مقالات
“حُلماءُ العَرب” د. أحمد الزبيدي – الإمارات
د. أحمد الزبيدي
رابع حلماء العرب -كما عدهم أبو عبيدة في كتابه “الديباج” هو : أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة الفزاري: تابعي كوفي من رجال الطبقة الأولى. كان سيد قومه، جوادا، كريما، وشاعرا فصيحا، ومقدما عند الخلفاء.
قال له الخليفة عبد الملك ابن مروان: بم سدت الناس يا أسماء؟ فقال: هو من غيري أحسن ! فعزم عليه، فقال: ما سألني أحد حاجة إلا رأيت له الفضل عليّ. وزوّج ابنة له فقال يوصيها: يا بنية كوني لزوجك أمةٌ يكن لك عبدا، ولا تدني منه فيملّك ولا تتباعدي عنه فيتغير عليك.
حلمه
-
دَخَلَ “أَسْمَاءُ”يوماً عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: قَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ خِصَالٌ كَرِيمَةٌ شَرِيفَةٌ فَأَخْبِرْنِي عَنْهَا قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هِيَ مِنْ غَيْرِي أَحْسَنُ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهَا مِنْكَ فَأَخْبِرْنِي بِهَا، قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَتَانِي رَجُلٌ قَطُّ فِي حَاجَةٍ صَغُرَتْ أَوْ كَبُرَتْ فَقَضَيْتُهَا إِلَّا رَأَيْتُ أَنَّ قَضَاءَهَا لَيْسَ يُعَوِّضُ مَنْ بَذَلَ وَجْهَهُ إِلَيَّ، وَلَا جَلَسَ إِلَيَّ رَجُلٌ قَطُّ إِلَّا رَأَيْتُ لَهُ الْفَضْلَ عَلَيَّ حَتَّى يَقُومَ مِنْ عِنْدِي، وَلَا جَلَسْتُ مَعَ قَوْمٍ قَطُّ فَبَسَطْتُ رِجْلَيَّ إِعْظَامًا لَهُمْ وَإِجْلَالًا حَتَّى أَقُومَ عَنْهُمْ، قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ حُقَّ لَكَ أَنْ تَكُونَ شَرِيفًا سَيِّدَا.
-
قال عبد الملك بن مروان يوماً وعنده جلساؤه: هل تعلمون أهل بيت قيل فيهم شعر ودوا أنهم افتدوا منه بأموالهم، وشعر لم يسرهم به حمر النعم؟ فقال أسماء بن خارجة نحن يا أمير المؤمنين، قال وما قيل فيكم؟ قال قول الحارث بن ظالم:
وما قومي بثعلبة بن سعدٍ
ولا بفزارة الشعر الرقابا
فو الله يا أمير المؤمنين إني لألبس العمامة الصفيقة فيخيل لي أن شعر قفاي قد بدا منها. وقول قيس بن الخطيم:
هممنا بالإقامةِ ثم سرنا
مسيرُ حُذيفة الخيرِ بن بدرِ
فما يسرنا أن لنا بها أوبه سود النعم. فقال هانئ بن قبيصة أولئك نحن يا أمير المؤمنين، قال ما قيل فيكم؟ قال قول جرير:
فغضَ الطرفَ إنك من نميرٍ
فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا
والله لوددنا أننا افتديناه بأملاكنا، وقول زياد الأعجم:
لعمرك ما رماحُ بني نميرٍ
بطائشة الصدور ولا قصارا
فو الله ما يسرنا به حمر النعم. قال أبو بكر وذكر أن جريراً لما قال:
والتغلبيُ إذا تنحنحَ للقرى
حكَ أستهُ وتمثلَ الأمثالا
من وصاياه:
-
عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، قال : فَاخَرَ أَسْمَاءُ بْنَ خَارِجَةَ الْفَزَارِيُّ رَجُلا فَقَالَ: أَنَا ابْنُ الأَشْيَاخِ الْكِرَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: ذَاكَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ ذَبِيحِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ.
