طلال سالم و د. خالد البدور و علي العبدان و د. عبدالعزيز المسلَّم“ابن بطوطة” في “ملتقى الشارقة للراوي”
الشارقة – “البعد المفتوح”:
يواصل «ملتقى الشارقة الدولي للراوي» فعاليات دورته (25) ، وجمعت فعالية الأربعاء 24 سبتمير / أيلول 2025 بين الحكاية والتراث، وأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا، في تجربةً فريدةً أبهرت الحضور، حيث أتيح للجمهور أن يلتقي الرحالة الشهير ابن بطوطة افتراضياً، عبر تقنيات الواقع الافتراضي، كانت الجلسة حواراً حيّاً جمع بين الماضي والحاضر، ليعود صاحب «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» متحدثاً بلسانه عن تفاصيل رحلاته التي دونها منذ أكثر من سبعة قرون.
مخاطر الأسفار عبر البحار والصحارى
افتتح المَحاور جمال الشحي اللقاء بكلمات شاعرية، قدّم فيها الضيف الكبير قائلاً: «موعدنا اليوم مع رجل لا يمكن أن يحبس في مدينة واحدة، ولا في زمن واحد… خرج من طنجة شاباً باحثاً عن الدهشة، فعاد شيخاً يحمل قارات في صدره»، لينطلق الحوار في أجواء تشبه مجلس السرد، حيث بدا ابن بطوطة قادراً – رغم الفاصل الزمني – على نقل تفاصيل طنجة القديمة، ومخاطر أسفاره عبر البحار والصحارى، وتجارب الغربة والمرض والنجاة، بل روى كيف ظل شغفه بالاكتشاف أقوى من الخوف”.
خورفكان وكلباء والقريات كانت ضمن محطاته
تناول اللقاء أيضاً كتابه الشهير الذي أملاه على ابن جزي بأمر السلطان المريني، موضحاً أنه لم يكتب مغامراته من أجل الترفيه فقط، بل لتوثيق حياة الناس وثقافاتهم وطرائق عيشهم، وتوقف الحوار عند محطاته في خورفكان وكلباء والقريات، حيث وصف أهلها بأنهم كرماء، يحبون الضيف، ويعيشون بين البحر والصحراء بلهجات متعددة النغمات.
الرحلةُ دهشةٌ تُعاش
في إحدى اللحظات، بدأ السؤال الأكثر عمقاً: «هل فقد السفر معناه اليوم؟»، فأجاب ابن بطوطة: «الرحلة ليست مسافة تقطع، بل دهشة تعاش، الجواز يفتح الباب، لكن القلب هو الذي يفتح المعنى»، وحملت هذه الكلمات رسالة خالدة بأن جوهر الرحلة يظل في التواضع أمام الآخر، لا في طول الطريق.
و في ختام الجلسة عبّر الجمهور عن انبهاره بهذه التجربة التي جعلت التاريخ ينبض من جديد، إذ لم يكن اللقاء مجرد محاكاة تقنية، بل جسراً بين الذاكرة والتراث والخيال والابتكار، مؤكداً أن الراوي سيظل حاضراً ما دامت هناك آذان تنصت، وقلوب تبحث عن الحكاية.
رحالة عرب وتجارب عالمية
وفي برنامج لقاء الرحّالة كذلك شارك ثلاثة من الرحّالة الذين استعرضوا أمام الجمهور تجارب استثنائية جمعت بين المغامرة وحب الاكتشاف وإحياء التراث.
قدمت الإماراتية ميساء عبدالرحمن الصالح محطات من رحلاتها إلى وجهات غير تقليدية مثل كوريا الجنوبية والعراق، حيث وثقت ثقافات وديانات مختلفة، وكان أبرزها حديثها عن المجتمع الإيزيدي الذي لاقى تفاعلاً واسعاً عبر منصات التواصل.
ومن السعودية، روى صالح العابد تفاصيل مغامراته على الدراجات الهوائية والنارية التي قادته عبر 29 دولة، لمسافة تجاوزت 38 ألف كيلومتر، واجه خلالها مواقف صعبة أبرزها تعطل دراجته في صحراء ناميبيا، فيما استعرض منير الدهيمي من اليمن، رحلاته على الجمال، قاطعاً آلاف الكيلومترات عبر إفريقيا والخليج، لنشر رسائل المحبة والسلام، مؤكداً ارتباطه العميق بالتراث العربي الأصيل، وجسد اللقاء رسالة الملتقى في إبراز دور الرحلات والسرد في تعزيز الحوار الثقافي والتواصل الإنساني.
