د. أحمد الزبيدي
أتى حين من الدهر لم يكن يرى فيه المستشرقون وتلامذتهم من أبناء المسلمين استقلالية للعرب المسلمين بمنهج علمي خاص بهم،و أن منهجهم الذي يدينون له هو المنهج اليوناني؛ وتحديدًا منهج المعلم الأول “أرسطو”، وأن منطقه الذي وضعه –إيساغوجي- هو قانون العقل الذي لا يُرد ، ومنهجه الذي لا يُصد، وأن أحكامه ثابتة، وقضاياه ومسلمة، وأن أقيسته تورث الجزم واليقين…!
ثم إن هذا المنطق هو أدق تعبير عن الروح اليوناني في نظرته إلى الوجود؛ من كون وإنسان وحياة، وفي تفسيره -كذلك- لكثير من قضاياه الوجودية، وهو في كل ذلك يصدر عن بيئة مخالفة، وتربة مخالفة، وتصور حضاري يتفق مع بيئته وتربته.
وزعموا؛ أن الفلاسفة الثلاثة ؛ ابن رشد، والفارابي ، وابن سينا، يمثلون الصورة الحقيقية للفكر الإسلامي!
ولا يخفى ما في هذا من افتئات كبير على الحقيقة والواقع على السواء!
نعم،صحيح من جهة أن منطق أرسطو هو أساس منهج البحث في علوم اليونان الفكرية والفلسفية، وصحيح أيضا أن بعض الأساتذة الغيورين ممن توفروا على دراسة الإسلام والفلسفة اليونانية، قد فطنوا إلى حقيقة علمية، جهلها بعض المستشرقين، وعلم بها بعض المستشرقين؛غير أنهم عمدوا إلى تحريفها وطمسها، ألا وهي؛ أن المنهج العلمي موجود في التراث الإسلامي،ولكن ينبغي تلمُّسه في علمين أصيلين من العلوم الإسلامية، وهما؛ علم أصول الفقه ، وعلم الكلام، وعلى رأس هؤلاء الغيورين؛مثل الشيخ مصطفى عبد الرازق من تبنى هذا الاتجاه ، وجعله ديدنه وهجيريه، وظل حياته يدندن حوله،وجاء من بعده من حمل اللواء؛ وعلى رأسهم الأستاذ النشار الذي عكف بصبر وأناة وتريث على قراءة التراث المنهجي الإسلامي، محاولًا الكشف عن ثمار العبقرية الإسلامية في التوصل إلى المنهج، وتحديداً من خلال دراسة الفقهاء، والأصوليين، والمتكلمين،فكان أن استطاع بفضل الله، ثم بجهوده؛ أن يقيم منهجًا علميًا إسلاميًا ثابتًا،له سماته وميزاته، ولم يرض بذلك حتى عكف عليه فطوَّره، وجعل منه نظرية مستقلة ؛ بما توفر له -أيضًا – من اتصال مباشر، واحتكاك قريب بالفكر اليوناني ،ودراسة لمناهجه الفلسفية من مصادره الأصيلة، مما هيأ له فهمها،وسبر غورها من الداخل.
ونحن في هذه السلسلة المباركة، سنثبت بالأدلة الفاطعة، والبراهين الساطعة، أن المسلمين تلقوا المنطق “الأرسططاليسي” تلقيًا فاحصًا وناقدًا، فأفادوا منه،واستعملوه في علومهم، ولكن، صححوا منه ما كان صحيحًا، وزيفوا منه ما كان زائفًا، ثم أخرجوا للعالم منطقًا ومنهجًا استقرائيًا طبيعيًا جديدًا،حدوده كاملة، وأركانه تامة، فاستوى خلقًا جديدًا مباركًا.
قد انبثق في جوهره ومضمونه عن عِلمين إسلاميين أصيلين؛ هما؛ علم أصول الفقه،وعلم الكلام،فكان منطقًا معبرًا عن بيئة عربية إسلامية طيبة مستقلة،ويعكس روحًا مشرقًا مستقلًا ذا ملامح واضحة،وعلامات بارزة، يختلف أشد الاختلاف عن المناهج الأخرى المشوهة.
ومثلما كان المنطق الأرسطي يعبر عن الروح اليوناني في نظرته إلى الوجود؛ وفي تفسيره لكثير من مسائله،فإن المنطق الإسلامي هو المنطق التجريبي، وهو الروح الحقيقي المميز للحضارة الإسلامية، والمعبر عن روحها، والمفسر لمسائلها كلها.