-
حُدثنا أن أسماء بن خارجة الفزاري، لما أراد أن يهدى ابنته إلى زوجها، قال لها: يا بنية كوني لزوجك أمة يكن لك عبدا، ولا تدني منه فيملك، ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه، وكوني كما قلت لأمك:
خُذِي الْعَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي
وَلَا تَنْطِقي فِي سَوْرَتِي حِينَ أَغْضَبُ
وَإِنِّي رَأَيْتُ الْحُبَّ فِي الصَّدْرِ وَالْأَذَى
إِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَلْبَثِ الْحُبُّ يَذْهَبُ
-
وفي أحكام النساء” لابن الجوزي ص (ص73) : أن أسماء بن خارجة الفَزَاري (1263) قال لابنته عند التزوج: (إنك خرجت من العش الذي فيه درجت، فصرت إلى فراش لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أرضًا، يكن لك سماءً، وكوني له مهادًا، يكن لك عمادًا، وكوني له أمة، يكن لك عبدًا، لا تلحفي به فيقلاك ، ولا تباعدي عنه فينساك، إن دنا منكِ فاقربي منه، وإن نأى عنك فابعدي عنه، واحفظي أنفه وسمعه وعينه، فلا يشمن منك إلا طيبا، ولا يسمع منكِ إلا حسنًا، ولا ينظر إلا جميلًا.
-
وسمع أسماء بن خارجة الفزاري نائحة بالكوفة تقول: المتقارب
فمن للمنابر والخافقات
وللجود بعد زمام العرب
ومن للعناة وحمل الدّيات
ومن يفرج الكرب حين الكرب
ومن للطّعان غداة الهياج
ومن يمنع البيض عند الهرب
فقال: مثل هذا فليبك. ثم قال:
يأخذّ إنّك إن توّسد ليّناً
وسّدت بعد الموت صمّ الجندل
فاعمل لنفسك في حياتك صالحاً
فلتندمنّ غداً إذا لم تفعل
من حديثه
-
قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ينْفُضُ جَيْبَهُ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ قَتْلِ عُثْمَانَ».
-
عن سَعِيد بْن عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ جَدِّي، أَسْمَاءَ بْنَ خَارِجَةَ يُحَدِّثُ قَالَ: دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَقَالاَ: يَا أَبَا بَكْرٍ نُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ؟ قَالَ: لَا قَالَا: فَنَقْرَأُ عَلَيْكَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: لَا، لَتَقُومَنَّ عَنِّي أَوْ لَأَقُومَنَّ.
-
عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ، يَقُولُ: «إِنَّ ذَا اللِّسَانَيْنِ فِي الدُّنْيَا لَهُ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
-
عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ لا يَتَّخِذُهَا جُنَّةَ لِشَيْءٍ مِنَ الْكَبَائِرِ يَرْتَكِبُهُ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ جَزْمًا “.
من أقواله
ما أحب أن أرد عن حاجة سألنيها، لأنه لأن يكون كريماً فأصون عرضه، أو لئيماً فأصون عرضي عنه، أو محتاجاً فأسد حاجته.
-
لو لم يدخل على البخلاء في بخلهم إلا سوء ظنهم بربهم في الخلف لكان ذلك عظيماً.
-
إذا قدمت المودة سمج الثناء.
-
مَا جَلَسَ إِلَيَّ رَجُلٌ قَطُّ إِلَّا رَأَيْتُ لَهُ الْفَضْلَ عَلَيَّ حَتَّى يَقُومَ مِنْ عِنْدِي.
-
وفي كتاب القناعة والتعفف لابن أبي الدنيا(ص33):” عَنْ رَجُلٍ مِنْ فَزَارَةَ، قَالَ: قَالَ لِي أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ: «مَا بَذَلَ إِلَيَّ رَجُلٌ قَطُّ وَجْهَهُ فَرَأَيْتُ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا وَإِنْ عَظُمَ لَوَجَدْتُهُ عِوَضًا لِبَذْلِ وَجْهِهِ إِلَيَّ».
