د. مريم الهاشمي و فتحية النمر و د. هند المشموم
الشارقة – “البعد المفتوح”:
“إن تاريخ المرأة في الثقافة العربية شهد تجاهلاً وإغفالاً تؤكده متون الأدب العربي القديم، وإن مثل هذا التجاهل قد شهدته أيضا الثقافات العربية القديمة والحديثة، وهذا مايثبته تاريخ الحركات النسوية ونضالها الطويل ضد مظاهر القمع الموجه ضد النساء، بل إن المفكرات الليبراليات أوضحن أن مرجع مظاهر التمييز والقمع قائم على أساس عادات وتقاليد راسخة في الثقافة الغربية الذكورية، ويستحيل على النساء تجاوزها”
جاء ذلك في الجلسة الختامية لملتقى الشارقة الثقافي “يازمان الوصل” الذي نظمه المكتب الثقافي في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة من 15 أكتوبر 2024 حتى 20 من الشهر ذاته
تضمنت فعاليات الملتقى جلسات حوارية بعناوين مختلفة ولقاءات وأمسيات شعرية نالت كلها استحساناً كبيراً من الحضور، وكان يوم الافتتاح بمركز جواهر للمناسبات والمؤتمرات، والختامي في “نادي سيدات الشارقة” مخصصاُ للنساء فقط، بحضور الشيخة عائشة بنت محمد القاسمي،وجمع من سيدات المجتمع والمهتمات بتاريخ الأندلس، وبمشاركة د. مريم الهاشمي دكتوراه أدب ونقد من جامعة الوصل، ود.هند المشموم دكتوراه في اللغة العربية وآدابها تخصص أدب ونقد.
استهلت إدارة الجلسة الأديبة الروائية فتحية النمر باستعراض محاور الجلسة النقاشية و أهمها “المرأة والنقد قديماً – المرأة والنقد حديثاً- المرأة وتداخل الأجناس الأدبية ..وغيرها”، وقالت فتحية النمر في تساؤلها عن المحور الأول: هناك علامات تعكس مكانة الأمم والمجتمعات من حيث التطور أو العكس ، من أهمها مكانة المرأة فيها، ومما قالته : “المرأة العربية في المجتمع الأندلسي كانت في أزهى عصورها، كانت أكثر تطورًا وجرأة من المرأة في المشرق العربي، لذا فقد برزت عالمة وشاعرة وناقدة وموسيقية ومغنية..وغيرها”.
المرأة والنقد
د. مريم الهاشمي تناولت في حديثها النظرة التاريخية في شأن المرأة والنقد وقالت: حين نتحدث عن المرأة والنقد، ننا “إننا نتحدث بطبيعة الحال عن المرأة والأدب -المرأة والشعر- المرأة والسياسة- المرأة والحرية- المرأة والآخر أو موضوع النسوية”، وأضافت: “واليوم تعيش معظم المجتمعات النسائية مرحلة مابعد الحداثة أو أننا تجاوزنا الحداثة، وهي المرحلة التي سقطت فيها الأنساق الفكرية والأيديولوجية، أو ما يطلق عليها السرديات الكبرى، والتي اختفت في الثنائيات الافتراضية الأساسية التي بشرت بها الحداثة.. (الذات والموضوع)، و(الأنا والعالم)، (الذكر والأنثى)، ومفهوم النسوية شاع ليركز على وضع المرأة، وهي رؤية اقتصادية وثقافية وفلسفية.
وذكرت د. مريم الهاشمي: ” النقد العربي الحديث قد أسهم في تكريس أبوته النقدية على الخطاب النقدي النسائي، ولكن لو نظرنا إلى أقدم نظرية أنثوية في الأدب النسائي، فإننا سنجدها تعود إلى ملحمة كلكامش العراقية التي ولدت فكرة دور المرأة في الحياة من خلال اسطورة إخراج أنكيدو من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان، ولم تبدأ الحركة النسوية من أوربا وإنما من الأساطير اليونانية التي تناقلها المؤرخون”.
الكتابة النسوية
د. مريم الهاشمي أشارت إلى أن “الكتابة النسوية بكل أشكالها ومنها النقد، فنعني ما تحمله هذه المدونة المكتوبة من عطاء إبداعي ودورها من القضايا التي تطرحها، وانفتاح اللغة الأدبية التي توظفها المرأة المبدعة على خاصية التجربة النسوية، و استدركت: “إلا أن العقلاء يدركون أن لا قيمة لهذا المصطلح لأن النص الأدبي بناء فني ينهض استناداً إلى الموهبة والخبرة والمعرفة والقدرة اللغوية، وليس لجنس الكاتب أو كاتبته، واستشهد أنصار هذا الرأي بما قاله النابغة الذبياني للخنساء.
وتطرقت الهاشمي إلى مفهوم النقد وأدوات ممارسته في أروقة الجامعات والمعاهد، ما جعلها عل اطلاع جيد في معظم الآثار النقدية الغربية بفعل حركة الترجمة.
الناقدات المعاصرات
استعرضت د. مريم الهاشمي بعد ذلك أبرز الأسماء النسائية في الحركة النقدية المعاصرة: نازك الملائكة – رضوى عاشور – ريتا عوض – يمنى العيد – أمينة عدوان – نبيلة إبراهيم – بشرى الخطيب – هند حسين طه ، وغيرهن من الأسماء في كل الأقطار العربية وخاصة في المشرق.
التجارب النسوية
تناولت د. هند المشموم في حديثها تحت عنوان (المرأة وتجربة النقد قديماً وحديثاً) الجانب التاريخي في مرحلة الستينات والسبعينات من القرن العشرين والمعتمد على حركة تحرير المرأة التي طالبت بحقوقها المشروعة مع الرجل بالمساواة والحرية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومن هذا الجانب وقفت على تاريخ الأوساط الأدبية النسائية فترة ماقبل الإسلام بدءاً بالعصر الجاهلي حين احتكم شاعران لإمرأة في شعر التفضيل في الشعر امرؤ القيس وعلقمة بن عبده الفحل فحكمت بينهما أم جندب ولعل سوق عكاظ أحفل المجامع الأدبية، فقد برزت شخصية الخنساء التي وقفت في سوق عكاظ في مكة المكرمة مروراً بالعصر الإسلامي، نجد أن الإسلام مهد لها أن تتبوأ مكانة عالية ورفيعة، وزوجات الرسول صلى ًالله عليه وسلم، خير من يستشهد بهن، روي عن عائشة رضي الله عنها: “الشعر كلام فيه الحسن وفيه القبيح، فخذ الحسن، واترك القبيح”، و”يمكننا أن نعرج على العصر الأموي، حيث لقيت المرأة مكانة مرموقة انعكست في نشاطها الأدبي والفني، وخير من يمثل ذلك سكينة بنت الحارث حين أقامت مجلس أدبي في منزلها في أواخر القرن التاسع عشر، لم تكن الوحيدة لكنها الأبرز”.
العصر الحديث
وأوضحت د.هند المشموم أن “في العصر الأندلسي شاع دور المرأة في القرن الحادي عشر مثل ولَّادة بنت المستكفي صاحبة صالون أدبي يسبق تلك الصالونات التي كانت أديبات فرنسا وكواكبها الاجتماعية والأدبية اللامعة يفدن إليه، وكان صالون ولّادة في قرطبة مركز جذب الأدباء والساسة يتنافسون على حبها. امتازت ولّادة بالبلاغة والفصاحة، و كانت من رواد الحركة النسوية قبل أن يشيع استخدام هذا المصطلح، وأثبتت المرأة دورها في العصر الأندلسي بقدرة على قول الشعر في عصر الملوك والطوائف، فقد تحولت بيوت بعضهن إلى أندية تجمع رجال العلم والأدب”.
زر الذهاب إلى الأعلى