ما يفعله شكل و رائحة ياسمينة في نفسك النفيسة من نشوة و استمتاع ، هو ما فعله نزار قباني بالشعر العربي ، أخرج نزار اللغة العربية من القبو ، و عرضها لشمس العواطف اللاهبة و هواء الحرية المنعش:
( أعطيتك الحب الذي يكفي لتنوير مدينة)
هذه العبارة الشعرية اللطيفة المقتطفة من البساتين النزارية، تكفي للتدليل على ما أنجزه هذا الشاعر العملاق في الأدب العربي :
( منذ أن كنت في بطن أمي
وأنا أخطط كي تكوني حبيبتي
منذ أن احترفت الرسم بالكلمات
وأنا أقاتل عشيرتي
حتى تسمح لي أن أتمشى معك قليلاً
في شارع الحضارة)
يجد الباحث صعوبة في شرح الإبداع النزاري المشروح ، المدرسة النزارية لها مجموعة من الخصائص أهمها : البساطة ، بساطة السماء الربيعية الزرقاء ، و بساطة الطفل الذي احترف الرسم بالكلمات و قاتل عشيرة كاملة فقط كي يتمشي مع المحبوبة في شارع حضارة لا يلومه على شيء ، و ينظر إلى الحب على أنه فعل حضاري ، لا عار .
بعد أن تخبر أولادك بكل مباشرية أن القدس هي زهرة المدائن ، اقرأ عليهم كيف اختصر نزار قباني تاريخ أقدم مدينة بسطر واحد :
( يا قدس .. يا مدينة تفوح أنبياء
يا أقصر الدروب بين الأرض و السماء)
( تفوح أنبياء ) هذه العبارة توجز فحوى القدس الفواحة ، القدس قبلة الإسلام و قبلة المسيحية و قبلة اليهودية، وهذه هي الخاصية الثانية من خصائص المدرسة النزارية : التكثيف ، أي الإيجاز ، أعني إيراد معانٍ كثيرة عبر مفردات قليلة، و هل البلاغة شيء غير الإيجاز ؟
أما الخاصية الثالثة و الأخيرة التي سنقف عندها، فهي الدقة النزارية في استخدام اللغة العربية:
( كم كان كبيرًا حظي حين عثرت يا عمري عليك)
لقد عثر عليها ، لم يجدها ، الفعل (وجد) للمفقودات الضائعة، بينما الفعل (عثر) يستخدم مع الكنوز ، تقول : (لقد عثرت على كنز) و ليس (لقد وجدت كنزًا)
يكّرم الأنثى أيما تكريم بعبارات راقية رقيقة :
(حظي كبير جدا
لقد عثرت عليك يا كنزي )
نزار قباني نبع نبيل و بحر واسع و محيط عميق.. نزار قباني بسيط و موجز و دقيق.. نزار قباني ياسمينة دمشقية تعربشت على جدارن قلوب ملايين العاشقين بلغة سهلة بسيطة و بإيجاز رائع التفنن و بدقة لغوية أعجزت المختصين و الهواة.