أخبار

“ملتقى الشارقة للسرد” يختتم فعاليات دورته (20) في تونس

مناقشة تاريخ ومستجدات القصة التونسية القصيرة

عبد الله العويس و محمد إبراهيم القصير ا وجميلة الماجري و جمع من النقاد والأكاديميين والباحثين

مشاركون: الشارقة قلب الثقافة العربية النابض

 سيدي بوسعيد- تونس    –    “البعد المفتوح”:

اختتم” ملتقى الشارقة للسرد” الذي تنظمه دائرة الثقافة في الشارقة فعاليات دورته العشرين  في الجمهورية التونسية على مدى يومين، تحت عنوان “القصة القصيرة الجديدة: تحوّلات الشكل والبناء”، وشهدت مشاركة أكثر من 50 مبدعاً من روائيين وقاصّين وأكاديميين ونقّاد تونسيين.

يأتي الملتقى تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ويركز على المجال النقدي في السرد بكافة أنواعه الإبداعية، وقد أقيم حفل ختام الملتقى في” قصر النجمة الزهراء” في “سيدي بوسعيد” في العاصمة تونس، بحضور سعادة عبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، والاستاذ محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة، وجميلة الماجري مديرة بيت شعر القيروان، وعدد كبير من النقاد والأكاديميين والباحثين والمتخصصين في مجال السرد.

وشهد اليوم الختامي الحديث عن المحورين الثالث والرابع، إضافة إلى جلسة شهادات قدّمها مجموعة من المبدعين التونسيين.

“المحور الثالث”

حمل المحور الثالث عنوان “التحولات وأثرها في فنيات القصة القصيرة الجديدة، وتحدث بها: د. مصطفى الكيلاني، ود. سماح حمدي، وبشير الجلجلي، فيما قام بترأس الجلية سمير بن علي.

ووقفت ورقة د. سماح حمدي “القصة التونسية القصيرة ومسار تحوّلات الشكل والبناء”، على أهمّ ما يميّز سيرة القصة التونسيّة منذ نشأتها في بداية القرن الماضي إلى الآن، ولفتت أن القصة عاشت، في تكوّنها الإبداعي، أربع مراحل كبرى هي: النشأة الأولى، واللحظة الدوعاجية، والنضج الكتابي، والثورة القصصية، وأشارت إلى أن كلّ مرحلة من هذه المراحل ظلّت القصة لصيقة بواقعها ومتفاعلة مع معيش الناس، تُعبّر عن أحلامهم وتكتب أحلامها، وتسعى إلى إنارة السبل أمام هؤلاء ليقفوا على حقائق أيامهم.

وقالت د. سماح حمدي :”وفي خلال كلّ ذلك لم ترض كثيرًا بحالها، إذْ سعت مع الدوعاجي ومع كتّابها الجُدُدِ، وخاصّة منهم عيسى جابلي، إلى تجديد أسلوبها، وتحرير لغتها، والتجرّؤِ على تفكيك ما لا تراه العين -أو هي تراه ولا تعبأ به- ويلتقطه الذّهنُ. وهو أمرٌ جعلها تعيش اليوم مغامرة في الكتابة ومغامرة في الحياة، بل قل هي الآن تعيش مغامرة في الحياة بالكتابة”.

وفي بحثه المعنون بـ”جماليَّة السرد بالمختصر والوامض، استدلالا بنماذج أُقصوصيَّة عربيَّة. ” أشار مصطفى الكيلاني إلى أن السرد العربيّ الحديث والمعاصر، بالمحصَّل، هو سرد تجريبي عند البدايات الأولى، وهو التجريبييّ إلى اليوم، لذا نراه غير مستقرّ على صفة أو صفات أُسلوبيَّة، وإذا أبنيته منفتحة، وهي أقرب إلى التشكُّل الدائم، إلى التبنين، وأضاف: “كما خلطت الذائقة الأَدبيَّة العربيَّة، عند بدء تقبُّل السرد الحديث، بين الرواية والقصَّة القصيرة والمسْرحيَّة، وفي طوْر الاقتباس تحديدا، استمرَّ هذا الجمع المُداخل بين أَلْوان كتابة السرد الحديث إلى الَيوم في أَدبنا العربيّ. كما شهدت الأَدبيَّة العربيَّة الحديثة والمعاصرة نشأة القصَّة القَصيرة بالصحف قبل تبلور شكل الرواية، أو هي الرواية عبْر مسارها التراكميّ لا يتمايز وجودها الأَدبي بالوضوح الكامل عن الوجود الأُقصوِصيّ. وكذا الحال في الأَدب التونسيّ، بالمُماثل لتجارب الكتابة الأَدبيَّة الحديثة والمعاصرة، عند ظهور أَقاصيص عليّ الدوعاجي ومحمّد العريبي، على سبيل المثال، قبل الرواية بأَكثر من عقدين، وتحديدا في أربعينات القرن الماضي وخمسيناته”.

وطرح البشير الجلجلي ورقة بعنوان “زمن الأزمة في الأقصوصة التّونسيّة المعاصرة (بين أزمة الواقع و بين أزمة التجنيس)”، مشيرا إلى أن دراسة موضوع زمن الأزمة في الأقصوصة التونسيّة هو مشروع بدأه النقاد منذ زمن دراسةً للمتون القصصيّة وكيفيّة تشكّل بنيتها وفق التعاقب حينا والقطع أحيانا والتجاوز في أحايين كثيرة خاصّة عند دراسة علاقة البنية بالمضمون والدلالة.

وخالف البشير الجلجلي “تودوروف” في اعتقاده أنّ الأجناس الأدبيّة الجديدة هي تحويل لجنس أو عدّة أجناس كثيرة،خاصّة ما اتصل بجنس القصة القصيرة جدّا الذي يعتقد الكثير من النقّاد أنّه تطوّر عن الأقصوصة.

وبيّن الجلجلي في مداخلته أنّ جنس الأقصوصة مكتف بذاته مخلوق من ذاته. و إنّ قول تودوروف الذي أشار إليه سابقًا إجابة على سؤال من أين تأتي الأجناس؟ هو الذي خلق أزمة التجنيس القصصيّ. قائلاً: “فأغلب الرأي أنّ الأقصوصة التي هي جنس حادث في الثقافة العربيّة قد تطوّرت عن الأمثولة والخبر والنادرة والحال أنّ الظروف الاجتماعيّة والتاريخيّة بين هذه الأجناس  وبين الأقصوصة تختلف حدّ التباين، علمًا أنّ الأقصوصة لم تبتنِ بعدُ بنية مثاليّة كالرواية رغم الوحدات الثلاث التي اتفق عليها الكثير”.

“المحور الرابع”

“التقنيات السردية في القصة الجديدة وتداخل الأجناس الأدبية والفنية” كانت عنوان المحور الرابع ، وتحدث فيها كل من  د. رياض خليف، ود. توفيق العلوي، ود. أحمد الودرني، وترأس الجلسة د. منصف الوهايبي.

انطلقت ورقة د. توفيق العلوي من عنوان لافت هو “القصّة التونسيّة القصيرة: القفْلة في البناء السرديّ والتمرّد الأجناسيّ”، مشيرا إلى أن القفلة الفجائيّة في القصّة القصيرة تمثّل في المدوّنة المعتمدة، وقد يكون في غيرها، منتهى الغاية، وتقنية سرديّة متحكّمة في البناء السرديّ منذ بداية أحداث القصّة، موضحا أن ما يسبق القفلة من أحداث إنّما ذو وظيفة تمويهيّة، توجّهه حيثما تريد، وتجعله في “مهبّ السرد”. وهو بناء منطقيّ تطلّبه القفلة الفجائيّة وإن اختلفت أنواعها.

     وقال: “لئن ساهمت القفلة في القصّة القصيرة الواحدة في البناء السرديّ، فإنّ مجموع القفلات في المجموعة الواحدة كما في مجموعة الكرّوسة سمة شبيهة باللازمة في الشعر، يتعوّد بها القارئ، وينتظرها وقد فطن بأنّها تقنية سرديّة ثابتة، يحدس النهاية، ويخمّن خاتمة الأحداث ليصبح بدوره صانعا للقفلة سواء طابقت قفلة القصّة أم لم تطابق”.

