
عائشة الفارسية
في زمن تتسارع فيه الحياة وتتبدل تفاصيلها، تبقى بعض اللحظات ثابتة لا تفقد قيمتها ولا بريقها؛ ومن بينها تلك الجلسة الدافئة التي تجمع الأحفاد بالأجداد، كانت هذه الجلسة، بالنسبة لجيل الأمس، أجمل فقرات اليوم، ولا شيء كان يضاهي متعتها، واليوم نرى الصغار يلحّون على الذهاب إلى أجدادهم، وكأن هذا الإرث العاطفي ينغرس في قلوبهم بالفطرة.
جلسات الأجداد ليست مجرد لقاء عابر إنها مساحة مفتوحة لطرح الأسئلة والتعرّف على تفاصيل الحياة في زمن الآباء والأجداد، وهي نافذة يطلّ منها الأطفال على الماضي، يتعلمون من خلالها العادات والتقاليد، ويتربّون على السمت العُماني الأصيل، وعلى آداب الحديث والحوار وكيفية الجلوس مع الكبار.
هذه اللقاءات تعزّز ثقة الطفل بنفسه، فالجدّ يوفر بيئة آمنة وحانية يبحث عنها الأطفال بطبيعتهم، لتصبح ركيزة مهمة في بناء شخصياتهم وتنمية ذواتهم، ولا تقتصر الفائدة على الصغار؛ فالكبار أيضًا يجدون في هذه الجلسات عودة إلى ذكريات موشومة في الذاكرة، يصعب نسيانها، نتذكر جلساتنا مع أجدادنا، شوقنا للقائهم، صبرهم علينا، وتعليماتهم التي مهدت خطواتنا الأولى في الحياة، وفي مشهد يتكرر اليوم، نرى أبناءنا وأبناء إخوتنا يتسابقون للجلوس حول جدهم وجدّتهم، يتحلقون في دائرة من الحب والفضول، يطرحون الأسئلة ويناقشون، بينما يجيب الأجداد ويشرحون، مستحضرين ما عاشوه من تجارب، أحيانًا يطلب الصغار التعرف على الفنون القديمة، من أشعار وحكم وأهازيج، فيستعيد الجدّ ما حفظه الزمن في ذاكرته.
ولا تخلو الجلسة من روح المرح؛ إذ يطلب الأطفال تعلم الألعاب القديمة التي كانت تمارس سابقًا، فيشرح لهم الجدّ طريقة اللعب ويشاركهم لعبة “الحواليس” أو غيرها من الألعاب الشعبية، لتتحول الجلسة إلى مساحة مليئة بالضحكات والمزاح، الأجداد رمز للحكمة والخبرة والحنكة، وهم قوة نستند إليها لنفهم الحياة ونتغلب على مصاعبها، وهم قدوتنا في كثير من المواقف، وليس غريبًا أن يهرع الطفل إلى جدّه عند شعوره بالخوف أو الأذى، فهو بالنسبة له الحِضن الآمن والقلب الحنون وكاتم الأسرار، إن الأجداد ثروة إنسانية حقيقية، ينبغي أن نستفيد منها قبل أن تطوي السنوات صفحاتها، فهم موسوعة من الدروس والعِبر والحِكم، وقيمة أسرية لا تُقدَّر بثمن، حفظهم الله لنا ولكم.
زر الذهاب إلى الأعلى