مقالات
*دراسة* “بلا فواصل” عائشة العولقي العلاقة بين الشعر والشاعر د. كمال محمود علي اليماني – اليمن
مدخَل
“الشاعرة عائشة العولقي اسم ذو علاقة بمجلة “البعد المفتوح” منذ بداياتها، حيث نشرت عبرها عن بُعد عددًا من قصائدها، ويأتي نشر هذه الدراسة في “بلا فواصل” من قبيل المشاركة في الاحتفاء بصدور ديوانها هذا والإضاءة عليه”
*البعد المفتوح*
بين يدي باكورة الإنتاج الشعري للشاعرة عائشة العولقي ، وهو ديوان اختارت له اسم “بلا فواصل”، وهو ذات العنوان للقصيدة السادسة والخمسين في الديوان، وموضوعها الأساس هو علاقة الشاعر بالشعر ، تقول في مقدمتها:
أحثُّ على القريضِ حصىً ورملا
فأعبر وعرهُ وأخوض سهلا
وأركبُ دونما ركبٍ مجازاً
وأتركُ واقعًا خلفي مملا
ثم تصرخ بعد أبيات عدة بما يستجيش في صدرها ، فتقول:
وفاصلةٌ تقول ليَ استريحي
فأصرخ من حشا الإصرار :كلا
فراحةُ من يشابهني نصوصٌ
بلا حكم الفواصل ليس إلا
من الواضح أن الشاعرة أرادت أن تقدم نفسها منذ العتبة الأولى –وهي العنوان- على أنها شاعرة متمكنة ومقتدرة ، وأنها تجد في الشعر متنفسا لها.
ابتدأت الشاعرة ديوانها بقصيدة دينية بعنوان “مناجاة” وفيها مناجاة لله عز وجل، وكانت القصيدة الأخيرة “بدر الدجى” مناجاة للحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه ، وجاءت قبلها قصيدة دينية أيضًا فيها مناجاة لله عز وجل ، وبذات العنوان “مناجاة”، وكم كنت أود لو أنها جاءت الأخيرة ليفتتح الديوان بذات الموضوع ويختتم به.
ولقد ضم الديوان ستين نصًا شعريًا، وجاءت مقسمة بالتساوي فهناك ثلاثون قطعة شعرية أي أقل من سبعة أبيات في النص الواحد، وثلاثون قصيدة شعرية أي سبعة أبيات أو أكثر في النص الواحد، ولقد تنوعت المواضيع المطروقة في قصائدها ، وتوزعت في القصائد الدينية ، والعاطفية الإنسانية ، والوطنية ، كما أن القصائد الحكمية قد نالت نصيبًا وافرًا يصل إلى الربع.
لاتكاد تجد تناصًا في الديوان ينم عن ثقافة الشاعرة الدينية المؤثرة فيها رغم وضوحه في مواضيعها المطروقة ، وهناك تناص تقول فيه:
باعوا النفوس أولو الجهاد وأخلصوا
والله قد قبل البضاعة واشترى
وهو يتناص مع قوله تعالى: “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم….. “،
وهناك تناص آخر مع بيت للطغرائي تقول فيه:
وعلل النفس بالآمال تصحبها
ويتناص مع قوله:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
وهناك اقتباسات مع التحوير، كقولها:
“لايؤلم الجرح إلا من يعانيه”
وقد حوى الديوان العديد من الصور الشعرية الجميلة الدالة على تمكن الشاعرة واقتدارها ، وامتلاكها للغة شعرية جزلة ، وعج الديوان بالأدوات الشعرية الجمالية والمحسنات البديعية، ومن الصور الجميلة في الديوان قولها:
ينسلُّ نحو حنايا النفس يلهمها
كأنه بلسمٌ قد صبَّ في ذاتي
أو قولها:
وإن يوماً له النكبات رقت
وبانت قام يذكرها اشتياقا
وأيضا قولها :
كباكٍ فوق أطلال الأماني
على الأعقاب أوقعه التمني
عزفتَ الأمنيات على سطوري
فردد ملهمٌ من فوق غصني
والحق أن الديوان حوى الكثير والكثير من الصور الشعرية الجميلة، ولكنني حاولت أن أختار بعضًا منها دفعًا للتطويل.
أما لو نظرنا للحقول الدلالية لعناوين الديوان، فسنجدها قد احتوت على ما يشير إلى اضطراب الشاعرة في مشاعرها، فهي تكاد تتوزع بين شعورين متضادين من الأمل والرجاء يقابله شعور من القنوط والتذمر، فنجد عناوين مثل:أمنية، صمود ، شموخ ، كن فجرًا ، ثبات ، وما يدور في أفلاكها ، ونجد عناوين أخرى مثل: طيف مربك ، شراء وطن، انطفاء، حيرة ، وطن مكبل ، فرص ضائعة ، وما يدور في فلكها هي أيضًا.
وإن كان لي أن أسدي نصيحة للشاعرة فهي أن تحاول الابتعاد عن القصائد الحكمية إلا متى مادعت الحاجة، فالقصائد الحكمية في الديوان يغلب عليها النظم، وهو دأب القصائد الحكمية إلا مع الفحول من الشعراء، وهي لما تزل في بداية مشوارها الشعري.
اللافت في الديوان ورود عدد من القصائد التي كان موضوعها الشعر وعلاقة الشاعرة به ، فهي منذ العتبة وحتى نهاية الديوان تؤكد بين حين وآخر شعريتها ، وتّذكرنا بها وبعلاقتها به.
الديوان من منشورات “اتحاد أدباء وكتاب الجنوب” ، وقد شرفت بأن نلت نسخة مهداة لي من الشاعرة ، ويقع في 98 صفحة من المقاس المتوسط.
-
شكرا لجمال أرواحكم