الرحلة العربية مصدر للتوثيق
قدم الراوي في يومه الثالث جلسة بعنوان «الرحلة العربية مصدر تاريخي وتراثي» أدارها د. حمد بن صراي، وشارك فيها باحثون متخصصون في تاريخ الرحلات وأثرها على التراث والمعرفة الإنسانية.
استعرض د.خير الدين شترة أهمية الرحلات الحجية في توثيق التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مبيناً أن النصوص التي تركها الرحالة العرب شكلت مصدراً ثرياً للمؤرخين، وملأت فراغات لم تستطع المصادر التقليدية تغطيتها، موضحاً أن أدب الرحلة يكشف تفاصيل دقيقة عن حياة المجتمعات في المشرق والمغرب، مقدماً أمثلة من رحلات ابن جبير وابن بطوطة والمسعودي، إلى جانب تجربته الشخصية في تحقيق نصوص جزائرية محلية وحجازية، مشدداً على أن الرحلة تعد من أبرز أدوات الكتابة التاريخية.
من جهته تناول د. صالح اللهيبي موضوع مخطوطات الرحالة وأثرها في الدراسات التاريخية، موضحاً أن هذه المخطوطات تمثل “جغرافية متحركة” تنقلت بين البلدان بطرق مختلفة، منها السلمية عبر النسخ والإهداء، ومنها القسرية في فترات الاضطراب التاريخي كسقوط الأندلس وبغداد، مشيراً إلى ضياع كميات كبيرة من هذه الكنوز، فيما استقر بعضها في مكتبات عالمي.
فضاءات الرحلة ومشاهد الارتحال
بعنوان «فضاءات الرحلة ومشاهد الارتحال» عُقٍِدت ضمن فعاليات ملتقى الشارقة الدولي للراوي، جلسة أدارها محمد سالم بن هويدن، وتناولت محاور متعددة عكست ثراء التجربة الثقافية للرحلة في الأدب والتاريخ.
وقدّم د. راشد المزروعي ورقة بعنوان «من دعاء الغيث إلى رحلة شعرية في الإمارات»، استعرض فيها حضور الرحلة في قصيدة “الأمطار” للشاعر الماجدي بن ظاهر، موضحاً كيف شكّلت الرحلة والصور الطبيعية ملامح الشعر المحلي.
وتحدثت فاطمة المغني في ورقتها «مدن الساحل الشرقي بالإمارات في مرآة البلدانيين والجغرافيين القدماء» عن دور الرحّالة والمؤرخين في توثيق جغرافية المدن الساحلية وما لعبته من أدوار في التواصل التجاري والثقافي، فيما اختتم الأستاذ سلطان المزروعي الجلسة بورقته «جائزة ابن بطوطة.. ارتياد الآفاق على خطى الرحالة العرب»، مبرزاً مكانة الجائزة في إحياء إرث الرحّالة التاريخي وتعزيز حضورهم في الثقافة المعاصرة.
أنشطة وورش ملتقى الراوي
حفل ملتقى الشارقة الدولي للراوي تقديم في يوم جديد بالأنشطة والبرامج، توزعت بين الفترة الصباحية والمسائية، وجذبت المهتمين بالتراث والفنون التقليدية. تضمنت الفترة الصباحية ورشاً متنوعة مثل خريطة ابن بطوطة مع سامية حمودة، وفن الورق للخط، وحقيبة السفر من الخوص، ورحلة عبر تراث الإمارات، وأطياب السفر، إلى جانب ورشة اصنع منظارك بنفسك في متحف الشارقة، وجلسة سفن الرحالة للأطفال. أما الفترة المسائية فتضمنت ورشاً للحرف الإماراتية مثل قلائد اللؤلؤ والتلوين على الجبسيات، إضافة إلى طريق الحكايات مع هزيم المدفع، والبوصلة العجيبة، وجلسة رحلة في سطور التراث، وورشة أصدقاء القمر، مؤكدة على رسالة الملتقى في صون التراث وتعزيز قيم السرد.
وضمن فعاليات الخميس 25 سبتمبر/ أيلول 2025 سلسلة لقاءات للرحالة د. نافع الياسي، استشاري جهاز هضمي أطفال إماراتي، ومؤلف ومحب للسفر، وعبد الكريم الشطي، رحالة وكاتب في أدب الرحلة من دولة الكويت.
ومن نشاط الخميس 25 سبتمبر / أيلول 2025 ندوة “رحلات الأدباء تكشف عوالم جديدة” ، حيث أكد الباحثون والأدباء المشاركون في البرنامج العلمي لملتقى الشارقة الدولي للراوي، أن الرحلات والتجارب الشخصية لا تقتصر على التنقل بين الأماكن، بل تلعب دوراً محورياً في إثراء المعارف والعلوم، وفهم التاريخ والثقافة الإنسانية، مؤكدين أن أدب الرحلة يمثل جسراً للتواصل بين الشعوب، ومخزناً للتجارب الإنسانية، وأداة للتوثيق التاريخي واستكشاف الثقافات المتنوعة عبر الزمان والمكان.
أسفار توثق المشاهد والتاريخ
وناقش سعادة د. عبد العزيز المسلَّم، رئيس معهد الشارقة للتراث، ورقته البحثية بعنوان «من مدائن الريح إلى مدونة مسافر» في الجلسة الحوارية «تجارب رائدة في عوالم الرحلة»، والتي أدارها الأديب والباحث علي العبدان، واستعرض المحاضر رحلاته المتعددة التي وثقها في مقالاته وكتاباته، بدءاً من مقارناته بين المدن مثل صور في عمان وصور في لبنان، وصولاً إلى رحلته في مدينة حيدر أباد بالهند، حيث عايش تجربة البحث عن الكتب النادرة في أسواقها القديمة ودون مشاهداته عن قلعة جول كوندا العريقة، كما تحدث عن بداياته في الكتابة عبر مقالات صحفية قبل أن تتطور لتصبح مؤلفات توثق أسفاره حول العالم، موضحاً أن رحلاته ارتبطت أيضاً بأسابيع الشارقة الثقافية التي جابت عدداً من العواصم والمدن العالمية، حيث اتخذ من الشوارع الصغيرة والأحياء المحلية مادة رئيسة لسرده، مسلطاً الضوء على قصص الأسماء والذكريات المرتبطة بها. وأكد أن ما يمنح أدب الرحلة قيمته الحقيقية هو قدرة الكاتب على التقاط تفاصيل الحياة اليومية وربطها بالتاريخ والمعرفة، بعيداً عن الطابع الاستهلاكي السائد في بعض أدبيات السفر المعاصرة التي تقتصر على وصف المطاعم والفنادق.
رحلة تكشف وجه أفريقيا
وقدم الكاتب طلال سالم ورقة حول كتابه «إماراتي في نيجيريا»، مسلطاً الضوء على تجربة فريدة خاضها في غرب أفريقيا، موضحاً أن فكرة الكتاب جاءت بعد تعثر خططه للسفر إلى أفغانستان، فوجد في نيجيريا وجهة غير مألوفة رغم التحذيرات الصحية والأمنية، مؤكدًا أن الكتاب يجمع بين أدب الرحلة والسيرة الذاتية، حيث صاغ تجربته بلغة تمزج بين التوثيق الواقعي والتأمل الذاتي، ليكشف عن صورة أخرى لأفريقيا بعيداً عن الصور النمطية المرتبطة بالعنف والفوضى.
مالابار.. سواحل السحر والبهار
أما الباحث والأديب د. خالد البدور فقد عرض رحلته إلى مالابار من خلال كتابه «مالابار.. سواحل السحر والبهار»، متناولاً تجربته في ولاية كيرالا بجنوب الهند، موضحاً أن علاقته بالهند ضاربة في الجذور منذ الطفولة، وأن زيارة مالابار أعادت إليه ذكريات دبي القديمة حين كانت أخشاب الساج المستوردة من هناك تُستخدم في صناعة السفن. كما استعرض الحكايات التاريخية والدينية التي ارتبطت بهذه المنطقة، مشيراً إلى أنها شكلت نموذجاً للتسامح والتعايش بين الأديان.
وواصل الملتقى فعاليات برنامجه العلمي عبر جلستين حواريتين تناولت الأولى السرد الرحلي والتوثيق، فيما ركزت الثانية على مشاهدات الرحالة وانطباعاتهم عن البلدان التي زاروها، ما أسهم في إثراء الفهم الثقافي والحضاري للحضور.
في جلسة «حكايات الرحالة بين السرد والتوثيق»، أكد فهد المعمري أن السرد الرحلي لا يقتصر على نقل الوقائع، بل يمنح الرحلة روحاً وتجربة حية للقارئ، بينما التوثيق يضمن مصداقيتها، أما الباحث عوض الدرمكي فأبرز أهمية المزج بين المتعة والمعرفة، مشيراً إلى أن الرحالة يقدم رؤية ثقافية وحضارية تُثري الذاكرة الجمعية، ولفت د. شعيب حليفي إلى أن كل رحلة تمثل جسراً للتواصل بين الشعوب، موضحاً دورها في إثراء الدراسات الأكاديمية والتعلم التأملي، فيما شدد الدكتور عادل العناز على أهمية التوثيق العلمي في الحفاظ على قيمة السرد الرحلي وربطه بالماضي والحاضر.
