مقالات

“الحياة بين الحلم والواقع” صالح بن سعيد الحمداني         –         سلطنة عمان

صالح بن سعيد الحمداني

الحياة.. هذا السرّ الكبير الذي نحياه بكل تفاصيله، تحمل في طيّاتها أقدارًا متباينة تتأرجح بنا بين حلمٍ يتحقق وآخر يتعثر، بين لقاءٍ يأتي بلا موعد وفراقٍ يحلّ بلا سبب؛ ليست الحياة كما نرسمها في خيالنا فلا البدايات دائمًا كما نتوقع ولا النهايات بالضرورة كما نريد، ومع هذا تمضي الحياة كالنهر الذي لا يتوقف فنعيشها بين مدٍّ وجزر وبين فرحٍ وحزن وأملٍ وخيبة، والتأمل في مسار الحياة يكشف لنا أنّها لا تسير بخط مستقيم، ولكنها تمتلئ بالمنعطفات والمفاجآت تمامًا كالوردة الجميلة التي تُخفي بين بتلاتها الرقيقة أشواكًا قد تجرحنا إن لم نكن حذرين، تمنحنا الوردة عبيرها وألوانها الساحرة ولكنها تذكّرنا دائمًا أنّ الجمال لا يخلو من الألم، وهكذا هي الحياة تقدم لنا لحظات السعادة والنجاح ولكنها لا تعفي أحدًا من التجارب القاسية والصعاب.

كلّ إنسان يحمل في داخله حلمًا يراوده ليل نهار، فمن الناس من يحلم بالنجاح في الدراسة أو العمل، ومنهم من يتمنى لقاء شريك حياة يُكمل معه الطريق، وآخرون يحلمون بالسفر أو الشهرة أو المال، فبعض هذه الأحلام يرى النور فيملأ قلوبنا بالفرح ويُشعرنا بأنّ الجهد لم يذهب سدى، وفي المقابل تتعثر بعض الأحلام وتتحطم على صخرة الواقع فنشعر بالخذلان، ونظن أنّ القدر لم يكن رحيمًا بنا، ولكن الحقيقة أنّ تعثر الأحلام ليس نهاية المطاف ونجده درس يعيد تشكيل شخصياتنا ويعلّمنا الصبر وقيمة ما نملكه، فكم من حلمٍ تأجل ليأتي في وقته المناسب، وكم من أمنية لم تتحقق لأنّ الله ادّخر لنا ما هو أجمل وأفضل.

ومن غرائب الحياة أنّها تجمعنا بأشخاص لم نخطط يومًا للقائهم ولكنهم يصبحون جزءًا من حكايتنا، فقد نلتقي صدفةً بشخص يغيّر مجرى حياتنا ويمنحنا الأمل أو الحب أو حتى القوة لنكمل الطريق، هذه اللقاءات المفاجئة تشبه الهدايا التي يقدمها لنا القدر في اللحظة التي لا نتوقع فيها شيئًا، وفي الجهة الأخرى من طريق الحياة هناك فراق يأتي بلا سبب ويأخذ منّا أشخاصًا كنا نظن أنهم سيبقون معنا إلى الأبد، فقد نفقد صديقًا عزيزًا أو حبيبًا مقرّبًا أو حتى قريبًا من العائلة ونقف أمام هذا الرحيل عاجزين عن تفسيره، ومع مرور الزمن نتعلم أنّ الفراق جزء من الرحلة وأنّ الغياب مهما كان مؤلمًا يترك في القلب ذكرى لا تزول.

وحين نبدأ شيئًا جديدًا نحلم بأن يسير كما خططنا له ببداية مشرقة ونهاية سعيدة، بينما الواقع يخبرنا مرارًا أنّ البدايات ليست كما نتخيل، وأنّ النهايات ليست دائمًا كما نريد، فقد تكون البداية صعبة لكنها تفتح أبوابًا لمستقبل أجمل وقد تأتي النهاية مفاجئة لكنها تُنهي فصلًا لم يكن مناسبًا لنا، وهذه المفارقات تجعلنا ندرك أنّ الحياة ليست لوحة مرسومة سلفًا ولكنها عمل فنيّ يتشكل مع كل يوم نعيشه بألوانه الزاهية أحيانًا وبظلاله القاتمة أحيانًا أخرى والحياة كالبحر تتقلب بين مدٍّ وجزر، هناك أيام تأتي أمواجها هادئة فنسير فيها بخطى واثقة ونشعر أنّ الحظ يبتسم لنا وهناك أيام أخرى تتلاطم فيها الأمواج وتعصف بنا الرياح فنغرق في صعوبات لا تنتهي ولكن الجمال يكمن في أنّ هذه التقلبات تمنح حياتنا عمقًا ومعنى وتجعلنا نُقدّر لحظات الهدوء بعد العواصف، ورغم قسوتها تبقى الحياة جميلة لأنّها تمنحنا الفرصة لننهض بعد كل سقوط ونتعلم من كل تجربة ونبتسم رغم الدموع.

وكما أنّ الوردة لا تخلو من الشوك، فإنّ الصعاب لا تنتقص من قيمة الحياة، بل تزيدها ثراءً وتجعلنا نثمّن لحظات الفرح أكثر، تبقى الحياة رحلة مليئة بالأقدار المتنوعة تحمل لنا ما لم نتوقعه من أفراحٍ وأحزان لقاءاتٍ ووداعات وأحلامٍ تتحقق وأخرى تتعثر وكلّ ذلك يشكّل لوحة متكاملة تذكّرنا بأنّ سرّ السعادة لا يكمن في خلوّ الحياة من الصعاب بل في قدرتنا على العيش رغم كل شيء، والتمسك بالأمل والإيمان بأنّ الغد يحمل دائمًا فرصة لبداية أجمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى