قال العلامة محمود محمد شاكر -رحمه الله – :” إن إنسانية الأنبياء وحدها هي الإنسانية التي أوجب الله على من حضرها من الناس أن يؤمن بها أولًا، ثم يحافظ على رواية سيرتها ثانيًا، ثم يحترس ويتدبر فيما ينقل عنها أو يصف منها، لأن نسبة شيء من الأشياء إليها قد يكون مما يتوهم أحدٌ منه وهمًا يخرج -فيما يُقبل من أمر الدنيا- بحقيقة الرسالة التي أرسلوا بها عن القانون الإلهي الَّذي عَمِلوا به ليحققوا كلمة الله التي تعلو أبدًا، وتُزْهِر دائمًا، وتبقى على امتداد الزمن روح الحياة البشرية وميزان أمر الناس في هذه الدنيا”. (جمهرة المقالات 1 / 4).
الأنبياء في القرآن
حسبُ امرئ مسلم أن يقرأ قول الله عز وجل: ” { وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 179]، وقوله: {لِ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [الحج: 75]، وقوله : {لِ للَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]. وهم القدوة الذين أمر الله بالاقتداء بهم، والتأسي بهديهم، وقال: { أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ } [الأنعام: 90]. حتى يخشع لربّ العالمين، ويسمع ويطيع لنبيّ الدين، فيكفّ غَرْب لسانه، ويشير إليهم ببنانه، وضراوة فكره عن أنبياء الله ورسله، صلوات ربي وسلامه عليهم – ثم يعلم علمًا لا يشوبه شكٍّ ولا ريبةٌ، أن لا سبيل لأحد من البشر، ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، أن يلحق أي نبي درجة، مهما جهد في عبادته، ومهما تورّع في دينه، ومهما أخلص قلبه من خواطر السوء ووساوس الشيطان سرا وعلانية.
وحسبُ امرئ مسلم لله أن يبلغه قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أَنا أَحَقُّ بالشَّكِّ مِنْ إِبْراهيمَ” صحيح. وقَوْلُهُ: “لا تُفَضِّلُوني على يُونُسَ” صحيح.
حتى يسمع لنبيّ الله ويطيعُ.
ولا جرم؛ فهم خيرة خلقه، وصفوة عباده، صرف هممهم إلى مؤانسته، وأجزل حظهم من التلذذ بمشاهدة آلائه، ورّوح أسرارهم بمناجاته، وحقر في قلوبهم متاع الدنيا وزهرتها، حتى اغتبط بعزلته كل من طويت الحجب عن مجاري فكرته، فاستأنس بمطالعة سبحات وجهه تعالى في خلوته، واستوحش بذلك عن الأنس بالأنس وإن كان من أخص خاصته. صلى الله عليهم وسلم.
قصة آدم في القرآن:
ذكر الله سبحانه قصة آدم في عدد من سور القرآن الكريم، مثل؛ البقرة، والأعراف، والحجر، والإسراء، والكهف، وطه.
وهذا التكرار جاء لحكمة بالغة، ومزيد اعتبار، فالقصة حيثما وردت في سورة من سور القرآن، فهي تأتي لتعالج قضية جديدة وتفصح عن مزيد بيان، وتكشف عن جوانب أخرى لم يُتَطرق لها في السور الأخرى.
وقد لفتت ظاهرة التكرار في القرآن؛ عددا من المفسرين، والبلاغيين، والبيانيين؛ ونظروا إليها كأحد وجوه الإعجاز التي اختص بها القرآن فتسابقوا في التأليف والتصنيف. وأفضل من صنف فيه تاج القراء (ت نحو ٥٠٥ هـ)، كتابه ” أسرار التكرار في القرآن، المسمى البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان”، وذكر فيه الآيات المتشابهات التي تكرَّرت في القرآن مع اتفاق وألفاظها متَّفقة، ولكن وقع في بعضها زيادة أو نقصان أو تقديم أو إبدال، كذا شيخ الإسلام ابن تيمية في “رسالة في علوم القرآن”، وعلى صغرها فهي رسالة نفيسة، سعى فيها المؤلف إلى البرهان على أن أي لفظة زائدة لا بد أن تفيد معنى جديدا في القرآن.
ويجبُ أَن نعلم أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام لم يكن نَبيا عِنْدَمَا أكل من الشَّجَرَة، والعصمة لَا تكونُ إلا لنبي، قال تَعَالَى {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وهَدَى} [طه: 122] وَهَذَا عطف ب (ثمَّ) الَّتِي تُعْطِي المهلة، ثمَّ ذكر الاجتباء وهو (النبوة) بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى؛ عِنْدَمَا عدد الْأَنْبِيَاء قَالَ {وَمِمَّنْ هدينَا واجتبينا} يَعْنِي من النَّبِيين، وَقَالَ فِي قصَّة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام بعد قصَّة الْحُوت {فاجتباه ربه}. وعن ابن عباس: رد الله إليه الوحي.
قال الزمخشري: “فإن قلت: ما معنى {ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ}، قلت: ثم قبله بعد التوبة وقرّبه إليه”.
كذلك؛ فإن نَهْيه عَن الشَّجَرَة كَانَ نهي إرشاد لا نهي تكليف، فَإِنَّهُ مَا صَحَّ تَكْلِيفه فِي الْجنَّة، وَلَا صحت نبوته؛ فِي كتاب وَلَا سنة صحيحة.
فإِذا انتفى تَكْلِيفه فِي الْجنَّة، فلا مندوحة أن نخرج الْأَلْفَاظ على مُقْتَضى اللسان العربي، فَإِن الْمعْصِيَة فِي اللِّسَان عدم الِامْتِثَال كَانَت مَقْصُودَة أَو غير مَقْصُودَة، وظلم النَّفس غُبنها وبخسها فِي مَنَافِعهَا؛ لكَونه وضع الْفِعْل فِي غير مَوْضِعه، وَكَذَلِكَ غوى أَدخل على نَفسه الضَّرَر يُقَال غوى الفصيل إِذا رضع فَوق حَده من اللَّبن فبشم- اتَّخَمَ – فعلى هَذِه الْوُجُوه تخرج هَذِه الْأَلْفَاظ.
ولا يشكل علينا استدلال القائل بقَوْله تَعَالَى {فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما}، وَفِي قَوْله {فدلاهما بغرور}، إِلَى غير ذَلِك.
قال ابن خُمَير: تخرج هَذِه الْأَلْفَاظ على جِهَة قصد الشَّيْطَان والتعريض بالوسوسة إِلَيْهِ لَا على قصد الْقبُول من آدم عَلَيْهِ السَّلَام لوسوسته وخدعه، فَإِن الشَّيْطَان قد يوسوس إِلَى الْأَنْبِيَاء وَلَكِن لَا يقبلُونَ مِنْهُ قَالَ تَعَالَى لنبينا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه}.