-
وجاء في كتاب الجوهر النفيس في سياسة الرئيس (ص138):” كَانَ أَسمَاء بن خَارِجَة الْفَزارِيّ يَقُول: ” النَّاس إِمَّا لئيم، فوَاللَّه لَا أجعَل عرضي لعرضه خطراً وَلَا أجعله لي ندا، وَإِمَّا كريم كَانَت مِنْهُ هفوة، فوَاللَّه لَا أؤدبه، لِأَنِّي أَحَق من غفرها، وَقَالَ:
وأغفر عوراء الْكَرِيم ادخاره
وَأعْرض عَن شتم اللَّئِيم تكرما
-
وفي كتاب “الآداب الشرعية” (ج1: ص304):”وَقَالَ أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ: الْإِكْثَارُ مِنْ الْعِتَابِ دَاعِيَةٌ إلَى الْمَلَالِ، وَسَبَقَ قَرِيبًا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ” الْكَيِّسُ الْعَاقِلُ، هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ ” وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ:
أُعَاتِبُ مَنْ يَحْلُو بِقَلْبِي عِتَابُهُ
وَأَتْرُكُ مَنْ لَا أَشْتَهِي أَنْ أُعَاتِبَهْ
وَلَيْسَ عِتَابُ الْمَرْءِ لِلْمَرْءِ نَافِعًا
إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ لُبٌّ يُعَاتِبُهْ
قصته مع زوجته
-
جاء في مرآة الزمان (ج8: ص391):” قال أسماء بن خارجة لامرأته: اخْضِبِي لحيتي. فقالت: إلى كم نَرْقَعُ منك ما قد خَلَقَ؟ فقال:
عَيَّرتِني خَلَقًا أَبْلَيْتِ جِدَّتَهُ
وهَلْ رَأَيتِ جديدًا لم يَعُدْ خَلَقَا
كما لَبِسْتِ جديدي فالْبَسِي خَلَقي
فلا جديدَ لمن لا يلبَسُ الخَلَقَا
كرمه
وَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَرْثِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ الْفَزَارِيُّ: أَتَيْتُ الْأَعْمَشُ، فَانْتُسِبْتُ لَهُ فَقَالَ: لَقَدْ قَسَّمَ جَدُّكَ أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ قَسْمًا، فَنَسِيَ جَارًا لَهُ، فَاسْتَحْيَا أن يُعْطِيَهُ، وَقَدْ بَدَأَ بِآخَرَ قَبْلَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَالَ صَبًّا، أَفَتَفْعَلُ أَنْتَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟.
-
وفي كتاب “المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق” ص146:” عَنْ هِنْدِ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِيهَا قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ أَسْمَاءَ بْنَ خَارِجَةَ كَانَ جَالِسًا عَلَى بَابِ دَارِهِ فَمر بِهِ جوَار يلتقطن البعر فَقَالَ من أَنْتُنَّ فَقُلْنَ لِبَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ وَاسَوْأَتَاهُ جَوَارِي بَنِي سُلَيْمٍ يَلْتَقِطْنَ الْبَعْرَ عَلَى بَابِي؟ يَا غُلَامُ انْثُرْ عَلَيْهِنَّ الدَّرَاهِمَ فَنَثَرَ عَلَيْهِنَّ وَجَعَلْنَ يلتقطن.