و تم عقد جلسة «مشاهدات الرحالة وانطباعاتهم عن البلدان المزورة»، حيث أوضحت د. عائشة راشد الشامسي أن مشاهدات الرحالة تقدم رؤية دقيقة للعادات والتقاليد المحلية، بينما عرض الدكتور سعيد يقطين تجربته من الأحساء إلى جزر القمر، مبيناً ثقافة الجزر وحياة أهلها اليومية، وأشار د. يحيى العبالي إلى أن دراسة الرحلات تساعد على فهم تطور العلاقات بين الشعوب، وتمثل مرجعاً تاريخياً وثقافياً ضرورياً.
واستعرضت الجلسة التي جاءت تحت عنوان «رحلات قديمة وأخرى حديثة»، و أدارتها الشاعرة شيخة المطيري، تجارب ثلاثة من الباحثين البارزين في مجال أدب الرحلة.
وقدمت مريم المزروعي ورقتها عن تجربة ابن جبير في كتابه «الأماكن والمسالك في كتب البلدانيين والجغرافيين العرب»، مستعرضة رحلته بين البر والبحر والأسواق التاريخية، مع مقارنة بين مكة والمدينة وبلاد الشام، وركزت على معايير الرحلة مثل الأمن والسرعة، وأبرزت الجوانب المضيئة والمعتمة للرحلة في ظل الحروب وظروف المعيشة الصعبة، وعن رحلته التي امتدت سنتين وأصبحت مرجعاً مهماً لدراسة التاريخ والجغرافيا والثقافة، وألهمتها لدراسة الدروب التاريخية من الإمارات إلى السعودية.
واستعرض د. علي عبدالقادر الحمادي في ورقته أدب الرحلة كوسيلة للتقريب بين الشعوب، مستنداً إلى رحلته الدراسية إلى المغرب وتوثيقها في كتابه «سرد الأتاي»، وركز على الانطباعات الشخصية والمشاهدات الميدانية لربط التراث الثقافي بين الشارقة والمغرب، مؤكداً أن أدب الرحلة يساهم في إثراء الحوار الثقافي بين الشعوب ونقل التجارب الإنسانية.
وعرض الباحث محمد نجيب قدورة حياة وأعمال الرحّال أحمد بن ماجد، مسلطاً الضوء على رحلاته التجارية والاستكشافية في بحر العرب وبحر الصين والبحر الأحمر، ودوره في التربية البحرية من خلال جماعة “أسود البحر”، وتناول مؤلفاته الـبالغة 42 مؤلفًا وثقت اكتشافاته وتقنيات الملاحة، كما استعرض مساهماته في تطوير البوصلة وصناعة الأسلحة البحرية، مسلطاً الضوء على إرثه في القيادة البحرية والتربية القيمية لأهل البحر في الخليج العربي.
توقيع كتب جديدة عن الرحالة والعلوم البحرية
و تم خلال الملتقى توقيع مجموعة من الكتب في أدب الرحلات، إذ وقع فهد المعمري كتابه «تلخيص الصفحات في أدب الرحلات»، مستعرضاً بدايات التأليف الرحلي العربي وتطوره، فيما وقع شعيب حليفي كتابه «رحلة في الأدب العربي» الذي ركز على جذور الأدب العربي ودوره في التواصل بين الشرق والغرب عبر طرق التجارة،
كذلك وقعت الكاتبة نورة الخيال، الموظفة في معهد الشارقة للتراث كتاباً لها بعنوان Madivia Island of Light، يتناول رحلة الرحالة العربي أبو البركات يوسف البربري، ودوره في دخول الإسلام إلى جزيرة المالديف قبل نحو 800 عام، بدءاً بإسلام الملكة ثم الحاشية وصولاً إلى أهل الجزيرة، فيما وقع الباحث محمد نجيب قدورة كتاباً بعنوان «أحمد ابن ماجد: الأيقونة الريادية في العلوم البحرية والفلكية»، الذي استعرض مساهمات ابن ماجد في الملاحة البحرية والفلكية، ويبرز مكانته كأحد أبرز رواد العلوم البحرية في العالم العربي.
ورش تخصصية تجارب تعليمية
تستمر فعاليات النسخة (25) من ملتقى الشارقة الدولي للراوي مساء يوم 26 سبتمبر 2025، بمجموعة من الورش والفعاليات التفاعلية والثقافية، تشمل الفعاليات ورشاً متعددة مثل ورشة الخدمات الاجتماعية والتعلم، وورشة مركز الحرف الإماراتية، وورشة رحلة القوافل على دروب الصحراء، كما تقدم المدرسة الدولية للحكاية ورشاً مميزة إضافةً إلى ورش مغامرات علاء الدين وسفينة الرحالة، وبفدمة جناح ابن فضلان وجناح ابن ماجد تجارب تعليمية وتراثية مبتكرة، مع ورشة «دمية الرحالة – مفتاح القارات»،