محمد عبدالله الريكي يتوسط الشعراء ومقدمتهم بعد تكريمهم من اليمين د. وئام المسالمة و جمانة الطراونة و أحمد الصويريب و سامر الخطيب
الشارقة – “البعد المفتوح”:
ضمن “منتدى الثلاثاء”في “بيت الشعر” بالشارقة أحيا الشعراء سامر الخطيب، وجمانة الطراونة، وأحمد الصويري مساء الثلاثاء 5 مارس 2024بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير”بيت الشعر” في الشارقة أمسية شعرية ثلاثية في سياق حرص “بيت الشعر” في الشارقة على مستوى يعتد به في عالم القصيدة العربية.
قدمت للأمسية وأدارتها د. وئام المسالمة على نحو لافت بقوة الصياغة والتسلسل، وبعد أن حيت الحضور بعبارات أدبية لها خصوصيتها قالت: “هنا يلتقي مُحِبُو الشعرِ وفرسانُه من كافة البلدانِ والأطيافِ تجمعهم شارقةُ الخيرِ على قلب رجلٍ واحدٍ .. فمساؤكم عُروبةٌ يا أهل العربية.
لستُ بشاعرة، ولكنّني على موجةِ الحُبّ للشعر ينتظمُ معيَ.. الكلامُ شِعْرَا.
حضورَنا الأوفياءُ لمحبوبهم يقال:
من لا يشكر الناس لا يشكر الله لذا لابُدَّ هنا أن نشكر وندعو لراعي الثقافة والأدب صاحب السُّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة أطال الله بعمره وأدامه ذخرًا للعربية وأهلِها، والشكر موصولٌ لأبناءِ هذا البيتِ المِضياف وعلى رأسهم الأستاذ الفاضل الشاعر محمد البريكي مديرُ بيت الشعر على جهوده المستمرة ولكل القائمين في بيت الشعر ودائرة الثقافة بالشارقة على تنظيم هذه الأمسيات الماتعة.
الشعراء هم طيورُ مهاجرة، تهاجر في مشارق الأرض ومغاربها تارة يطيرون على جناح الشوق للمحبوب فيوسِعُونَهُ صبابةً وتَغزُّلا، وتارةً تراهم يهبِطون ليحطُّوا على وترِ الحزنِ والآلام فتتدفق أشعارُهم باكيةً بكلِّ ماتختلجهُ نفوسهم من أنينٍ داخليٍّ ومعاناة.
وتارةً أخرى تراهم كالنَّسْرِ الشَّامخِ يحلّقونَ بأعلى مرتبةٍ من السًّموّ والرفعة، هكذا هم الشعراء الأخيار صحيحٌ أنهم على كل لحنٍ من ألحان الحياة يعزفون وعلى كل نسيجٍ من أنسجةِ القولِ يَغْزِلُون ليقدموا لنا حكمةً وعِظَةً حياتيَّة أو ربما كلامًا جميلاً تطرب له الأسماعُ لا غَير، و هنا لا ضَيْرَ علينا إن قيل فينا ويتَّبِعُهمُ المُحبُّون.
ونحن اليوم جمهورٌ مُحِبٌّ وسطَ ثلاثةٍ من الفرسانِ سيجودُ كُلٌّ منهم الليلةَ بأجملِ مافي جَعبَتِهِ من ترانيمَ وأشجانِ…….””
استهل الأمسية الشاعر سامر الخطيب بأبيات تحية للشارقة:
دندن حروفك باللغات الشاهقة
واكتب بروحك مفردات ناطقة
وازرع قواميس الثقافة ها هنا
تبصر علامات الخلود الفارقة
فإذا دخلت إلى البلاغة عاشقًا
فاعلم بأنك فوق أرض الشارقة
وعمد إلى العبارة الشعرية المسكونة بالحكمة في قصيدته “لا تقفلي الباب” ضمن عدد من قصائده التي كان إعجاب الحضور صداها :
لا تقفلي البابَ خلفَ البابِ قدْ رقدَا
شيخٌ كبيرٌ يُصلِّي يرتدي الجّسدَا
ولا تنامِي وقد نادتْك نافذةٌ
لتغلقِيها فإنَّ البيتَ قدْ بردُا
هاتي دموعَكِ حتَّى تسكُبي قلقِي
في نهر عينيكِ إنِّي أكرهُ الرّمَدا
ولا تظني بأن الموت في جسدي
فالموت ألا أرى خلفي الذي ولدا
لا تقفلي الباب إن الباب قافية
كأنه في دماء القلب قد رقدا
لا تدخلي البيت إلا من ملامحه
ومن نسيم على خديه قد وجدا
لا تقفلي القلب حين البحر يدخله
وإن توقف مدي للسماء يدا
لا تشربي قهوة والفجر مختبىء
فالبن يفهم أن الحبر قد جمدا
ولا تظني بأن الريح راحلة
لن تترك الريح في أسفارها أحدا
وفي قصيدته “دستور” لفح الشاعر الحضور بلهيب أنفاسه الشعرية :
نطق المدى وتحرك التنور
والخبز في كف الصباح سحور
والماء نام على دفاتر دهشتي
وفصول شوقي في التراب سطور
والعطر آنس مقلتي وكلما
كلمت وحيي في الحروف يدور
واللون في صهوات ريشة خافقي
ميقاتها في أدمعي موشور
واللحظ في عين الحبيب مجرة
وبرؤيتي فوق المدى عصفور
وأصابعي لوز الشفاه وقصتي
فوق المشاعر واللمى دستور
ولهيب أنفاسي قصيدة شاعر
فيها المشاعر كالبحار تفور
والحزن في مدن البيان موانىء
أسرى إلى محرابها (طاغور)
وعيونها العطشى سماء تأمل
تشريعها وفراتها بللور
ووريدها بردى السماء ونبضها
نيل وسفر شعورها خابور
والقد قنديل البيان وكلما
زار الضفائر يمرح الديجور
فإذا فرزدقها أقام طقوسه
ناداه من بحر الجمال جرير
و في “قيثارة الغرق” مضى يقطف الريح، وشيخ حلمه “له في البيت ذاكرة”:
ما زلتُ أزرعُ أشجاري على وَرقي
وأدخلُ السَّطرَ منْ بوابةِ القلق
وغرفةُ النَّوم في سَطري أكلِّمُها
منْ مقلةِ الليل حتَّى ألتقي شققي
أحاورُ الجنَّ في أنسي فأجعلُه
ثوباً يرافقُ أبياتي عَلى طُرقي
سنابلُ الموج في عينيَّ أزرعُها
فأقطفُ الريحَ منْ قيثارةِ الغَّرق
عكَّاز جُرحي الذي ما زالَ يحملُني
يمشي معَ الصوتِ حتَّى أتَّقي نَزقي
في داخلي ربَّما أنثايَ غارقةٌ
في الشَّوق لكنَّها تنمو على الأرق
وشيخُ حُلمي لهُ في البيتِ ذاكرةٌ
بحكمةِ الشيبِ تُلغي ظلمةَ الحَّدق
ما زلتُ والقفلُ لمْ تقنعْهُ أسئلتِي
أنَّ المفاتيحَ تشدو في دم الشَّفق
وانَّ ليلى التي مَا زلتُ أجهلُها
تهدي التشابيهَ منْ ياقوتةِ الحبق
كأنَّها داعبَتْ شَعري بأحرفِها
وراودَتْ دهشتي حتّى انتشَى عرقي
ولملَمَت منْ زوايا السِّحر في وله
كفَّ البخور وهزَّتْ نخلةَ الرَّمق
لتشتهيني عيونٌ كنتُ أغمضُها
منْ دون وعي وترمي خمرةَ الألق
ما زالَ ميزانُ وقتي راجحاً أبداً
يسائلُ الليلَ عنْ أرضي ومُنطلقي
يقولُ إخلعْ على أبوابِ أجنحتي
حذاءَ ريحِك وانشرْ حكمةَ النطقِ
لأنَّ كفَّكَ تبكي حينَ تجرحُها
أشواكُ هامشِك الغافي على النفق
كلَّمْتُ جدِّي وما زالَتْ تحاورُني
حفيدةُ البحر بينَ العقل والعنقِ
حتَّى إذا مرَّتِ الأعوامُ ذكّرني
ذاكَ النهارُ بشمس لامسَت ألَقي
وقالَ لي إنَّها الأغصانُ حالمةّ
تهوى العصافيرَ كي تجتاحَ مُفترقي
وذلكَ النبعُ في محرابِ أوردتي
قربَ المزار الذي سلَّمتُه قلقِي
يمرُّ قربَ مرايا الروح مشتعلا
بقلْ أعوذُ بربِّ الناس والفلق
الشاعرة جمانة الطراونة أنشدت مجموعة من قصائدها بتعابير جاذبة مرصعة بالصور البديعة يتابعها الحضور بشغف ، ومنها تعبيرها عن عشقها الشارقة :
أحببتِها؟! مَنْ لا يحبُّ الشارقة ؟!
ويهيمُ في هذي النجومِ الطُارقة ؟!