زر الذهاب إلى الأعلى
دكتورنا الفاضل
لا عدمنا فوائدك، ولا سيما الفلسفية منها، والأدبية، والتاريخية، والنقدية..
فرجائي وتمنياتي عليك لو تفضلت علينا وعلى القراء الكرام وأتبعت مقالك هذا بسلسلة مقالات تبرهن على ما جاء فيه
والشكر الجزيل لك ولهذه المجلة الطيبة التي يتسع صدرها لهذا اللون من المقالات العلمية.
حياك الله وبياك أخي الفاضل/ د عبدالله
نزولا عند رغبتك الكريمة ورغبة بعض الإخوة والأصدقاء الذين لا يسعني إلا طاعة أمرهم ، كالأستاذين الإعلاميين الكبيرين؛ الأستاذ منتصر فؤاد عم علي في بريطانيا والدكتور معتصم فؤاد عم عليفي ألمانيا ، سنكمل بحول السلسلة حتى تنتظم في آخر الأمر في مجلد أو مجلدين، عسى الله عز وجل أن ينفع بهما.
بارك الله بك،وبعلمك ،ومالك ،وعيالك ،وكل ما آتاك الله من فصاحة لسان وقوة بيان وعظمة استشهاد وروعة وإبداع… أعانك الله ووفقك، وأشكرك على تحقيق رغبتنا ورغبة كل من يعشق العلم والبلاغة والتاريخ والفلسفة والأدب…
ولا أجد غير مية على مية على كل ما كتبت..
أخوكم: الإعلامي منتصر فؤاد عم علي
ما شاء الله بوركتم بعلمكم الوافر، وزادكم الله بنعيم فضله ومن واسع علمه..
ننتظر السلسلة بفارغ الصبر
أخوكم وتلميذكم معتصم أبو فؤاد
تحياتي دكتور احمد الزبيدي ان الاسلام دين حياة واخرة فقد جمع التجريب الحياتي مع صيرورة الحياة وقدر الله وقضائه لقد كان هذا نهجا علميا بحت يعتمد على دراسة الواقع ومنطق العلم والامور وتحليله ووضع نتائج في الفتاوى والقياس والاجتهاد وتماشي الحياة وهذا هو الاسلوب العلمي لقد اصبت فعلم الفقه وعلم الكلام يماشي الحياة والاخرة اي ما بعد الموت ولقد كان معك كل الحق فيما قلته عن النجريب والمنطق .اجدت وجزاك الله كل الخير والاحسان .وحقا علم ينتفع به مع الحب والتحية والاحترام تحياتي. مهند الشريف
سلمت يمناك دكتور أحمد
اشتقنا لمقاالاتك الرائعه،، لاتغب عنا كثيرا ،
دمت بخير🥰بارك الله فيك
حفظك الله دكتورنا الحبيب على جهودك، وعلى مقالاتك الغنية بالمعلومات القيمة التي يصعب ايجادها بين الكثير من المراجع، سلمك الله وحفظك، وفتح عليك دائما واغناك بفضله وعلمه.
بارك الله بكم
عمر عزت هبرة
فنان تشكيلي
حفظك الله دكتور أحمد وسلمت يداك على هذه المقالات الرائعة
ما شاء الله عليك د. أحمد الزبيدي
زادك الله علما ونفع بك
[12/08, 19:39] Osama: الفلاسفة المسلمون، من ابن ؤشد، وابن سينا، والفارابي، اخذوا عن المنطق الارسطي، وتاثروا به.
وبقي المنطق الارسطي مرجعا فريدا ووحيدا، حتى جاء برتراند رسل واثبت بطلان بعض جوانبه.
[12/08, 19:40] Osama: مقال جميل يستحق القراءة والمتابعة والتعليق
بارك الله فيك دكتور وسلمت يداك
يتجلى بوضوح أن المسلمين العرب لم يكتفوا بتلقي العلم اليوناني، بل كانوا روادًا ومطوّرين للمنهج العلمي. يجب أن نُقدِّر الثراء التاريخي للتفكير العلمي في الحضارة الإسلامية وندرك الإسهامات الرائعة التي قدَّمها علماء المسلمين في تطوير المنهج العلمي. شكرًا لكم، دكتور، على إلقاء الضوء على هذا الجانب، ونترقب بشوق المزيد من مقالاتكم الملهمة.