مقالات

“حكاية طائر وحيد” رواية للأطفال د. عمر صوفي

حوار يدفع نحو الحلم ونحو الرحلة واكتشاف المجهول

جماليات النص متعددة والمعاني العميقةبلا مبالغة

 قراءة: د. ثريا عبدالبديع – مصر

إلى أي مدى يمكن لرواية أوحوار محبوك جيدًا أن يدفع نحو الحلم ونحو الرحلة واكتشاف المجهول.. المغامرة دون خوف العواقب ؟!،إلى أي مدى يمكن للرواية أن تكون حافزًا للنشء لارتياد طرق غير مألوفة تعلمه تقبل نتيجة الاختيار ؟!  “حكاية طائر وحيد” رواية للكاتب الدكتور عمر صوفي ابن مدينة الفيوم في مصر، وهي الرواية الفائزة بجائزة “كتارا” العربية، والغلاف للفنان البديع محمد ساسة. الرواية بصدق تفعل ذلك ببساطة وذكاء وحماسة.

  ومع طغيان الميديا والمعلومات وتسارع الحياة وصراعها وانتشار الحروب بين البشر، يأتي الأدب ليطيب خاطر الحلم،  ويدفع النشء نحو شروق الشمس ويأخذه من حال التوتر والصراع والعصبية إلى مناطق الرحابة واتساع الآفاق وبجرأة طائر رحالة.

 الكاتب متحمس للحياة ولمدينته الفيوم و بتلك الكتابة المبهجة يدعو لمدينته وارتيادها كما ترتادها الطيور المهاجرة ومنها طائر الفلامنجو “بطل قصتنا”  الطائر الحكيم الذي تجري على لسانه الحكمة باعتدال وخبرة سنين ترحال عبر إبحار، ومرورًا ببلاد البرد والدفء على حد سواء هو الفيلسوف والمفكر الذي  يبادر بالسعي والاكتشاف، ويدعو متابعيه   وأصدقاءه لارتياد المجهول وعدم الخوف.

 الكاتب وعبر حيلته الذكية والناجحة  واستخدامه للفلامنجو الذي يفهم لغة الإنسان، ويتبادل معه الحوار، وقلما نجحت تلك الحيلة في أعمال أدبية يسافر بنا فيها إلى أماكن لم تطأها قدميك لترى وتستمتع بها، فينقل إليك متعة السفر  والرحلة فتتجول في مدن وقرى محافظة الفيوم وما حولها: بحيرة قارون وقرية  سنورس وشكشوكة وقرية تونس التي  تتميز بجمالها ومواصفات خاصة تجعلها مزارًا سياحيًا ومحط اهتمام وصناعات يدوية مبهرة وأصيلة مميزة لها، و”وادي الريان” و”وادي الحيتان” ومتحف الفيوم   والكاريكاتير، فتحس وكأنك تعيش هناك وتتجول بين الزماني والمكاني والربيع والخريف انتقالًا ثريًا وكاشفًا لكل تفاصيل الحياة البرية والاجتماعية اليومية لسكان تلك الأماكن وأعمالهم  وطرق تفكيرهم.

الرواية أيضًا انشغلت بأسئلة كبرى وأثارت قضايا وأفكارًا تشغل فكر النشء:  ما الوطن ؟ هل هو المكان أم هو فكرة أم  هو ذلك السحر الذي لا يمكن التعبيرعنه  بالكلام

جاءت الرواية في عشرين عنوانًا مشوقًا، فهي تنتقل من فصل لغيره لتاليه في شغف لا ينتهي :

  1. وداعًا أيها الخريف

  2. حيتان في الصحراء

  3. شتاء صعب

  4. الفلامنجو وحيدًا

  5. الفلامنجو والصياد

  6. كل الأوطان جميلة

  7. مريم في البحيرة

  8. يسقط أبو قردان ….إلى آخر الرواية،  ومنها تتبين قوة حضور الطيور في الرواية، فوجود الإنسان هامشي وحياة الطائر البطل الفلامنجو هي الأوضح وفلسفته جلية، ومن خلاله نتعرف إلى عوالم مختلفة:عالم الصحراء التي نظنها قاحلة، لكنها مليئة بالعجائب والأسرار مثال  صحراء مصر الغربية التي ينتمي لها: “وادي الحيتان” و”وادي الريان”،عالم الهجرة وعالم الطيور المليء بالمصاعب أيضًا مثل حياة البشر، وكيف يتعامل الطير مع مصاعب حياته الطبيعية، وكيف يقاوم شدة الصقيع في الشمال وفي بلاد الثلج وقسوة الطبيعة بالهجرة نحو الجنوب لطلب الدفء والغذاء، ويبحث عن ظروف أنسب للحياة، وفي سبيل ذلك يقطع آلاف الأميال تاركا أوطانه، ونفس الظروف التي يلقاها يضطر لها الإنسان في عصر الحروب والصراعات وربما الكوارث الطبيعية، وهنا نجد الحكمة تأتي على لسان الطائر لتخفف من وقع وقسوة الفراق والهجرة وقبول التجربة والنظر إليها بعين الاكتشاف والمغامرة  “لكنها الحياة” كما يقول ويؤمن دومًا طائر الفلامنجو الحكيم، وكيف يتقبل حياته بما فيها من قسوة ويستمتع بالرحلة.

جماليات النص متعددة، فمن جمال اللغة ووقعها ورشاقتها إلى اعتدالها في جلب المعاني العميقة بلا مبالغة والحكمة التي تدور على لسان أبطالها في أوقات متناغمة دون إسراف ولا خطابة :

والمواقف النبيلة أيضًا لتعميق قيم النبل والتسامح: موقف الصياد النبيل من الفلامنجوالمريض، فهو لم يذبحه لأنه ضعيف.. موقف الفلامنجو  من السمكة فهو لم يأكلها حينما كانت على الشاطئ بل ردها للماء.. موقف الفتاة سلمى من الفلامنجوالحكيم بعد صيده حين أطلقوا سراحه.. موقف الأب من ابنته حتى بعد تمردها وهروبها.. موقف الفنانة  السيدة الودود إيفيلين من مريم وإعادتها لأهلها،

ومواقف متنوعة وعديدة  تنضح بالحب والتسامح ، مما يعد الرواية هي الأنسب لدفع التعصب والتطرف، وهي تنتشر الجمل التحفيزية والقوية في الرواية على ألسنة أبطالها الصغار والكبار بما لا يتسع المجال لذكره، وتنتهي الرواية بنهايات محببة ورهيفة ولا تحمل قسوة ولا عنفًا، لكن تلك الشدة التي تورث القوة والصلابة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى