مقالات

بدائع قرآنية  (1) د. أحمد الزبيدي    –    الإمارات 

د. أحمد الزبيدي

يزخر القرآن من أوله إلى آخره ببديع ‌اللطائف ‌القرآنية، ورفيع المعاني البيانية: فأينما يممت وجهك وجدت ذلك التناسق البديع، والتناسب الرفيع، بين سور القرآن وآياته وكلماته.

 في حلقات  هذه الزاوية نسلط الضوء على شيء من ذلك، مبتدئين بسورة الفاتحة، ومنتهين بسورة الناس، معتمدين    في ذلك على كتب التفسير بأنواعها، لا سيما تفسير “مفاتيح الغيب” للفخر الرازي، وتفسير الكشاف للإمام الزمخشري ومعاجم اللغة، وكتب الأدب، و كتب البلاغة، وكتب المتشابه اللفظي، لا سيما كتاب “دُرة التنزيل وغُرة التأويل” للخطيب الإسكافي،ودواوين الشعر، وغير ذلك من الكتب ذات الصلة القريبة والبعيدة.

                               فاتحة الكتاب

هي؛ السبع المثاني».. ‌سورة ‌الفاتحة، سميت بذلك لأنها تثنى وتعاد في كل ركعة.

قوله تعالى : (الرحمن الرحيم).

جرت عادة العرب في صفات المدح الترقي من الأدنى إلى الأعلى، وقد نزل القرآن بلسانهم، وعلى مقتضى فهمهم.

و‌الرحمن ‌أبلغ  ‌من الرحمة في الوصف من الرحيم، فكيف قدمه!؟

قال الإمام الفخر :” الرَّحْمَنُ: اسْمٌ خَاصٌّ بِاللَّهِ، وَالرَّحِيمُ: يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا: الرَّحْمَنُ أَعْظَمُ: فَلِمَ ذَكَرَ الْأَدْنَى بَعْدَ ذِكْرِ الْأَعْلَى؟.

وَالْجَوَابُ: لِأَنَّ الْكَبِيرَ الْعَظِيمَ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ، حُكِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَهَبَ إِلَى بَعْضِ الْأَكَابِرِ فَقَالَ: جِئْتُكَ لِمُهِمٍّ يَسِيرٍ فَقَالَ: اطْلُبْ لِلْمُهِمِّ الْيَسِيرِ رَجُلًا يَسِيرًا، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: لَوِ اقْتَصَرْتَ عَلَى ذِكْرِ الرَّحْمَنِ لَاحْتَشَمْتَ عَنِّي وَلَتَعَذَّرَ عَلَيْكَ سُؤَالُ الْأُمُورِ الْيَسِيرَةِ، وَلَكِنْ كَمَا عَلِمْتَنِي رَحْمَانًا تَطْلُبُ مِنِّي الْأُمُورَ الْعَظِيمَةَ، فَأَنَا أَيْضًا رَحِيمٌ، فَاطْلُبْ مِنِّي شِرَاكَ نَعْلِكَ وَمِلْحَ قِدْرِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِمُوسَى: «يَا مُوسَى سَلْنِي عَنْ مِلْحِ قِدْرِكَ وَعَلَفِ شَاتِكَ».

وقال أهل اللغة: إنهما بمعنى واحد كنديم وندمان، فعلى هذا لا سؤال، ويمكن أن يكون قدمه لأن الله تعالى اسم خاص به فلا يسمى به غيره، لا مفردًا ولا مضافًا .

 والرحيم؛ يوصف به غيره مفردًا ومضافاً فأخره، والرحمن يوصف به غيره مضافًا ولا يوصف به مفردًا إلى الله تعالى فوسطه تقديمًا للرحمة العامة التي دل عليها اسم الله «الرحمن» على الرحمة الخاصة، التي دل عليها اسم الله الرحيم.

وقال ابن كثير : ” بدأ باسم الله، ووصفه بالرحمن؛ لأنه أخص وأعرف من الرحيم؛ لأن التسمية أولًا إنما تكون بأشرف الأسماء، فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص”.

فإن قيل: كيف قدم العبادة على الإستعانة والإستعانة مقدمة لأن العبد يستعين الله على العبادة فيعينه الله عليها؟

قال العلماء: الواو لا تدل على الترتيب، وقدمت ‌العبادة ‌على ‌الاستعانة؛ لكون الأولى وسيلة إلى الثانية، وتقديم الوسائل سبب لتحصيل المطالب، قال السيوطي :(فيه الإرشاد إلى تقديم الخضوع والتذلل على طلب الحاجة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى