مقالات

حُلماءُ العَرب

عامر بن شراحيل الشعبي ج (5) - (19 - 103 هـ)

د. أحمد الزبيدي

 

عامر ين شراحبيل بن عبد ذي كبار، الشعبي الحميري، أبو عمرو: محدث تابعي ثقة، يضرب المثل بحلمه وحفظه حت عُدّ من حلماء العرب. ولد ونشأ ومات بالكوفة. كان نديم عبد الملك بن مروان، وسميره، ورسوله إلى ملك الروم، وكان ضئيلًا نحيفًا، ولد لسبعة أشهر، وسئل عن حفظه، فقال: ما كتبت سوداء في بيضاء، ولا حدثني رجل بحديث إلا حفظته، و قد استقضاه عمر بن عبد العزيز، وكان فقيهًا، شاعرًا، واختلفوا في اسم أبيه فقيل: شراحيل وقيل: عبد الله.

وفي القاموس: (الشعبي من شعب همدان) خلافًا للصحاح، فإنه ينسب (الشعبي) إلى جبل باليمن اسمه (شعب) أو (ذو شعبين) .

   شهاداته للعلماء

شهادته لعبد الملك بن مروان.. قال: ما ذاكرت أحدًا إلا وجدت لي الفضل عليه، إلا عبد الملك، فما ذاكرته حديثًاً ولا شعرًا إلا زادني فيه.

شهادته لزياد: قال : ما رأيت أحدًا أخطب من زياد.

  • شهادته للنخعي: ولما بلغ الشعبيّ موته قال: والله ما ترك بعده مثله.

  • شهادته لصَعْصَعَة بن صُوحان: قال كنت أتعلم منه الخطب.

     شهادات العلماء له

  • قال أبو جعفر الطبرى في “طبقات الفقهاء” عنه: “كان ذا أدب وفقه وعلم”.

  • وحكى ابن أبي خيثمة فى تاريخه عن أبي حصين قال: ما رأيت أعلم من الشعبي، فقال أبو بكر بن عياش: ولا شريح؟ فقال: تريدنى أكذب؟ ما رأيت أعلم من الشعبي.

  • وقال أبو إسحاق الحبال: كان واحد زمانه في فنون العلم.

  • وعن سليمان بن أبى مجلز قال: “ما رأيت أحدًا أفقهَ من الشعبي، لا سعيد بن المسيب، ولا طاووس، ولا عطاء، ولا الحسن، ولا ابن سيرين.

  • وعن أبى بكر الهذلي قال: قال لى ابن سيرين: الزم الشعبي، فلقد رأيته يُستفتَى والصحابة متوافرون.

  • وقال ابن سيرين: “قدمت الكوفة وللشعبي حلقة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ كثير.

  • وقال عاصم: “ما رأيت أحداً أعلم بحديث أهل الكوفة والبصرة والحجاز من الشعبي”.

كل هذه الشهادات من العلماء، تدل على مبلغ علم الشعبي وعظيم حظه منه على اختلاف علومه وفنونه، فمن حديث، إلى تفسير، إلى فقه، إلى شعر، إلى قوة حفظ، وكثرة أخذ عن الصحابة وعلماء الأمصار المختلفة، وإذا كان الشعبي يُفتِي مع وجود الصحابة ووفرتهم، ويجلس له كثير من أهل العلم يأخذون عنه، فتلك لعمري أكبر دلالة على عظيم مكانته العلمية، وعلو منزلته بين أتباعه ومعاصريه.

الشعبي مفسرا

اشتهر بالتفسير من أهل العراق أعلام كبار منهم؛ علقمة بن قيس، ومسروق، والأسود بن يزيد، ومُرَّة الهمداني، وعامر الشعبي، حيث روى عن عمر، وعلىّ، وابن مسعود، ولم يسمع منهم. وروى عن أبى هريرة، وعائشة، وابن عباس، وأبى موسى الأشعري، وغيرهم. قال الشعبي: “أدركت خمسمائة من الصحابة”.

ونظرة واحدة إلى تفسير الطبري تجده مشحونًا بروايات الشعبي في التفسير والتأويل.

نماذج من تفسيره

قال فِي قَوْلِهِ تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] ، يَعْنِي: «الْمَرْأَةَ، وَالَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ» .

وقَالَ في هجر المرأة : «لَا تُهْجَرُ المرأة إِلَّا فِي الْمَضْجَعِ»

قَالَ الراوي: “سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، يُحَدِّثُ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه: 63] قَالَ:  “يَقُولُ: يَصْرِفَا النَّاسَ إِلَيْهِمَا ” عَنِ الشَّعْبِيِّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23] قَالَ: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ خُضْرٌ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ».

حِلمُه

قال وكيع في “أخبار القضاة” (ج3: 187):

ليست الأحلام في حين الرضا

إنما الأحلام في حين الغضب

  • قال ابن عبد ربه في “العقد الفريد” (ج2:ص 276): شَتم رجلٌ الشَعبَيّ، فقال له: “إن كنتَ صادقاً فغَفر الله لي، وإن كنتَ كاذباً فغفر الله لك”.

وذكر صاحب «الآداب الشرعية» عن الشعبي: أنه قال: «لا أدري: نصف العلم».

وروى الدارمي أيضاً عن داود – وهو ابن أبي هند -؛ قال: «سألت الشعبي: كيف كنتم تصنعون إذا سُئلتم؟ قال: على الخبير وقعت؛ كان إذا سُئل الرجل؛ قال لصاحبه: أفتِهم، فلا يزال حتى يرجع إلى الأول».

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَسْال عَنْ شَيْءٍ».

من أقواله

قال : “تعايش الناش زماناً بالدين والتقوى، ثم رفع ذلك، فتعايشوا بالحياء والتذمم، ثم رفع ذلك فما يتعايش الناس اليوم إلا بالرغبة والرهبة، وأظنه سيجيء ما هو أشد من هذا”.

    – وقال: “لا أكون قاضياً وشاهداً”.

  • عَنِ الشَّعْبِيِّ: “مَا بَكَيْتُ مِنْ زَمَانٍ، إِلاَّ بَكَيْتُ عَلَيْهِ”.

  • قال: “مَا اخْتَلَفَتْ أُمَّةٌ بَعْد نَبِيِّهَا، إِلاَّ ظَهَرُ أَهْلُ بَاطِلِهَا عَلَى أَهْلِ حَقِّهَا” .

  • وقال: “دهاة العرب أربعة: معاوية للأناة، وعمرو بن العاص للمعضلات، والمغيرة للبديهة، وزياد بن أبيه للصغير والكبير”.

– وَقَالَ: «مَنْ كَانَ كَذَّابًا؛ فَهُوَ مُنَافِقٌ». يشير إلى الحديث الشريف.

– وفي “حلية الأولياء” (ج4: ص ٣٢٠) رَوَى: مُجَالِدٌ، عَنِه ، قَالَ: لَعَنَ اللهُ أَرَأَيْتَ”

قصته مع المرأة

 

  • ودخل رجل على الشّعبي في مجلس القضاء ومعه امرأة، وهي من أجمل النساء فاختصما إليه؛ فأدلت المرأة بحجتها وقرّبت بينّتها، فقال للزوج: “هل عندك من مدفع؟” فأنشأ يقول:

فتن الشّعبيّ لمّا

رفع الطّرف إليها

فتنته بدلال

وبخطّي حاجبيها

قال للجلواز قرّبها

 وأحضر شاهديها

فقضى جورًا على الخصم

ولم يقض عليها

قال الشعبي: “فدخلت على عبد الملك بن مروان، فلما نظر إليّ تبسم وقال:

فتن الشّعبيّ لما

رفع الطّرف إليها

ثم قال: “ما فعلت بقائل هذه الأبيات؟” قلت: “أوجعته ضربًا يا أمير المؤمنين؛ بما انتهك من حرمتي في مجلس الحكومة وبما افتري به عليّ!” قال: أحسنت.

وقائل هذه الأبيات هو هذيل الأشجعي: شاعر ماجن هجَّاء، من أهل الكوفة له هجاء في ثلاثة من قضاتها: عبد الملك بن عمير، والشعبي، وابن أبي ليلى.

من طرائفه

 اشتهر في تراثنا العربي أعلام أكثروا من الفكاهة والضحك، ومن هؤلاء الإمام التابعي الجليل القاضي عامر الشعبي، فقد روت له كتب الأدب، والأخبار طرائف عدة تدل على خفة دمه وروحه، وتدل كذلك على ذكاء نادر، وقلب حاضر وسرعة بديهة.

  • سأل رجلٌ الشعبيَّ : “هل يجوز للمحرمِ أن يحُكَّ بدنه؟” فقال: “نعم يجوز” ، فقال الرجل: “مقدار كم ؟” فقال الشعبي: “مقدار ان يبدو العظم”.

  • سأل رجل الشعبيَّ عن المسحِ على اللحية، فقال له الشعبيُّ : “خللها”،قال الرجل : “أخاف أن لا تبتل، فقال له الشعبي: “إذن  انقعها من أول الليل”.

  • جاء رجلٌ إلى الشعبي وقال : “إني تزوجت امرأة فوجدتها عرجاء ، فهل لي أن أردها؟”، فقال الشعبي : “إن كنتَ تريد ان تسابق بها فردها”.

  • خاصمت امرأة زوجها إلى الشعبي حين ولي القضاء فبكت، فقال رجلٌ من الحضور: “هي مظلومة أيها القاضي ، ألا ترى شدة بكائها!” ، فقال الشعبي : “إنّ اخوة يوسف جاؤوا اباهم عشاءً يبكون”

– قال مجاهد: “هذا ليس بشيء في تنادر شيخنا وما يتفق له؛ أخبرني إن رجلًاً جاءه في مسألة، فدخل عليه البيت وهو جالس مع امرأته؛ فقال الرجل: أيكما الشعبي. . .؟ فأومأ الشيخ إلى امرأته وقال:هذه. . .!

– سئل الشعبي هل يجوز أن يؤكل الجِنِّي لو ظُفر به؟

فقال: “ليتنا تخرج منه كفافاً لا لنا ولا علينا”.

  • دخل الشعبي على مسلم بن قتيبة فقال له: “ما تشتهي يا شعبي؟”، فقال: “أعز مفقود، وأهون موجود”، فقال: “يا غلام، أسقه الماء”.

  • يحكى أن القاضي عامر الشعبي دخل عليه ذات يوم رجل شاكيًا فقال: “أيها القاضي إني أنازع أخوتي فقد توفي أبانا ، فقال له الشعبي ، قل :أبونا ، فقال: فورثنا من أبونا ، فقال الشعبي : قل أبينا ، فقال: وقد وصى أبينا، قال الشعبي : قل أبونا، قال : فما ورثنا أبونا، قال الشعبي : قل أبانا،فغضب الرجل وقال: “أرى أني أحاول موافقتك ولكنك مولع بمخالفتي فقال له الشعبي : “وأنا والله أرى أن ما ضاع من لسانك أعظم مما ضاع من ميراثك”.

  • قال الجاحظ: عن الأعمش، عن الشعبي أو عن غيره، أنه سئل عن رجل قال لامرأته: “أنت طالق ألف تطليقة”، وله أربع نسوة، قال: “تبين بثلاث وتقسم الباقية على نسائه”.

  • رَوَى: مُجَالِدٌ، وَغَيْرُهُ أَنَّ رَجُلاً مُغَفَّلاً لَقِيَ الشَّعْبِيَّ، وَمَعَهُ امْرَأَةٌ تَمْشِي، فَقَالَ: أَيُّكُمَا الشَّعْبِيُّ؟ قَالَ: هَذِهِ.

     وَعَنْ عَامِرِ بنِ يِسَافٍ ، قَالَ: “قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: امْضِ بِنَا، نَفِرَّ   مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ”، فَخَرَجْنَا، قَالَ: “فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ، فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِيُّ: مَا صَنْعَتُكَ؟”قَالَ: “رَفَّاءٌ”، قَالَ: “عِنْدَنَا دَنٌّ مَكْسُوْرٌ، تَرْفُوْهُ لَنَا؟”، قَالَ: “إِنْ هَيَّأْتَ لِي سُلُوْكاً مِنْ رَمْلٍ، رَفَوْتُهُ”، فَضَحِكَ الشَّعْبِيُّ حَتَّى اسْتَلْقَى .

  • قَالَ أَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ: “قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَرَأَيْتُم لَوْ قُتِلَ الأَحْنَفُ، وَقُتِلَ مَعَهُ صَغِيْرٌ، أَكَانَتْ دِيَتُهُمَا سَوَاءً، أَمْ يُفَضَّلُ الأَحْنَفُ لِعَقْلِهِ وَحِلْمِهِ؟ قُلْتُ: بَلْ سَوَاءٌ. قَالَ: فَلَيْسَ القِيَاسُ بِشَيْءٍ”.

  • قال الشعبي: “قال علي: إن أبا بكر كان أواها منيبًا، وإن عمر ناصح الله فنصحه الله”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى