محمد عبد الله البريكي يتوسط الشعراء ومقدمهم بعد تكريمهم من اليمين رغيد جطل و البو ولد محفوظ و مصطفى الحاجي و رعد أمان
الأصوات: مصطفى الحاجي و رعد أمان والبو ولد محفوظ
الشارقة – “البعد المفتوح”:
أحيا الشعراء مصطفى الحاجي من سوريا، ورعد أمان من اليمن، و البو ولد محفوظ من موريتانيا أمسية شعرية في “بيت الشعر” في الشارقة بحضور محمد عبد الله البريكي مدير “بيت الشعر” ضمن نشاط “منتدى الثلاثاء” ، وقدم للأمسية رغيد جطل الذي قدم للأمسية وأدارها وسط تفاعل الحضور ، ومما فاله: “ما أجمل أن يكون للشعر بيت يسكنه فيجتمع فيه كل محب للعربية ويأتيه شعراء من شتى البلاد العربية، فتجد بين جنباته من يتغنى بمحبوبته وآخر يحن إلى وطنه وثالث يغرد بأشجانه فيطرب من حوله، فكل الشكر لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي أنشأ هذا البيت الذي بات منهلاً عذباً للشعر خاصة وللغة العربية عامة، وجهود سموه في المحافظة على اللغة العربية ودعم الثقافة وأهلها لا تخفى على أحد، فسموه لم يألُ جهداً في دعوة النشء ليل نهار لتعلمها والتحدث بها، والشكر موصول لدائرة الثقافة ممثلة بالأستاذ عبدالله العويس ولحارس الشعر الأمين الأستاذ محمد عبد الله البريكي”.
في البداية ألقى الشاعر مصطفى الحاجي مجموعة من قصائده التي واكبها إعجاب الحضور ومنها قصيدة حيا بها الشارقة معربًا عن حبه لها ولحاكمها”
بخطىً مشتتةٍ وأخرى واثقة
ودموعِ متعبةٍ وبسمة عاشقة
من شهقة الشعراء بُحةِ نايهم
من غصةٍ بين القوافي عالقة
من صوت كل المتعبين بفكرهم
من ذكرياتِ البائسين الخانقة
من ظلم جلّادٍ وحدة سوطه
من ذا يلفّ على الزهور مشانقه
من أنّةِ المعنى وكلِّ عذابه
من حزن كل المفردات الصادقة
بعد احتضار الشمس قبل وفاتها
ظهرت تعيد الضوء فينا بارقة
جاءت تلملم ما تبعثر من ندى
وتكون للحرف العريق سرادقه
من شدة الإشراق تعلمُ أنها
وبدون تفكيرٍ تُسمى الشارقة
وفي قصيدة أخرى يمضي الشاعر في رحلة البحث عن الذات وفيها يقول”:
والصبرُ دربيْ وفيضٌ من معاناتي
حزمتُ بيتي وشعري بينَ أمتعتي
ودمعَ أمّي وأحلامي البريئاتِ
حملتُ وجهَ أبي والهمّ يسكنُه
غيابةَ الفقدِ يا أولى الغياباتِ
كلُّ الجراحِ قميصٌ قُدَّ من وجعي
قد عافني الذئبُ من عمقِ الجراحاتِ
يا من تفتِّش ثوبي عن دمٍ كذبٍ
سينطقُ الثوبُ تصديقًا لمأساتي
هذي القوافلُ مرَّتْ فوقَ فاجعتي
فكِدتُ أُسقطُ لولا العزم راياتي
أيقنيتُ ليسَ سوى نفسي ستحملني
مهما تغذَّت على ظهري حمولاتي
نهضتُ منتفضًا كفِّي على كتفي
عكازيَ الحمدُ، وجهُ المجدِ مرآتي
علقتُّ ماضيَّ قنديلاً بذاكرتي
فألهمَ الشمسَ أنْ تسعى لمشكاتي
ويخاطب الشاعر محبويبتنه في قصيدة عاطفية يتقافز فيها من جسده “شريان الأسئلة “:
قرأتُ حسنكِ فوق الغيمِ ترتيلا
فكنتُ ألمحُ في عينيكِ تأويلا
ورحت أنسجُ ملءَ المنتهى (قمرًا)
يداعبُ اللَّيلَ بالأشواقِ… قنديلا
السُّنبلاتُ التي (ناغت) بلا سببٍ
كانت تميبس وكانَ الصَّمتُ .. تهليلا
نزفتُ في سدرةِ الأوجاع محبرةً
جف (الفرات) بها إذ عانق (النِّيلا)
كوني على كتفِ الأيَّامِ “سوسنةً”
لا ااااااا يشبعُ النُّورُ من عينيكِ) تقبيلا”
ما كانَ وجهكِ إلا (آخرُ امرأةٍ)
توشَّحت بشغافِ الطُّهرِ … إكليلا
وشوشتُها بكلامِ الحبِّ ( فابتسمت)
قالت: ” لأجلِكَ .. خبَّأتُ المواويلا “
إنِّي أحبُّكَ مهما طال موعدنا
لن أبرحَ الحبَّ) ما قال الهوى قيلا)
“يااااا أنتَ تقطفُ بوحَ النَّايِ من شفتي
” في”حضرةِ الحزنِ إيماناً و تنزيلا
غرستَ في جسدي (شريان أسئلة)
يُضخُّ من غيهبِ الأقدارِ سجِّيلا
اقرأ كنتابك يكفي أنَّهُ … (قدرٌ)
لم يتركِ القلب حتَّى عادَ مقتولا
وهبتُ أوَّلَ عُنقودٍ …. صفاءَ دمي
و جئتُ أقطِفُةقبلَ النُّضجِ … (أيلولا)
ألقى عصاه و كان الحزنُ .. (منسأةً)
يكابدُ العمر تسويفًا وتأجيلا
يعاتبُ الظل أنَّ الشَّمسَ … تتبعهُ !!
و ما تبدَّلَ ( هذا الظلُّ ).. تبديلا
مسحت من أثر الآمااااال محرمتي
لكنَّها غَسلت (بالشوق) منديلا
روحٌ تعانقُ روحاً في ثرى جسدٍ..
و يقطفانِ ” معاً ” بالحبِّ محصولا
وهكذا تلدُ الآلاااااااااامُ طفلَتها
منَ (السَّنابلِ) جيلاً يتبعُ الجيلا
واعتلى الشاعر رعد أمان المنصة ملقيًا على مسامع الحضور المتلقين بالتتشجيع قصائد منها وطنيته “شعب المعجزات”:
ظمأُ الطموح يفيضُ في أحشائي
ويموجُ مُندفقَ القوى بدمائي
لا الأرضُ تكفيني ولا رحبُ المَدى
فسماءُ غاياتي بلا أمداءِ
وأرى الثريا دون ما أسمو له
أبداً نزوعي للقصيِّ النائي
وإذا استحثَّ المجدُ هِمَّاتِ الورى
أرنو إلى السامينَ من عليائي
بي فورةُ العزمِ العتيدِ وهمَّةٌ
تأبى وتستعصي على الإطفاءِ
أمضي وأستبقُ الرياحَ توثباً
والناعقونَ الناعبونَ ورائي
لا تستقرُّ عزائمي في موضعٍ
إلا إذا وطئَتْ ذُرى الجوزاءِ!
وفي قصيدته “هُنَّ” يرسم بكلماته الشعرية صورة ترفرف بجمالياتها في أجواء النساء:
سحَرَت عيونَكَ فتنةُ الديباجِ
وسَبَت فؤادَكَ ناعماتُ العاجِ
لمَّا رمينَ من اللحاظِ بأسهمٍ
نفاذةٍ .. لم ينجُ منا ناجِ !
صِدنَ القلوبَ فبعضُها متعذِّبٌ
والبعضُ هانٍ في ألذِّ زواجِ
لا تعجبنَّ فإنهنَّ خلائقٌ
جُبلت فجاءت من عجيبِ مزاجِ
فيهِنَّ حُلوٌ طابَ عذبُ المشتهى
وبهِنَّ ما لم يختلِطْ بأجاجِ
أرياقُهُنَّ كواثِرٌ سَلسَالةٌ
تُروي غليلَ أباطحٍ وفِجاجِ
من أصل نبتِ الكَرْم تجري أنهراً
معصورةً من ليِّنِ العِسلاجِ
هُنَّ الثرياتُ اللوامعُ في السَّما
نرقى إليها دونما معراجِ
وكمثلِ أعمدةِ الضياءِ إذا هَمَت
وهّاجةً فينا يُزحنَ دياجي
ويصور الشاعر في قصيدته “الخيال الحزين” حالة من الكرب و”نزف الشكوى”:
خيالٌ كئيبُ الخطوِ أغبرُ ملمحُهْ
دنا ذاتَ ليلٍ والنسيمُ يجرِّحُهْ
شفيفٌ كنبضِ الروح في سكناتِها
ومثلُ خفيتِ الهمس لا شيءَ يشرحُهْ
عليهِ من الكربِ المعاندِ جلمدٌ
ولا أملٌ في الفارجاتِ يزحزحُهْ
وأبطأ مهموماً وأومأ موجَعاً
كأنَّ جيوشاً من كروبٍ تذبِّحُهْ
فلا أنَّ مألوماً ولا آهَ آهةً
كأنَّ الذي يلقاهُ ليس يبرِّحُهْ
وما نزفَ الشكوى ولكنه بكى
فسالت نوافيرُ اللهيبِ تلفِّحُهْ
ويعبر الشاعر البو ولد محفوظ في “أغنية خضراء”عن مشاعره الوجدانية من فرط همها “تكوَّمت في سماء القلب أسئلةُ” و “نبضُ الهجرِ”:
أنثى المشاعرِ تمضِي في تغنُّجها
عمدًا، وأبوابُ كنهِ الوصلِ موصدةُ
للنفسِ فيها خِيَامٌ كلما صرمت
حبل الوصال، تُحيطُ النفسَ زوبعةُ
فيها تكوّمَ نبضُ الهجرِ، وانبجست
منها المآسي، كأن القلبَ ذبذبةُ
قد باتَ يرقبها كالنجم بادية
حضنُ المشاعرِ، والفحوى مؤجلةُ
والقائلون بأن الوصلَ أغنية
خضراء، كالزهر في أفق الهوى نبتوا
وكنت أومن بالأحلام ناقلة
عنها حديثًا شفيفًا كلما سَكتوا
من كثرةِ الهم في أنحاء ذاكرتي
تكوَّمت في سماء القلب أسئلةُ
فيها التجافي، وفيها الوصل، واكتملت
عند اللقاء، ودرب الحب بوصلة
أخالُني أذرع الأيام مملكةً
في لحظةٍ نومُها في ليلها سِنة
فيها استدار مسارُ الحب، واختمرت
أنثى القوافي، وماسَ الليلُ، والتفتُوا
وحدَّ غربلةِ الأحلام قد طويت
كل الجهات، ولم تعبأ بنا جهةُ
لأنها لم تَزل تمضي مسايرةً
هجري، إلى أن تعيد الوصل معجزةُ
وفي “قراءة في سِفر الحلم” يختزل تعبيره عن شخصيته “أنا لغةُ الإنســـــان، رجـعُ حـديـثـها” وفيها يقول:
وحولي أراد الصـمـتُ أن يـتـحـررا
سأكتـب نـبـضَ القلبِ -حين تلوكني
بـوادرُ هـذا الأفـق – وصـفًـا مُـعـبِّـرا
سأســأل جفـنَ العينِ عن سر دمعة
تـخـبـئ مـن طـعــم الـمـرارة أنـهُـرا
سأســـأل هـذا الأفـق عـنـا ومــاله
إلى أيِّ دهـلـيـز سـنـذهـب ما درى؟
وإن غبت في بحر السؤال مُقايضًا
بعمقِ الجواب المستحيـل ليحضُرا
فـذاك إلى الأســرار سُلَّم رحـلـتي
ومكمن سري في الحياة لكي أرى
ليصفرَّ قمـح الحلم أمـسـك منجلا
لـسـنـبـلـة الـحـقـل البعيدة يُشترى
وأُرجـعُ فـأسَ الـهـدم -حين تظلني
مـشـــارفُ أفـق بالـتـيـامُـنِ – للورا
وفي عمه الإنسان في الدرب كلما
تـعـثَّـر تيها من قـمـيـصـيَ أبـصـرا
إلى ألق الحلم المضمخ في الرؤى
سأركب بحرًا في المفاوزِ قد جرى
سأركـبُ آفــاقــا تـطـيـر بـحـلـمـنا
تُترجـمُ للـجـوعى مُضيفتُـها القِرى
أنا لغةُ الإنســـــان، رجـعُ حـديـثـها
وحولي أراد الصـمـتُ أن يـتـحـررا
وهذه “أنثى الضياء البِكر” “تسدل شالها” ويدثرحرف الشاعر “غنجها ودلالها”:
أراودُهـا حُـبـا لِــضـــــــوءٍ ومـالَها
تؤجِّلُ عَـمْـدًا في الدروب اكتمالَها؟
وتصنعُ في برجِ الخيـــــالِ محطةً
تؤثِّثُ منها بالنقيــــــــــضِ رِحالَها
لماذا إلى المعنى القصي ستمتطي
مجازًا؟.. لماذا قد تُعيق احتمالها؟
لَكَمْ بت في أُفْقِ الخيــــالِ أخالُها
معِي.. ولَكَـمْ للـبـعـد عني أحــالَها
بنهرِ المعـــــــانِي لن تظل حبيسة
سَـتـفـتـحُ آفـــــــــاقًا تـمـجُّ زُلالَها
تميــسُ جهاتُ القلب حـدَّ جنونِها
لأنثى الضيـاء البكرِ تُسـدل شالَها
تُضيءُ مجاباتِ الكـــــلام بأسرِها
وتُلقِي على الآفـــاقِ دومًا ظِلالَها
وتلبس من زي الكــــــــلام عباءةً
يُدثِّـر حـرفي غُنجَـــــــــها ودلالَها
تهـزُّ بجـــــذع الروح.. تأكل تمرَها
وترسل في ركْبِ المجـــاز سِلالَها
وتُؤمن بالتفــــــــاح.. تدخل جنةً
تزيد بِخَصْفِ الحـرف منها جمالَها
وهـل ألـق الدنـيـا سـيـعـلـم أنـها
تلامــسُ نــورًا شمسَـها ورِمـالَها؟
وتمتهنُ الحــــدسَ القديـمَ وكلما
بِوادِي الكـلامِ الحبرُ أخصبَ قالَها
وكان ختام الأمسية بفقرة التكريم حيث كرّم الشاعر محمد عبد الله البريكي الشعراء ومقدمهم ملتقطًُا معهم صورة تذكارية.