Uncategorized

“كانت لك أسنان” مرثية الحنين وذاكرة العين في أدب د. لطيفة الحاج

العنوان يحمل دلالة رمزية مستمدة من التفسير الشعبي للأحلام

د. لطيفة الحاج

 قراءة: لطيفة محمد حسيب القاضي

تعد الروائية الإماراتية د. لطيفة الحاج، بمسيرتها المتنوعة كمهندسة مدنية وحاصلة على الدكتوراه في العلوم البيئية، وكاتبة تجمع بين الرواية والقصة والشعر والترجمة، صوتًا أدبيًا ثريًا يسبر أغوار النفس والمكان. وفي حوارها الأخير، كشفت  د. لطيفة الحاج عن العمق الإنساني والتحديات الفنية خلف روايتها المرشحة لجائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع، “كانت لك أسنان” (الصادرة عام 2020 وأعيد إصدارها 2025).

شرارة الكتابة وتحول السرد

ما يميز تجربة لطيفة الحاج هو تلك الشرارة التي تنطلق منها أعمالها بلا تخطيط واعٍ. فـ”كانت لك أسنان” بدأت كقصة قصيرة؛ رسالة حائرة من فتاة إلى خالها الراحل تخبره فيها عن خاطب يتقدم لها. وبإيحاء من صديق، تحولت الفكرة إلى رواية كُتبت في زمن قياسي لم يتجاوز شهرًا ونصف الشهر.. هذا التحول استدعى إعادة صياغة اللغة لتكون على لسان الطفلة “فاخرة”، مما جعل التساؤلات “أكثر براءة والتفكير أقل عمقًا”، بما يتناسب مع عمر الراوية، وهو ما يبرز تحديًا إبداعيًا نجحت الكاتبة في تجاوزه: إقناع القارئ بالسرد من منظور طفولي يحلل عالم الكبار بعمق.

ألم الفقد وبلاغة الصمت

تغوص رواية “كانت لك أسنان” في ثيمات عميقة مثل الفقد وقسوة الإنكار، خاصة من خلال شخصية الأم التي تعيش في دائرة من الألم المتشبث بالروح. تشير فاطمة الحاج إلى أن ردة فعل الأم كانت انعكاسًا لفقد مزدوج ومشاعر سلبية متراكمة، ربما وجدت في الألم مواساة لنفسها.
أما سر العنوان، “كانت لك أسنان”، فيحمل دلالة رمزية مستمدة من التفسير الشعبي للأحلام؛ حيث يشير فقدان الأسنان إلى فقدان شخص عزيز. وهو ما يتجسد في شخصية “الخضر”، الخال المفقود، الذي كان عزيز فاخرة وحبيبها الروحي ومرشدها، وترى الكاتبة أن الصمت هو مصدر إلهامها وقدرتها على الكتابة، لأنه يدفع المرء إلى الغوص في أعماق ذاته. هذا الإيمان بالصمت ينعكس في النص، حيث تعتمد الكاتبة على الفراغات بين الجمل لنقل مشاعر عميقة تفوق قدرة الكلمات.

العين.. القلب النابض للتوثيق

تبرز مدينة العين في أعمال لطيفة الحاج كشخصية رئيسية والقلب النابض لقصصها. تؤكد الحاج أنها تحاول في كل عمل تكتبه “أن تضع شيئًا عن العين”، ليس فقط بدافع الانتماء، بل لـهدف التوثيق للمدينة القديمة التي تغيرت ملامحها بفعل التطور والازدحام. هي محاولة لاستحضار العين البسيطة الهادئة المليئة بالنخيل التي يعرفها أهلها.
في “كانت لك أسنان”، حرصت الكاتبة على إبراز المقومات الثقافية الإماراتية من خلال:
العلاقات الأسرية والجيرة في ترسيخ مفهوم الترابط الاجتماعي والوفاء. و العادات والتقاليد في تناول الأعراس وحفلات الزفاف و القضايا الاجتماعية الحساسة، مثل موضوع الختان، مما يثري الأدب الإماراتي بتناول قضايا المجتمع المحافظ.

أثر الرواية على الكاتبة

تقول د. لطيفه الحاج إنها اكتشفت كونها كانت تكتب عن طفولتها هي في مدينة العين، وعن نخلها ومائها وتساؤلاتها. كان العمل أشبه بـاستكشاف ذاتي لا واعٍ، أثر فيها ككاتبة وغير نظرتها لبعض الأمور الحياتية. كما أكدت على أهمية الأمانة والموضوعية في عملية الترجمة، مشددة على أن الترجمة تستطيع أن تنقل الروح والأبعاد الوجدانية للعمل الأدبي، شريطة أن يضع المترجم أسلوبه ورأيه جانبًا ويتعامل مع النص كأمانة كاملة وسليمة.
“كانت لك أسنان” ليست مجرد رواية عن طفلة كبرت قبل الأوان بسبب حادث مفاجئ، بل هي مزيج من الحنين والفقد والبحث عن الحقيقة، مغلفة بسحر الصمت وذاكرة العين التي تسعى لطيفة الحاج لتوثيقها في وجدان القارئ العربي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى