ضياء الجنابي وحسن النجار ومناهل فتحي فراقد متوهجة

الشارقة    –    “البعد المفتوح”:

احتضن بيت الشعر التابع لدائرة الثقافة في الشارقة الثلاثاء 12 سبتمبر  2023 ضمن فعاليات “منتدى الثلاثاء” أمسية شعرية تفاعل الحضور مع شعرائها الذين ظهر كل منهم بشخصيته الشعرية وأسلوبه، حيث تماوج في قصائدها الوطن والذات مجنحًا بشفافية الكلمة وخصب الخيال.

أحيا الأمسية الشعراء د. حسن النجار و د.ضياء الجنابي و د. مناهل فتحي بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير بيت الشعر في الشارقة، و قدم لها الشاعر د. رائد الحاج متوجهًا “بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى راعي الثقافة في شارقة الخير صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمّد القاسميّ -حفظه اللهُ ورعاهُ-   الذي لم يدّخر جهدًا في رعاية الشعر والشعراء، والمحافظة على اللغة العربيّة والإرث الحضاريّ المرتبط بها… ويسعدني أن أتوجّه بالشكر أيضًا إلى دائرة الثقافة بالشارقة ممثّلةً ببيت الشعر ومديره الشاعر الدكتور محمد عبدالله البريكي، الذي يعشق الشعر استماعًا وإبداعًا. والذي آلمه كما آلمنا جميعًا زلزال المغرب الشقيق – ولهم منّا صادق المواساة وخالص العزاء – وقال:

المغربُ الآنَ يتلو سيرةَ الهَلَعِ

فلا تخافي من الأمواتِ واندفعي

وسافري بي إليهم إنَّهُم سكنوا

نبضَ الفؤادِ فكوني في العزاءِ معي

وبعدَ أنْ ضاقَتِ الدنيا بما رَحُبَتْ

على أضالِعِهِمْ قولي لها: اتَّسِعي

موتى وموتى كثيرٌ أنْ نُشَيِّعَهُمْ

فَقَدْ تَعِبْنا مِنَ الآلامِ والوجَعِ

بعدها وقف د. رائد الحاج على دور متلقي الشعر وأهميته، وكان التعريف من مقدم الأمسية بكل من المشاركين يسبقه قبل اعتلائه المنصة، وكانت البداية مع الشاعر د. حسن النجار الذي ألقى محموعة من قصائده واستهل إلقاءه اللافت بقصيدته “سؤال الوقت” التي تناغم بين النظرة التأملية والصور وعمق المعاني وفيها يقول:

    البابُ -مُذْ غابَ عنهُ- صارَ يُشْرِعُهُ

هنا هنا جسدٌ والروحُ تتبعُهُ

هو انتظارٌ لمعنى الدارِ خارجَهُ

من غيرُهُ يخلقُ المعنى ويبدعُهُ

وكلما مرَّ ظلٌّ مالَ حيثُ خطا

يصدِّقُ الظلَّ والأوهامُ تخدعُهُ

يدنو، فيشهقُ، يتلو: “ربما وعسى”

ينأى، فتزفِرُ بالتأفيفِ أضلعُهُ

فنجانُ قهوتِهِ قد مسَّهُ شجنٌ

فمنذُ دهرٍ ولا فنجانَ يقرعُهُ

وفي الدِّلالِ كلامٌ كلما ذرفتْ

بُنًّا شجيًّا ولكن من سيسمعُهُ

لو كانَ جُبًّا لَقُلنا رُبَّ قافلةٍ

تأتي على بهجةِ الأقدارِ ترفعُهُ

تمرُّ مثقلةً بالغيثِ ذاتَ ضحىً

لكنْ إلى حيثما قد كانَ تُرجعُهُ

والروحُ قد هَرِمتْ من فَرْطِ ما انتظرتْ

ورقَّ، حتى سؤالُ الوقتِ يوجعُهُ

وأوهنَ العمرُ.. والمرآةُ قد شَحُبَتْ

وصارَ يَهذي ببيتٍ كانَ مطلعُهُ

يا للغيابِ! متى تأتي؟!

تُعيد ليَ المعنى،

وتغلقُ بابًا كنتُ أشرعُهُ

وفي “ظلال” يطارد النظرة التأملية أو هي تطارده هاجسًا يسكن شعره:

الظلالُ التي تَبِعْتْنا

إلى آخرِ الدربِ / مُفْتَتحِ العَتَباتِ

استراحتْ..

وغابتْ ملامحُنا منذُ خُطوتِنا في الدُّخولْ

دَلَفْنا إلى السهوِ

دونَ وجوهٍ

كأنَّا امَّحَيْنا

وأجسادُنا تتقاذفُها بُرُهاتُ الذهولْ

ومنذُ خلعنا الظلالَ على العتباتِ

نسيرُ بلا أيِّ معنى

وحتى الكلامُ استراحَ..

وغِبنا

كمنْ ظلَّ يبحثُ عن قبرِهِ في الطُّلولْ

ويتمسك الشاعر في “سقوط” بالأمل:

سقطتَ.. فأيقنَّا وشيكًا سقوطَنا

وأغمضتَ.. لم نُدركْ إِلامَ سنهتدي

على أملٍ كنا لعلَّ قنوطَنا

يغيبُ، ولكنْ حينَها ليسَ باليدِ

سوى رُبما يصحو، وفي أنْ يحوطَنا

بضحكتِهِ.. يندى بروحِ التودُّدِ

ومثلُ غروبٍ قد سحبنا خيوطَنا

وكانَ غياباً لم يُمهدْ بموعدِ

بعده أنشدت الشاعرة مناهل فتحي قصائدها وسط استحسان الحضور، ومما أنشدته قصيدتها “على شرفات الرمل” المفعمة بالمجاز والدلالات :

على صفحاتِ الرمل يجري خريرُهُ

فيطلعُ من أضلاعِهِ زرعَ صحبِهِ

فتكتبُ ما شاءتْ من الغيمِ فوقَهُ

مجازّا سينسيهِ قساواتِ جدبِهِ

ويتبعها الغاوون لكنّ نصّها 

عنيدٌ ولا ينحاز إلا لعشبِهِ

ترد عليهم بردَه وسلامَه

وترقب في شوقٍ مواقيتَ حربه 

وتغشى عيونَ الناسِ حتى ترى لهم

فقد لا يحيط المرء وعيًا بدربِهِ 

وكان ختام الأمسية مع الشاعر د. ضياء الجنابي وعدد من قصائده التي اتسمت بالجزالة وقوة النبض الشعري منها “سِكَكٌ عَمياء” حيث قلبه “سرادق أحباب له ظعنوا” يتساءل:  “إلامَ يَمضي قطارُ العُمرِ في نفقٍ؟”:

             أوزعتُ في السِّككِ العمياءِ مُنطلقي

            فوزّعَتني الخُطى في ألفِ مُفترقِ

            مشيتُها ولهيبُ الشعرِ يجلدُني

           ولَمْ أَزلْ دالِجاً في غَيهَبِ الطُرقِ

           ألفيتُ روحي على الرمضاءِ مسرعةً

                  ألوي أعنتَها بالكدِّ والعَرَقِ

           خُذني إلى واحةٍ قد كنتُ أقصدُها

           فمثلُ رقراقها يا أيْنُ لمْ أَذُقِ

*       *      *

           قَلبي سُرادقُ أَحبابٍ لهُ ظَعَنوا

           لمْ ينسَ ذكرَهُمُ، مَا التاعَ مِن فَرَقِ

           طُولُ السُّرى دَنِفاً، يحدو بقافيتي

          علّي أطال بِهمْ وَصلاً مَعَ الغَسَقِ

            أبكي فتنشب في العينين محرقةٌ

           والدمع يهمي ليطفي حُرقةَ الحَدَق

            في أوّلِ الغيثِ دوماً كنت منهمراً

           أفتقُّ الغيم، إن الغيثَ من خُلُقِي

            لكنْ إلى أينَ تَمضي فيَّ أشرعةٌ

           بمركبٍ قلقٍ في اليمِّ مُنخرقِ

           إلامَ يَمضي قطارُ العُمرِ في نفقٍ؟

       حَتّام يظهرُ ضوءٌ آخرَ النفقِ؟

*       *      *

         أُصارعُ الموجَ، والأنواءُ مَاطرةٌ

        أستشعرُ البرَّ حتّى آخرَ الرَّمَقِ

        إنّي الغريقُ إذا موجٌ يداهمُني

      أُشقِّقُ الريحَ كي أنجو مِنَ الغَرَقِ

      في الأفقِ منّي نُبؤاتٌ مُؤجَّلةٌ

    كالنخل سامقةٌ، تخلو مِنَ الرَهَقِ

     وغَيمةُ الشعرِ في الخفّاقِ مثقلةٌ

     تجوسُ بالقلبِ إنْ تنهالُ بالغَدَقِ

    سُتُونَ عاماً وتحتي الريحُ طائعةٌ

   تهبُّ، تَعصِفُ، أنى شاءها قلقي[1]

  سُتُونَ عاماً وليلي مطبقاً سُدَفاً

  لكنما الشعرُ صُنوُ الفجرِ والفلقِ

 سُتُونَ عاماً وقد كورتها لُجَجَاً

   لمْ أسدلِ الجفنَ أو أشكو من الأَرِقِ

          أَعدُو وصوتُ المنى ما زالَ يلسعني

         كابدْ، وغنِّ على الأقمارِ، وأتلقِ

         رُؤياكَ في السُّدُمِ العلياءِ ثاقبةٌ

         إهوِ بها طَارقاً، نَجماً على الوَرَقِ

        واطلقْ نشيدَكَ هذا العمرُ فِي سَفَرٍ

         ما زالَ دَينُ الصِّبا والحُبِّ فِي عُنُقي

[1]  – تناص مع بيت أبي الطيب المتنبي:

على قلق كأن الريح تحتي

وتوسط محمد عبدالله البريكي الشعراء المشاركين ومقدمهم في نهاية الأمسية بعد تكريمهم في صورة تذكارية.