أخبار
أمسية نابضة بالحس الجمالي في “بيت الشعر” بالشارقة
محمد عبدالله البريكي يتوسط الشعراء ومقدمهم ببعد تكريمهم من اليمين ناصر البكر الزعابي و مؤيد الشيباني ومروة حلاوة وحمزة اليوسف
الشعراء: مؤيد الشيباني و حمزة اليوسف و مروة حلاوة
الشارقة – “البعد المفتوح”:
أحيا الشعراء مؤيد الشيباني وحمزة اليوسف ومروة حلاوة الثلاثاء 15 أغسطس 2023 أمسية نابضة بالحس الجمالي في “بيت الشعر” بدائرة الثقافة في الشارقة بحضور مديره الشاعر محمد عبد الله البريكي، وقدم للأمسية ناصر البكر الزعابي محييًا عناية “بيت الشعر” بالاحتفاء بالكلمة الشاعرة متابعة نتاج الشعراء ، والإفساح في المجال لهم لاعتلاء منابر شعرية تمنحهم فرصة التواصل مع الجمهور.
استهل الأمسية الشاعر مؤيد الشيباني فألقى مجموعة متنوعة من قصائده تجلت فيها تجربته الشعرية الطويلة والغنية منها قصيدته “المغنّي”وفيبها عني بالصياغة الشعرية المتماسكة التي تتناغم صورها مع أجواء المغني الذي نسي ونسي حتى “فاحت رائحة الندم“
جمعَ المغنّي سيرةَ الأوراقِ والأخْتامِ..
منذُ رِضاعِهِ حتى متاهتِهِ
وغادرَ ..
لم يودّعْ قاعةَ الحفلِ الكئيبةَ
والمقاعدَ
والعناوين التي ملأت رفوفَ البيتِ
لا يقوى على التوديعِ
أو حمل المزيدِ
وفي الممر إلى الصعودِ
تلفّتت روحُ المغنّي
كيفَ يجمعُ سيرةَ الأيام؟
**
نسيَ المغنّي صوتهُ
فتلفتتْ عيناهُ يبحثُ عن هواءٍ واضحٍ
كي يستعيدَ شهيقهُ
نسيَ المغنّي كيف ينظرُ حولهُ
نسيَ الحروفَ وشكلَها
نسيَ المقاماتِ الكبيرةَ والصغيرةَ
والخفيفةَ والثقيلةَ
لم يعد يدري خُطاهُ أم اليدينِ
نسيَ اليدينِ
**
قطعَ المغنّي صوتهُ
والنايَ والأوتارَ والليلَ الطويلَ
وعادَ يضحكُ من سذاجتهِ
ويسأل صوتهُ
هل كنتَ في غيبٍ فلم تُدركْ نشازكَ
قالت امرأةٌ لجارتها صباحاً
كان يضحكُ بينما أصغي
ولم يهدأ
نهاراً حيث شمسُ الظهرِ فوقَ البابِ
لم يخرجْ
وفاحتْ من وراء البابِ رائحةُ الندم..
وفي “الإذاعة” يحمل رسالة الإعلامي وهواجسه وأسئلته:
قال عبد الوهاب ولم يكمل اللحنَ
لا أحدٌ يكملُ اللحنَ
قالت لميعةُ فرطَ اشتياقٍ
مشيتُ على الجسرِ خمسينَ عاماً
ولم أعبر الجسرَ
قالوا وأسمعُهُم لكأنَّ الجدارَ الذي بيننا ورقٌ
وأفكرُ فيهم جميعاً
وأمشي على الصوتِ
أتبع آثار خطوتهِ في الغيابِ
وأرجعُ لولا الاذاعةُ تحملني لسقطتُ على الأرضِ
لكنها تفتحُ البابَ من دون تأشيرةٍ للسفر..
***
يا عشقُ
يا موتُ
يا عزلةَ البسطاءِ الجميلينَ
يا ابن زريق الغريبِ المسافرِ في الخانِ
يا ابن الدّمينةِ منتبذاً آخرَ البار
أسمعُ أصواتكم خلفَ سورِ المدينةِ
ممّ تخافون..
هل خائفونَ من الشاهقاتِ وأثقالِها
وفراغِ الحكاياتِ من دمِها…
هل تخافونَ من سلطاتِ المطاراتِ
ترجعكُم خلف سور المدينة ثانيةً؟
لا عليكم
قفوا في الإذاعةِ يوماً
وقولوا لهم نحنُ أنقى وأبقى….
**
في الاذاعةِ قال المذيعُ أنا الحبُّ
قلبي صديقٌ وكفّايَ من مطرٍ وصلاة
أنا الحبُّ أكملُهُ والسلامُ
وقال لصوتٍ تساءلَ من أنت؟
لا تمتحنّي
سأفشلُ حتما بما تضمرُ الأسئلة
ودعني أجبكَ بلا سابقٍ
فأنا طائرٌ
هكذا الطائرون خفيفون لا يعرفونَ الذهابَ
ولا يعرفونَ الرجوعَ
ولا يعرفون الفواصلَ والمبتدا والتواريخ والذكريات
لهم كلّ ما في المدى من فضاءٍ وماء..
في ختامِ الرسالة أدركَ أن الإذاعةَ منذ البدايةِ مغلقةٌ
والهواء..
ويرسم في قصيدته “المقهى ” صورة إنسان “مهموم بالفكرة يغرد خارج السرب” حتى يصل بالمتلقي إلى النهاية:
في المقهى
ثمة شخصٌ
شربَ القهوةَ مرّاتٍ
واعتدلَ الجلسةَ مرّات..
دخّنَ
أغمضَ عينيهِ
تدلّى في بئرِ الأفكارِ..
وأطرقَ حتى كادَ يلامسُ أرضَ المقهى
كان وحيداً مهموماً بالفكرةِ
أو كان يغرّدُ خارجَ سربِ البيت..
في المقهى كان يرى القصةَ كاملةً
يرويها مراتٍ
ويغنّيها أحياناً
أو ينقلها للمسرحِ ثم يشاهدُها عن بعدٍ
يتلفتُ في القاعةِ خوفا من مللٍ أو سوء ظنونٍ
يرجع في اليوم الثاني
يخلطها بالقهوةِ حتى تزدادَ مرارتُها
أو يحملُ منها جزءاً في علبةِ حزنٍ
ربّتما يحتاجُ إليها حين يعودُ غداً
من لا يملك قصتهُ لا يُسمحُ أن يجلسَ في المقهى
ذات مساءٍ عاد إلى المقهى
لم يرَهُ أحدٌ
لم يسمعْهُ النادلُ حين دعاهُ
وحين مشى صوبَ المقعدِ لم يجدِ الأرضَ
فهل جفَّ لفرطِ الوحدةِ حتى صار هواءً
هل بات نهارُ دبيٍّ أظلمَ
حين رأى في المرآةِ فراغاً
غضبتْ كلُّ مفاصلهِ
وبقوّةِ زعلانٍ قذفَ الهاتفَ من يدِهِ
فتهشّمَت المرآةُ
وصارت صورتُهُ آلافَ الأشكال…
وتتابع الشاعرة مروة حلاوة “ما تبقّى من أثر الياسمين” الذي تفوح رائحته من بين المعاناة وضحايا الحروب التي تستحيل نايا:
يجفُّ القصب وفي تجويفه ذاكرة النهر
عليّ أنا جنيتُ
وما سوايا
سيجني من فمي
ثمرَ الخطايا
وبين فمي وأقلامي صراعٌ
يسوقُ قصائدي
بين الضحايا
فأنزفُ من رؤايَ بلا مسيح
ليُبرِئَ في دمي
عللَ المنايا
وما ذنبي
إذا كانت بلادي حروباً
أن أسافر في رؤايا
أحاولُ
أن أعيش الشعر منفى
أفرّ إليه
من محَن الزوايا
غداً
لن يستريح الشعر منّي
وقد خلّفتُ أبياتي تَكايا
غداً
إن قيلَ مرّت في شهابٍ
عزائي أنّ من بعدي بقايا
وأنِّي سِرتُ حافية الأماني
فسار الياسمينُ على خُطايا
وكم أقلقتْ من طرقات صحبي
ووزعتُ الجهات
على هوايا
سأتركُ جمرَ أسئلتي ورائي
تُفتّشُ في المواقدِ
عن خفايا
وأنَّى سالَ في الكلمات دمعي
غريراً
سالَ نهرٌ من مرايا
و ردَّ الماء من شغفٍ إليها
شفاهَ الموج
حائرةً عَرايا
فترجعُ من ضحايا النهر بنتٌ
تقومُ كقصبةٍ
لتصيرَ نايا
وكان ختام الأمسية مع الشاعر حمزة اليوسف ومما أنشده قصيدته “الشُّعَرَاء “التي يبين فيها في ثنايا الخيال والعبارة الشعرية رؤيته للشعر :
مَا دُمْتَ مُنْتَظِراً فَقَلبُكَ شَاعِر
ورؤاكَ تَبْتَكِرُ الجَمَالَ سَبِيْلا
هَلْ يَسْتَقِيمُ الشِّعرُ إلا لَوْعَةً
مَجْنُونَةً مَا أنْجَبَتْ مَعْقُولا ؟!
البَاذِخُوْنَ اسْتَعْصَمُوْا بِخَيَالِهمْ
واسْتَنْزَفُوهُ عَلىْ المَدَىْ قِنْدِيْلا
فِإذا اطمَأنَّ عَلَى المَسَاءِ نَحِيْبُهُمْ
أبْصَرتَ فِي خَدِّ الضِّيَا التَّأويْلاَ
السَّارِجُونَ ذُرىْ المَجَازِ وآيُهُمْ
فِي سِرِّهِ قَدْ أُحْكِمَتْ تَنْزِيْلا
السَّابِقُونَ الأَوَّلُوْنَ وَعَهْدُهُمْ
باللهِ والإنْسِانِ أقْومُ قِيْلا
الذَّارِفُوْنَ قُلُوبَهَمْ وَحُروفَهُمْ
فَوْقَ الشِّفَاهِ مَنَارَةً وَ دَلِيْلا
الخَاطِفُونَ أُلِيْ النُّهَى لِمَدَارِهِمْ
فِيْ رِحْلَةٍ تَهَبُ الضَّمِيْرَ هُطُوْلا
الوَافِدُونَ إلى السُّؤالِ ورَكْبُهُمْ
لُغَةٌ تَنَاثَرُ فِضَّةً وفُضُولا
يتنافسون مع البروق فأيهم
من فرط حرقته يموت عجولا
يتناسلون مع الضياء محابرًا
تختال في عنق الزمان حقولا
لا يشبهون العطر لكن نفحهم
في أعين العشاق بات رسولا
لازلتَ تَقْرَأهُمْ ولسَتَ تَرىْ سِوى
ظِلٍّ عَلَى الصَّفَحَاتِ كَادَ يَقُوْلَا :
الشِّعْرُ أنْ تَهَبَ القصيدةُ نَفْسَهَا
زوجاً إليكَ .. وأن تَظلَّ بَتُولا
وفي نهاية الأمسية كرّم الشاعر محمد عبد الله البريكي الشعراء ومقدمهم ملتقطًا معهم صورة تذكارية.