“حملت ورقة الأكاديمي د. أحمد الودرني عنوان “البنية السَّرديَّة في القصَّة القصيرة التُّونسيَّة من خلال أنموذج: المجموعة القصصيَّة للقصّاص التوني سالم دمدوم”، مسلطاً الضوء على بعض الإضاءات التاريخيّة أو المصطلحيّة على هذا الجنس من الخطاب القصصي على وجه التحديد، وقال إن ميزة القصّة القصيرة تتجلى في خصائصِ بنائها حكايةً وخطابًا: من حيث المكان والزمان والبناء الدّرامي للشخص القصصي والأسلوب القَصصيّ . متسائلا كيف تجلتْ هذه الخصائص من خلال اجموعة القصصيّة للقَصّاص التونسي سالم دمدوم.

“شهادات”

استعاد عدد من القاصّين والقاصات تجارب حياتهم مع كتابة القصة، فكان الجمهور على موعد مع مجموعة من المبدعين الذين أدلوا بمراحل مهمة في مسيرتهم الكتابية، مؤكدين أن القصة هي استدعاء للداخل حيث الذات الإنسانية.

شارك في جلسة الشهادات: شريفة بدري، وعمر السعيدي، ويوسف عبد العاطي، وسفيان التومي، فيما أدار الجلسة  لطفي الشابي.

“قلب الثقافة النابض”

يؤكد مشاركون في ملتقى السرد أن الشارقة الثقافة العربية النابض، وأن الفعل الثقافي الصادر عن الشارقة يكاد لا يتوقف في كافة الحقول الإبداعية، ويمتد وصولاً إلى الاعتناء بالكتّاب على المستويين المعنوي والمادي، ويلفتون أن تونس تشهد للمرة الأولى ملتقى يناقش تاريخ ومستجدات القصة القصيرة في تونس، الأمر الذي منحهم فرصة التلاقي والتجمع لأول مرة.

ويرى الباحث والقاص محمد المي أن الفعل الثقافي الصادر عن الشارقة يكاد لا يتوقف في كافة الحقول الإبداعية، ويلفت أن العمل يمتد وصولاً إلى الاعتناء بالكتّاب على المستويين المعنوي والمادي، ويشير إلى أن ما تتيحه الشارقة للثقافة، وهو الأمر الذي قلَّ نظيره، يحفّز المبدع العربي للمضي قدماً في مشروعه الإبداعي، ويبرز أن الشارقة عاصمة دائمة للثقافة العربية، وإن توقف الفعل الثقافي في الوطن العربي إحياناً، فإن الشارقة سرعان ما تعيد له الروح.

ويؤكد محمد المي أن أهمية ملتقى الشارقة للسرد تتجلى في إتاحته للمثقفين التونسيين فرصة هي الأولى من نوعها للتجمّع في مكان واحد، ويعتبر أن القصة القصيرة التونسية ستخرج من محليتها نحو العالم، ويؤكد أنها إحدى علامات الملتقى الذي سيترك أثراً كبيراً في المشهد الثقافي التونسي.

وتتحدث د. سماح حمدي بقولها: “عندما تلقّيت دعوة من دائرة الثقافة بالشارقة للمشاركة في ملتقى الشارقة للسرد وعلمت أنه سيلتئم في تونس، انتابني شعور بالفرح والفخر معًا، فالملتقى هذا العام يحتفل بدورته العشرين ، ونعلم ما لهذا الرقم من دلالات فهو عنوان الشباب بما يعنيه من نشاط واشتداد عود وعطاء، لقد أصبح الملتقى إذن تقليدًا ثقافيًا راسخًا ينتظره جمهور السرد من مبدعين ونقّاد ومثقفين ومتابعين  لمواكبة فعالياته والاستفادة من محاضرات المشاركين فيه”.

وتضيف د. سماح حمدي: “وأما الفخر، فمبعثه اختيار دائرة الثقافة لبلادي لتكون مكانا لانعقاده خصوصا وأن هذا يحدث للمرة الأولى. إننا -الحاضرين في هذا الحدث الثقافي الكبير- ممتنّون للشارقة، قلب الثقافة العربية النابض، التي ما انفكت تفتح ذراعيها لاحتضان المثقفين والمبدعين، وتمدّ يديها لرعاية الموهوبين، وتقف صامدة من أجل تعزيز عرى الأخوة بين العرب و الحفاظ على مقومات هويتنا العربيّة. شكرا للشارقة. شكرا لحاكمها صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وسموّه أسس لنا خيمة للثقافة يلوذ بها المثقفون من شتى الاختصاصات”.

ويشير الناقد والشاعر المنصف الوهايبي إلى أن أهم ما في ملتقى الشارقة للسرد، أنه يستشرف أفقاً جديداً، ويعتقد أن المستقبل قد يكون للقصة، ويؤكد أن المداخلات مهمة جدًا لأنها تحمل جانبًا توثيقيًا، أضاء للمتابع القصة القصيرة في تونس في التاريخ طوال مئة سنة.

ويرى الوهايبي أن إعادة الاعتبار للعمل الثقافي يساهم في بناء المجتمعات وقد فعلت ذلك الشارقة، ويتابع “إن العمل الثقافي يحمينا نحن العرب”،  ويشير إلى أن من يتأمل في العالم  سيرى كيف أن الهم الثقافي هو البارز لديهم، ويؤكد أن ما تقوم به الشارقة يضيء لنا الطريق.

ويعتبر الشاعر والكاتب لطفي الشابي أن الملتقى مذاكرة أفادت النقاد فيما بينهم، بما اقترحوه من مداخل للتعامل مع القصة القصيرة التونسية في المجالات الكتابية، وكذلك للكتّاب المشاركين الذين حضروا واستفادوا من طرائق جعل القصة أكثر حداثة.

ويؤكد لطفي  الشابي أن الشارقة أصبحت علامة ثقافية عربية فارقة، ويشير إلى أن هذا ما يجب أن تعتمده كل الحواضر العربية إذا أردات أن ترتقي بالانسان، ويقول :”نحن محظوظون بإن في الشارقة حاكماً يؤمن بالثقافة والفن، ورعاية سموّه للشأن الثقافي في أكثر من بلد عربي تستحق الشكر”.

وتوجهت القاصة شريفة بدري في بداية حديثها بالشكر للشارقة، قائلة: “أتوجه بالشكر للشارقة وهي تخطُّ اسمها بحروفٍ من ذهبٍ في المشهد الثقافي العربي، وأشكرها شكر خاص لأنها احتفت بي شاعرة حيث احتضنني بيت شعر القيروان، وكذلك اكتشفتني الشارقة كاتبة أدب أطفال، حينما فزت في جائزة الشارقة للإبداع العربي- الإصدار الأول، المركز الثاني في فرع أدب الطفل، فتحية شكر وتقدير”.

ويلفت د. المعز الوهايبي إلى أن الشارقة تقوم بدور ريادي في رعاية الثقافة العربية بمختلف أجناسها، وكذلك رعاية الفنون وهي نوع من الموسوعية في الريادة التي تقوم بها،ة ويرى أن الملتقى سمح للمثقفين التونسيين بالإنصات، لأول مرة، إلى تحليل القصة القصيرة في تونس، والتشريح المباشر على صعيد النقد الأدبي المباشر، وعلى صعيد المقاربات التي تعود إلى العلوم الإنسانية، وعلى الصعيد التاريخي، ويؤكد أن الملتقى قدّم بصفة إجمالية نوع من التغطية الشاملة والمتعددة للنص القصصي الذي يُكتب في تونس.

و يعَقِّب الباحث والأكاديمي التونسي، بقوله: “لم يحصل أن استمعت إلى ملتقى يهتم بالقصة القصيرة في تونس على نحو ما استمعت إليه في هذين اليومين لأخيرين”.

وتؤكد القاصة آمال مختار أنه لأول مرة يجري تجميع النقّاد والكتّاب في ملتقى واحد يناقش الجانب النقدي للقصة التونسية، الأمر الذي سيساهم في تعزيز حضور القصة على المستوى المحلي والعربي لما للملتقى من أهمية عربية، وتشيد بجهود الشارقة ودائرة الثقافة في الشارقة على ما تقدمه من خدمة كبيرة للثقافة العربية، وهي في أمس الحاجة إليها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى