محمد عبد الله البريكي يتوسط المشاركين من اليمين وائل المير و محمد عبد البر علواني و مصطفى الحاجي و عبد الله الهدية
احتضن “بيت الشعر” في الشارقة ضمن “ملتقى الثلاثاء” في 6 رمضان 1444 للهجرة الموافق 28 مارس 2023 م. أمسية شعرية ثلاثية امتازت فصائد شعرائها بجزالة اللغة وجمال الصورة ونقاء الصياغة الشعرية.
حضر الأمسية الشاعر محمد عبد الله البريكي مدير “بيت الشعر” في الشارقة، وشارك فيها الشعراء عبد الله الهدية ومحمد البر علواني مصطفى الحاجي ، وقدم لها وأدارها الشاعر وائل المير الذب جاء في تقديمه:
“ما يجمعنا اليوم تحت سقف بيت الشعر سببان:
أننا نحب الشعر، وأننا نحب الشارقة، والجميل أن كل سبب منهما يصلح أن يكون سببًا للآخر..
نحب الشارقة لأننا نحب الشعر، ونحب الشعر لأننا نحب الشارقة
ما أخفت الأيامُ مني قبلها
قد طرزتهُ على يديها الشارقة
أمشي كأني في شذاها غارق
أم أنها في ماء وجهي غارقة!
قلبي معي دومًا ولكن ها هنا
ينسى المتيم حيث يمشي خافقه
فأدام الله عز هذا البلد وعز راعيه، وفي الختام، كتحية شوق إلى الغالية سوريا أقول:
لا يعرفُ الشوقُ الوفاقَ ولا الخصامَا
يقتات لحمي ثم يرميني عظامَا
كالخمر قد ذابت بلادي في دمي
من قال أني شارب خمرًا حرامَا
إني لأعرف يا هوى ما سرها
نحن اشتعال الشمس، عشاقٌ قدامَى
من الصعب أن تكون شاعرًا لا ينسى، وقليلًا ما تأخذك القصيدة معها حيث تذهب، منبر اليوم كان مدىً رحباً تتراقص فيه الحروف.
شكرًا للشعراء وشكرًا لكم جميعًا على وجودكم معنا، والشكر الأكبر للأستاذ محمد البريكي مدير بيت الشعر وراعيه على الجهود المبذولة.”
استهل الأمسية الشاعر عبد الله الهدية ، حيث أنشد جزءًا م فصيدة طويلة.
ومن قصائده المتسمة بالعذوبة والشفافية أنشد الشاعر محمد عبد البر علواني :
ها نحن ننهي سيدي الشوط الأخير
اترك فؤادي قبِّلْ الحجر الكريم
واترك لنفسي ربها البرَ الرحيم
واترك لدمعي بحرهُ عند الحطيم
وحذار / جدي / أن تكّشر في الزحامْ
هيا نصلي ركعتين لدى المقام
فجميع عمري لحظةٌ
سيضمنا في نورها البيتُ الحرام
وإذا ذهبت لزمزم
(زمزم فؤادي في الوضوء معك
خذني معك
وفي قصيدته “من بوحِ آدمَ” المفعمة بالفلسفة والإسقاطات يقول الشاعر مصطفى الحاجي :
من بوحِ آدمَ قد خُلقتُ فصيحا
وحروفُ فكريَ تدمنُ التسبيحا
تفاحُ شعـــريَ عندما قطَّفتهُ
أُخرجتُ من هذي الحياةِ جريحا
لم يغوِها التفاح حـــوَّا إنَّما
تاهتْ بحرفي حيثُ كان فسيحا
قد جاءني الطوفانُ يقصدُ أحرفي
فتحوّلتْ كلُّ القصائدِ نوحا
لا يعصمُ الجوديُّ حرفًا ناقصاً
ومبعثراً ومشوَّها وقبيحا
فأنا الذي قد كان فكري دافقًا
وأماميَ الطوفانُ كان شحيحا
حطَّمتُ أصنامَ الركاكةِ كلَّها
وأقمتُ من وحيِ البليغِ صروحا
كم أضرموا النيرانَ ضمنَ قصائدي
فأتتْ سلامًا بارداً ومريحا
من قدّم الذِبح العظيم لأُفتدى
أنا ما افتيدتُ لقد بقيتُ ذبيحا
أنا مذ دخلتُ الجبّ ضاع تمسكي
ما عدتُ أرغبُ أن أكونَ سموحا
لا تغلقي الأبوابَ إنّيَ مدنفٌ
قدِّي القميصَ وأبعدي التلميحا
إن قد من دبرٍ أكونُ مسالماً
أو قد من قبلٍ أكونُ جموحا
يعقوب من فَقدٍ توارى طرفُهُ
أمَّا لقلبي كم ملاهُ قروحا
وأتى القميصُ شذاهُ يسبقُ خطوَهُ
إنّي شممتُ من الكنانةِ ريحا
هي ريحُ يوسفُ لا تغالطني الرؤى
ردَّتْ إليّ نضارتي والروحا
هي ظلمةُ التابوتِ في النهرِ الذي
حملَ الرضيعَ ليبدأَ التصحيحا
ألقى عصاهُ وبالبلاغةِ حاطها
فرعونُ عن عرشِ التلعثمِ زيحا
ثعبانُ شعريَ عندما أرسلتُه
ملأ الفضاءَ بلاغةً وفحيحا
هي مريمُ العذراءُ تحتَ نخيلها
هزَّتْ بجزعِ قصائدي لأبوحا
فأنا الذي بالحرفِ كنتُ مناظراً
ومجاهراً ومفاخراً وصريحا
لكن صُلبتُ حقيقةً لا شبهةً
فغدوتُ لو صدقَ الزمانُ مسيحا
إنّي دفنتُ وما أراحَ بلاغتي
أنّي جَعلتُ من الحروفُ ضريحا
وفي قصيدة مهداة إلى الشارقة يقول محييًا:
ذكرى تؤمِّلُني وعَشرٌ خانقَة
ومشاعرٌ للذكرياتِ مُطابقَة
وطنٌ يذكِّرني الأمومةَ تارةً
ويمُدُّ تاراتٍ إلـــيَّ مشانقَه
في بعدنا نشقى تُعرَّى روحُنا
وجراحُنا البكماءُ تغدو ناطقَة
يا شاميَ المنفيّ لكنْ في دمي
ودَمِي يفارقُني ولستُ مفارقَه
فتَّشتُ في وجهِ البلادِ جميعِها
عن صورةٍ للشامِ فينا عالقة
فوجدتُ كلَّ مدينةٍ وشبيهَها
وتقمَّصَتْ وجهَ الشآمِ الشارقَة
ويمضي منشدًا وسط تجاوب الحضور :
يَزيدُ جَفاؤهُم فنزيدُ شوقَا
وليسَ كمثلِنا غَربًا وشَرقَا
سَقَيْنَا الحبَّ مُذْ كُنَّا عِطَاشاً
لماذا اليومَ بالهِجْرانِ نُسْقَى
فَلِي قلبٌ مِنَ الطُّهرِ المُصَفَّىْ
وروحٌ مِنْ نَقَا الياقوتِ أنقى
وفكــرٌ لو يُمــدُّ علــى رجالٍ
لصارَ العجزُ في التّفكيرِ سَبْقَا
وشِعــرٌ لو تُــزانُ بهِ القوافــي
لأحْدَثَ في مجالِ الحرفِ خَرْقَا
وإنَّكَ حينما تَلْقَـــىْ حُروفِــيْ
كمَا الشَّاميُّ لو يَلقَىْ دِمَشْقَا
فَغُضَّ الطَّرفَ أوْ صلِّ خشوعاً
وإيَّـــاكَ القداســـــةَ أنْ تـَـعُقَّا
فعندي الحرفُ موطنُ كلِّ حرٍّ
تَفانَىْ في عَصَا الطُّغيانِ شَقَّا
سَأتلوْ مِنْ رُؤىْ حُبِّـــي كِتاباً
لِأقْطِفَ مِنْ سما التأويلِ عِشْقَا
فأنعمُ في ظلالِ القربِ يوماً
ودهراً في ظلامِ البعدِ أشْقَى
أموتُ برعشةِ الإهمالِ برداً
أموتُ بلهفةِ الغيرانِ حرقَا
فحبُّكُ يا صغيرةُ قد براني
ويَأبَى القَلبُ دُوْنَكِ أنْ يَدُقَّا
فواللهِ الذي قَدَرَ المَنايَا
ومدَّ الأرضَ والأقمارَ شَقَّا
سأبقَىْ راهِناً للحبِّ قلبِيْ
بِغيرِ الحبِّ لا يَسْطِيعُ خَفْقَا
وإنَّكِ كلَّ ما لاقِيتِ مِنِّيْ
لأنِّي قد عرَفْتُ الحبَّ حَقَّا
بِبعدِكِ قدْ شربتُ الحرفَ خَمْراً
وخمرُ الشِّعرِ لمْ أَحسبْهُ فُسْقَا
فكانَ الشِّعرُ يُسْكِرُنِي ولكنْ
بِكأسِ الحبِّ كيْ يَزْدادَ عِتْقَا
فَمتُّ مُعاقِرًا حَرفِيْ وحُبِّي
وهذا الحُبُّ لا يُبقِي ويَبْقَى
ويختم مصطفى الحاجي قراءاته مجلجلًا بقصيدته:
من قبلِ تاريخِ الملوكِ أعاقرُ
العزَّ الذي ترنو إليه منائرُ
وأمارسُ الشرفَ الذي تعلو بهِ
للفرقديـــنِ أباطــرٌ وقياصــرُ
كم قيصرٍ من آلِ كندةَ عندهُ
عرشٌ من الإجلالِ، كان يفاخرُ
غابتْ عروشُ ملوكِهمْ وقصورهِمْ
ولأنتَ يا شيخَ القصيدةِ حاضرُ
يا أيُّها الليلُ الطويلُ ألا انجلي
ظلَّتْ تراودُ فكرَنا وتُحاصرُ
هل غادرَ الشعراءُ من متردَّمٍ
أم أنّ عنترَ بالقصيدِ يجاهــرُ
ما زال سيفُ أبي الفوارسِ مشهراً
ولسانُـــهُ بالحـــقِّ أيضـــاً باتــــرُ
وديارُ عبسٍ أمحلتْ خيراتها
ورضابُ عبلةَ لم تزل تتقاطرُ
لا مُلكَ يبقى لا ملوكَ ولا غنىً
تفنى البسيطةُ والمخلَّدُ شاعرُ
وفي ختام الأمسية كرّم الشاعر محمد عبد الله البريكي الشعراء المشاركين ومقدمهم والتقط معهم صورة تذكارية.
زر الذهاب إلى الأعلى