب الفلسطينيين الذين جعلوا السخرية جزءًا من خطابهم الروائي، على غرار “إميل حبيبي” صاحب “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل”، وسلمان ناطور الذي قدّم في مجموعاته القصصية صورًا ضاحكة باكية للواقع الفلسطيني بعد النكبة. هؤلاء جميعًا جنّدوا التراث والمثل الشعبي واللهجة المحلية كوسائل تمرير للنقد السياسي والاجتماعي، وتسجيل للذاكرة الشفوية.

ولا يكتفي الكتاب بوضع صبحي فحماوي في سياق الأدب الفلسطيني المعاصر، بل يربط بين أسلوبه وما عرفه الأدب العربي الكلاسيكي من فنون الفكاهة والنقد الساخر، وتستحضر الباحثة د.عايدة نصر الله مؤلفات لكتاب استخدموا السخرية وسيلة للنقد ومنهم  الجاحظ الذي برع في رسم الشخصيات بلغة كاريكاتورية، كما في رسالته الشهيرة “التربيع والتدوير”، حيث وصف أحمد بن عبد الوهاب بملامح جسدية متناقضة تُضحك القارئ وتكشف في الوقت نفسه مفارقات اجتماعية، مشيرة إلى أن هذه القدرة على التصوير البصري بالكلمات موجودة أيضا عند فحماوي الذي يطيل الوصف ويمنح شخوصه ألقابًا طريفة، فيحوّل المشهد إلى لوحة ساخرة تنبض بالحياة.

وجاء الكتاب في خمسة فصول رئيسية، سعى من خلالها إلى الإحاطة بمفهوم السخرية وأنواعها وتجلياتها في روايات صبحي فحماوي، مع ربطها بسياقاتها الاجتماعية والسياسية.، حيث عرّف الفصل الأول بالسخرية والفرق بينها وبين التفكّه أو الفكاهة، وأوضحت الباحثة فيه استراتيجيات استخدامها في الأدب، ودور “المنفر” كأداة ساخرة، والعلاقة الوثيقة بين السياسة والسخرية، إضافة إلى دور القارئ في إدراك المعاني المبطنة للسخرية.

وقدم الفصل الثاني ملخصات مفصلة للروايات الثلاث الأولى؛ “عذبة”، ح”رمتان ومحرم”، “صديقتي اليهودية”، بهدف تمكين القارئ من ربط التحليل النقدي فيما بعد بالأحداث والشخصيات، أما الفصل الثالث فاشتمل على استعراض لأنواع السخرية في الروايات الثلاث، من السخرية بالشخصيات وأوصافها، إلى السخرية الاجتماعية والسياسية، مع إبراز الفروق في درجة الحدة والوضوح بين عمل وآخر.

وركز الفصل الرابع على الحجج والبلاغة في “صديقتي اليهودية”، حيث تتخذ السخرية طابعًا جادًا، وتتحول الحوارات بين الشخصيات الرئيسية إلى سجالات فكرية تشبه المناظرات السياسية. وخصص الفصل الخامس لتحليل رواية “سروال بلقيس” بوصفها نموذجا جامعا للسخرية عند فحماوي، حيث تتجاور الكُنى الساخرة، والحوار المليء بالمفارقات، والمواقف السياسية والاجتماعية اللاذعة، مع حضور موضوع الإيروتيكا بشكل بارز، في مزيج يثير الضحك المرّ ويكشف تناقضات الواقع.

ورأت الكاتبة أن “سروال بلقيس” رواية تمثل ذروة النضج الفني للسخرية عند فحماوي، إذ تشتبك مع جميع أشكالها تقريبًا: من تصوير الشخصيات بألقاب غريبة ووصف خارجي مثير للضحك، إلى حوارات تنضح بالمفارقة، ومواقف سياسية مباشرة تنتقد الواقع العربي ومواقف الغرب على السواء، كما توظف الرواية الأغاني والنصوص الشعبية والروائح الكريهة كعناصر رمزية ساخرة، تخلق أجواءً تجمع بين النفور والإضحاك.

وخلصت الباحثة د.عايدة نصر الله في كتابها إلى أن السخرية عند صبحي فحماوي ليست مجرّد زخرفة أسلوبية، بل هي أداة نقدية قوية، تنطلق من معايشة الكاتب العميقة لمجتمعه ولتجربة اللجوء الفلسطيني، وتعمل على كشف التناقضات الاجتماعية والسياسية، ومساءلة السلطة والواقع عبر الضحك، وهي سخرية تستفز القارئ لا لتسلّيه فحسب، بل لتدفعه إلى التفكير في ما وراء النكتة أو المفارقة، حيث يمزج فحماوي في رواياته بين ما يضحك وما يبكي، بين الفرح المؤقت والمرارة المستمرة، في ما يشبه تجسيدًا للمثل العربي “شرّ البلية ما يضحك”. فالقارئ يضحك من الأسماء الغريبة والمشاهد المبالغ فيها، لكنه سرعان ما يكتشف أن الضحك هنا ليس براءة، بل قناع يخفي خلفه نقدًا مرًّا للواقع الذي يعيشه الفلسطيني والعربي عمومًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى