كان للشعر مساء الخميس 3 أغسطس 2020 لقاء حميمي مع محبيه ومتذوقيه في أمسية نظمها النادي الثقافي العربي في الشارقة بعنوان “عطر الريحان”، ونسج خيوط إبداعها الشاعر فاتح البيوش والشاعرة وراد خضر وقدمت لها بحيوية أشاعت الدفء والمتعة في المكان الإعلامية مارية طرموش، التي استهلت الأمسية بتحية شكر وعرفان إلى ذي الفكر والعلم والثقافة حضرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، وبعدها حيت رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي العربي في الشارقة د. عمر عبدالعزيز الذي وصفته بأنه “الحاضر معنا حتى في غيابه” والأديبين محمد ولد سالم رئيس اللجنة الثقافية و محمد إدريس عضو اللجنة الثقافية في النادي الثقافي العربي.
وبعد ترحيبها بالشاعرين و بالحضور أوردت تعريفًا موجزًا بكل من الشاعرة والشاعر:
“وراد خضر: شاعرة وروائية من الساحل السوري الآسر تحديدًا مدينة طرطوس تحمل شهادة في الهندسة المدنية.. ولكن يبدو أنها درست الهندسة لتعيد هندسة القصيدة بطريقتها المتفرّدة في البناء الشعري .. لها ثلاثة إصدارات: روايتان بعنوان “جواز سفر” – ” العزيزة” وديوان بعنوان “بيت القصيد”
من كفًيها تنثر قصائد من نور.. تفتح الأبواب البهية على مصراع البوح الشفاف.. تسافر بكلماتها من مرافئ الوجدان إلى أبعد من البحار السبعة ومحيطاتها الخمسة .. تغوص إلى مكامن الدر واليواقيت والزبرجد وتعود بعد رحلتها إلى شطآن الروح لتسكن في قلوبنا ملء الطمأنينة والحب.
يمتلئ شعر وراد خضر بالتفاصيل العذبة .. كيف لا وهي حين تبوح برحلة عمرها تستحضر الذاكرة البعيدة من الينابيع الأولى وخزان الطفولة لديها وصولاً إلى المشهد الأنثوي الفاره بنضوجها الشعر .. فها هي قد بلغت الأربعين ولم تزل … عروسًا ترى في فكرها سرَّ سحرها”
وجاء في تعريفها بالشاعر فاتح البيوش :
“شاعر سوري من مدينة إدلب الغنّاء حاصل على دبلوم في الإدارة الفندقية .. ولا عجب .. فقد نكّه القصيدة بكل معطرات الأرض والأكوان .. من الريحان إلى الياسمين والتين والزيتون وحتى الحبق الحزين.
شارك في العديد من المحافل الشعرية .. وصل إلى مركز متقدم في مسابقة أمير الشعراء في موسمها السادس .. له مجموعة شعرية “الحبق المحزون” – “عصا الأسئلة” – ومخطوط قيد الطبع.”
جعلت الأمسيةَ مقدمتُها مداورة بين الشاعر والشاعرة التي استهلت إنشادها بقصيدة تقول فيها :
مدهش أن يفيض قلبك بالبش
رى وتندى في مقلتيك الخزامى
مدهش أن يحلق الحرف نسراً
من ذرا الشام ..إن ذكرت الشآما
أنزلت في القلوب أمناً وسلماً
وسنا نورها أزاح الظلاما
عهدتها كل المدائن شمساً
تزدهي بالإباء عاما فعاما
هكذا الشام أرض كل غريب
حين يخطو فيها يلقى السلاما
مدهش أن حملتُ دمشق طويلاً
في فؤادي حتى تصيرت شاما
وتختتم إنشادها ببيتين يفيضان رقة وعذوبة:
بادهت حرفك مغلقاً وخجولا
طوّفته سبعاً فصار رسولا
وزرعت شعري في سرابك أعيناً
فاضرب عصاك وفجر المجهولا
ويرسم الشاعر فاتح البيوش بكلماته الشعرية لوحة من العشق المرتبط بشقاء النابض بإحساس الغربة :
وشَّيتُ بالعشقِ الشقيِّ رُواءَها
وجعلتُ من نبضِ الفؤادِ رَواءَها
ولقد شقيتُ بحبِّها وغرامِها
نُعمى لقلبٍ أورثتْهُ شقاءَها
فهي البتولُ وأضلعي محرابُها
فأقم صلاتكَ يا محبُّ ورَاءَها
واخشعْ خشوعَ الواقفين ببابِها
واجعلْ دعاءكَ للشآمِ رِواءَها
وفي قصيدة عاطفية تطل رؤيته في الحياة ولو على نحو غير مباشر، فمع تعبيره عن شعور البعد وتساؤله عن الحبيبة هل تتذكره لا يغيب عنه أنه “بقايا خطيئاتٍ مُضلِّلَةٍ”:
أشتاقُ للدَّربِ حيثُ الخفقةُ البِكْرٌ
وحيثُ أورقَ في شريانيَ السرُّ
أشتاقُ للخَطوةِ الأولى التي سكِرَتْ
روحي بها دون أن يودي بها سُكْرُ
هناكَ حيثُ عناقيدُ الهوى عُصِرتْ
على شفاهٍ كأنْ قدْ مَسَّها سِحرُ
سحرٌ تَلَقَّفَ قلبي مثلما لُقِفَتْ
حبالُ فر عونَ لما صابَهُ الكِبْرُ
كأنَّها مُزِجَتْ في ريقِ غانيةٍ
حتى تماهتْ على ترياقِها الخمرُ
وعُتِّقَتْ في خوابي الروحِ قافيةً
تنسلُّ من رئةِ المُضنى فتصفرُّ
أحنُّ للمَقعَدِ المهجورِ من زمنٍ
تَحنانَ صبٍّ ضناهُ الشوقُ والهَجْرُ
يذوبُ عشقاً يكادُ البعدُ يُهلكُهُ
ومثلَ غصنٍ ذوتْ أوراقُه الخُضرُ
يا أيُّها المَقْعَدُ المنسيُّ بُحْ بشذى
حديثِها وتَبَتَّلْ أيُّها العطرُ
ماذا تقولُ إذا ما عَرَّجَتْ شغفاً؟
على بقايا جراحٍ ملحُها الصَّبرُ
ياقلبُ قُلِّي أما زالتْ تَذَكَّرُني؟
وهلْ تتمتمُ باسمي؟ أمْ لها عُذْرُ؟
جفَّتْ عناقيدُ روحي فوقَ داليتي
فلا جرارَ ستُملى لا..ولا عصْرُ!!
أنا بقايا خطيئاتٍ مُضلِّلَةٍ
على غبارِ مرايا خطَّها الدَّهرُ
وبلغته الصوفية “يهيمُ في ملكوتِ العشقِ منْ ورع” ويدعو الحبيبة إلى التصوف “في مدارات الهوى” فهو يحبها “حتى نفخةِ الصورِ”:
من كافِ كُنْ ويقينِ النونِ في النورِ
وبسملاتِ نبِيْ في غارِ مهجورِ
ومن تزاحمِ حزنٍ في عيونِ يتي…
…مٍ مسّه وجعٌ في قلبِ مفطورِ
ومن تباريحِ صبٍّ عاشقٍ وَلِهٍ
كأنَّما قلبُهُ في كفِّ مخمورِ
يدورُ دورةَ دَرويشٍ بحلْقَتِهِ
مُشرِّعاً روحَهُ للحبِّ والنُّورِ
يهيمُ في ملكوتِ العشقِ منْ وَرَعٍ
يقولُ للرُّوحِ في صمتٍ ألا ثوري
ثوري فإنَّ ضجيجَ الصَّمتِ أرَّقني
ويَمِّمي نحو من أهوى كمأسورِ
أسيرُ عينيكِ لا مأسورَ معركةٍ
وكم تردَّى فؤادي خارج السُّورِ
وفي ختام الأمسية كرَّم الأديب الإعلامي محمد ولد سالم والأديب محمد إدريس الشاعر والشاعرة ومقدمتهما ملتقطين معهما صورة تذكارية وتلا ذلك التقاط صورة جماعية ضمت عددًا من الحضور.
كانت امسية رااائعة ، وكأنما أحاط شجر من الياسمين والنانرنج الدمشقي بعطوره المعتعقه حول حديقةجميلة اجتمع فيها الشعراء بحضورهم المميز.
كانت أمسية جميلة … بوركتم وهذه التغطية