إنْ لَمْ أمُتْ فيها لفرطِ تعلّقي
تبّتْ يدايَ إذنْ فلستُ بعاشقةْ
وفي “وقع السنابك” تمضي الشاعرة بقصيدتها “نحو العُلا تعدو”:
ودونما السرّجِ قَدْ أذهلتُ مَنْ شدّوا
لمّا امْتطيتُ جوادي وابتدا العدُّ
فقيل: خيّالةٌ طارت ومُهْرتُها
يومَ السّباقاتِ لم يَقْصُرْ بها الجُهْدُ
كأنّها مِنْ زمانِ الصافناتِ أتتْ
أو أنّها… لم يَعُدْ مِنْ (أنّها… بدُّ
مِنْ خطفةِ البرقِ إذْ تعدو رشاقتُها
وصوتُ قفزتِها الموعودةِ الرّعدُ
” والخيلُ والليلُ “مازالتْ تحدّثني
أنّ القصيدةَ بي “نحو العُلا تعدو”
وأنّني مثلُ جدّي في تمرُّدِهِ
وفي أناهُ على عكسِ الذي أبدو
فما تنبّأتُ لكنّي على ثقةٍ
مِنَ الكناياتِ أنّى لاحَ لي أشدو
ولا تعلّمتُ حدوَ البدوِ إذْ بدمي
قبائلُ الأرضِ كلٌّ باسْمِها تحدو
رؤايَ ما مسّها مشْطٌ فسائبةً
ظلّتْ وكلُّ اللواتي دونَها جُعْدُ
وعن نواصيَ مُهري إذْ تهفهفها
ريحُ المجازاتِ سحراً ينضحُ السردُ
وقْعُ السنابكِ ( بحرٌ )لا يحيطُ بِهِ
علمُ ( الخليل ) فلا جزرٌ ولا مدُّ
وما جوادُ قريضي حِينَ ألكِزُهُ
عند المضاميرِ إلّا أرقطٌ فهدُ
ما للمشّهرِ لولا الزّيرُ خلدَّهُ
ذكرٌ ويحفظُ سرَّ الصارمِ الغمدُ
أحسنتُ حتّى رأى الإحسانَ باذلُهُ
مِنْ فطرةِ الناسِ لا يُعنى بِهِ فردُ
وبَعدُ … لا بَعْدَ في إثري فقد وقفتْ
بيني وبين الأُلى عضّوا يدي (بُعْدُ)
أموتُ كالسيفِ مزهوّاً فسيرتُهُ
فِي السلمِ والحربِ أنّ الأشرفَ الهندُ
وفي الدواوينِ قبري حيثُ لا جدثٌ
يعلو عليهِ ولا شقٌّ ولا لحدُ
وتصور في قصيدتها “هذيان” نفسها وفيها مزيج ممن الحنين والقلق وترى أنه ما خُلِقتْ “عينُ المحبِّ لغيرِ السُّهدِ والأرقِ” :
ردّوا عليَّ جنوني واعْتقوا نزقي
فلستُ أوّلَ مَنْ حادتْ عَنِ النَّسَقِ
ولستُ آخرَ مَنْ ساقتْ قصائدَها
مُردَ الحروفِ إلى غيدٍ من الورقِ
مِنْ فسحةٍ في المجازِ البِكْرِ ما انْكشفتْ
لغيرِ عينِ الرّؤى غامرتُ بالحدقِ
وما عبرتُ إلى أنْ جاءني خبرٌ
مِنَ السّماواتِ أنْ بالماءِ لا تثقي
ولتقبضِي الطينَ حتّى يستحيلَ كما
أوحى لهُ اللهُ جسراً بعدها انطلقي
فعدتُ مِنْ غيبةِ اللاوعيِ ذاكرةً
تمامُها خمسُ آياتٍ مِنَ (العلقِ)
إذ ما تجاوزتُ والتأويلُ راحلتي
نصفَ المسافةِ بين (النّاسِ) و (الفلقِ)
ولا تعوّذتُ خوفَ العينِ بل ألِفتْ
نفسي على نفحة القرآنِ في الغسقِ
فكيف أهذي من الحمّى وما تركتْ
لي القصيدةُ ما يكفي مِنَ الرّمقِ؟!
لا أدّعي العشقَ إلّا أنّني امرأةٌ
أطهو الحنينَ على نارٍ من القلقِ
حتّى إذًا ما استوى في القلبِ وانتشرتْ
روائحُ الشوقِ مِثْلَ العطرِ في عُنُقي
أشرتُ للدّمعِ أنْ يعدو على وجَني
عدوَ الخيولِ التي تُدعى إلى السَّبَقِ
وقلتُ: لا نمتْ يا عيني فما خُلقتْ
عينُ المحبِّ لغيرِ السُّهدِ والأرقِ
قَدْ صحَّ عندي بأنّ التوتَ مقتلُهُ
على الشفاهِ الّتي تُدمى مِنَ الحنقِ
وما تيقّنتُ إلّا بَعْدَ قولِ أبي
” مِنْ يركبِ البحرَ لا يخشى مِنَ الغرقِ”
وكان إلقاء الشاعر أحمد الصويري ختام شعراء الأمسية بمجموعة قصائد تفاعل معها الحضور بدلالاتها ورقة كلماتها وصورها، ومنها قوله:
للآنَ أحفرُني.. وظُلمُكَ يَردمُ
كفّاكَ صحراءٌ.. وقلبي زمزمُ
للآنَ.. غربالٌ يداكَ وإنّني
ماءٌ يمرُّ على الثقوبِ ويندَمُ
للآنَ.. تخذلُنا شبابيكُ القلوبِ
نظنُّها وجهَ الصّباحِ.. وتُظلِمُ
وفي نهاية الأمسية عمد الشاعر الشاعر محمد عبدالله البريكي إلى تكريم الشعراء ومقدمتهم، والتقط معهم صورة تذكارية..
زر الذهاب إلى الأعلى