-
وقال ابن الكلبي: خرج أسماءُ بن خارجة في أيام الرَّبيع إلى ظاهر الكوفة، فنزل في رياض مُعْشِبَة، وهناك رجلٌ من بني عبس نازلٌ، فلما رأى قِبابَ أسماءَ وأبنيتَه؛ قَوَّضَ أبنيتَه ليرحل، فقال له أسماء: ما شأنُك؟ فقال: لي كلبٌ هو أحبُّ إليَّ من ولدي، وأخاف أنْ يُؤذِيَكُم فيقتلَه بعضُ غلمانكم. فقال له: أقِمْ، وأنا ضامنٌ لكلبك. ثم قال لغلمانه: إذا رأيتُم كلبَهُ قد ولَغ في قدوري وقِصاعي فلا تُهِيجُوه. وأقامَ على ذلك مدَّة، ثم ارتحل أسماء، ونزل الروضةَ رجلٌ من بني أسد، وجاء الكلب على عادته، فضربَه الأسديُّ فقتلَه، فجاء العبسي إلى أسماء، وقال له: أنتَ قتلتَ كلبي. قال: وكيف؟ ! قال: عوَّدْتَه عادةً ذهب يرومُها من غيرك فقُتل. فأمرَ له بمئة ناقة دِيَة الكلب
من شعره
-
جاء في “اصطناع المعروف” لابن أبي الدنيا(ص99):” قَالَ أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ:
إِذَا طَارِقَاتُ الْهَمِّ أَسْهَرَتِ الْفَتَى
وَأَعْمَلَ فِيَّ الْفِكْرُ وَاللَّيْلُ دَاجِرُ
وَبَاكَرَنِي إِذْ لَمْ يَكُنْ مَلْجَأٌ لَهُ
سِوَايَ وَلَا مِنْ نَكْبَةِ الدَّهْرِ نَاصِرُ
فَرَّجْتُ بِمَالِي هَمَّهُ فِي مَكَانِهِ
فَزَايَلَهُ الْهَمُّ الدَّخِيلُ الْمُخَامِرُ
-
وجاء فى المطرب
إنّ لي عند كلّ لفحة بستان
من الورد أو من الياسمين
نظرا أو التفاتة أترجّى
أن تكونى حللت فيما يليني
وقال:
إنّي لَسائِلُ كُلِّ ذِي طِبِّ
مَاذَا دواءُ صَبابةِ الصبِّ؟
ودواءُ عاذِلَةٍ تُباكِرُني
جَعَلتْ عتِابي أوجب النحب
-
وقال :
أردت مساتي فاعتمدت مسرتي
وقد يحسن الإنسان يوماً ولا يدري
وقال:
أوليس مِنْ عَجبٍ أُسائِلُكم
مَا خطبُ عاذِلَتي ومَا خَطبِي
أَبِهَا ذَهَابُ العَقلِ أم عَتَبَتْ
فأُزِيدَهَا عتبا على عتب
أَو لم يُجرِبْني العَواذِلُ أوْ
لمْ أبلُ من أمثالِهَا حسبى
مَا ضرها أَن لَا تُذَكرَني
عيشَ الخِيامِ ليَالِي الخِبِّ
مَا أصبحَتْ فِي شَرّ أخبية
مَا بينَ شَرقِ الأرضِ والغَرْبِ
بين “أسماء” والحجاج:
في “نثر الدر في المحاضرات” (ج4:ص499):
-
قَالُوا: إِن الْحجَّاج بن يُوسُف قَالَ ذَات يَوْم لمُحَمد بن عُمَيْر بن عُطَارِد: اطلب لي امْرَأَة حسيبة أَتَزَوَّجهَا: قَالَ: طلبتها إِن زُوجتها. قَالَ: وَمن هَذَا الَّذِي يمْتَنع من تزويجي؟ قَالَ: أَسمَاء بن خَارِجَة، يَدعِي أَنه لَا كُفْء لبنَاته إِلَّا الْخَلِيفَة. قَالَ: فأضمرها الْحجَّاج إِلَى أَن دخل إِلَيْهِ أَسمَاء فَقَالَ: مَا هَذَا الْفَخر والتطاول؟ قَالَ: أَيهَا الْأَمِير؛ إِن تَحت هَذَا سَببا. قَالَ: بَلغنِي أَنَّك تزْعم أَن لَا كُفْء بناتك إِلَّا الْخَلِيفَة. فَقَالَ: وَالله مَا الْخَلِيفَة بِأحب أكفائهن إِلَيّ، ولنظرائي من الْعَشِيرَة أحب إِلَيّ مِنْهُ، لِأَن من خالطني مِنْهُم حفظني فِي حرمتي، وَإِن لم يحفظني قدرت على أَن أنتصف مِنْهُ. والخليفة لَا نصف مِنْهُ إِلَّا بمشيئته، وحرمته مضيمة مطرحة يقدم عَلَيْهَا من لَيْسَ مثلهَا، ولسان ناصرها أقطع. قَالَ: فَمَا تَقول فِي الْأَمِير؟ فَإِن الْأَمِير خَاطب هندا. قَالَ: قد زَوجته إِيَّاهَا بِصَدَاق نسائها. وحولها إِلَيْهِ. فَلَمَّا أَتَى على الحَدِيث حولان دخل إِلَى الْحجَّاج فَقَالَ: هَل أَتَى الْأَمِير ولد، نسر وَنَحْمَد الله على هِبته. قَالَ: أما من هِنْد فَلَا. قَالَ: ولد الْأَمِير من هِنْد وَغير هِنْد عِنْدِي بِمَنْزِلَة. قَالَ: وَالله إِنِّي لأحب ذَلِك من هِنْد. قَالَ: فَمَا يمْنَع الْأَمِير من الضّر، فَإِن الْأَرْحَام تتغاير. قَالَ: أَو تَقول هَذَا القَوْل وَعِنْدِي هِنْد؟ قَالَ: أحب أَن يفشو نسل الْأَمِير. قَالَ: فَمِمَّنْ؟ قَالَ: على الْأَمِير بِهَذَا الْحَيّ من تَمِيم، فنساؤهم مناجيب. قَالَ: فأيهن؟ قَالَ: ابْنة مُحَمَّد بن عُمَيْر. قَالَ: إِنَّه يزْعم أَن لَا فارغة لَهُ. قَالَ: فَمَا فعلت فُلَانَة ابْنَته؟ فَلَمَّا دخل إِلَيْهِ مُحَمَّد بن عُمَيْر قَالَ: أَلا تزوج الْأَمِير؟ قَالَ: لَا فارغة لي: قَالَ: فَأَيْنَ فُلَانَة؟ قَالَ: زوجتها من ابْن أخي البارحة. قَالَ: أحضر ابْن أَخِيك؛ فَإِن أقرّ بهَا ضربت عُنُقه. فجيء بِابْن أَخِيه، وَقد أبلغ مَا قَالَ الْحجَّاج. فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ قَالَ: بَارك الله لَك يَا فَتى. قَالَ: فِي مَاذَا؟ قَالَ: فِي مصاهرتك لعمك البارحة. قَالَ: مَا صاهرته البارحة وَلَا قبلهَا. قَالَ: فَانْصَرف راشداً. وَلم ينْصَرف مُحَمَّد حَتَّى زوجه ابْنَته. وَحضر بعد ذَلِك من الْأَيَّام جمَاعَة من الْأَشْرَاف بَاب الْحجَّاج فحجب الْجَمِيع غير أَسمَاء وَمُحَمّد. فَلَمَّا دخلا قَالَ: مرْحَبًا بصهري الْأَمِير سلاني مَا تريدان أسعفكما فَلم يبقيا عانياً إِلَّا أطلقاه، وَلَا مجمراً إِلَّا أقفلاه. فَلَمَّا خرجا أتبعهما الْحجَّاج بِمن يحفظ كَلَامهمَا. فَلَمَّا فارقا الدَّار ضرب أَسمَاء يَده على كتف مُحَمَّد وَأَنْشَأَ يَقُول: جزيتك مَا أسديته بِابْن حَاجِب
وَفَاء كعرف الديك أوقذة النسْر
فِي أَبْيَات كَثِيرَة. فَعَاد الرجل فَأخْبر الْحجَّاج فَقَالَ: لله در ابْن خَارِجَة! إِذا وزن بِالرِّجَالِ رجح.
-
قال: وبلغ الحجاج موت أسماء بن خارجة فقال: هل سمعتم بالذي عاش ما شاء ومات حين شاء!
وقال ابن الزّبير يمدح أسماء بن خارجة:
ترى البازل البختيّ فوق خوانه
مقطّعة أعضاؤه ومفاصله
-
وعن أحمد بن المعذل، قالَ: كان الحجاج ينشد أبيات اسماء بن خارجة، ويقول: ما احسدني له فيها، فض الله فاه، وهي: