نذكر في هذا المقال عددًا من الأمثلة التي ذكرها الزمخشري في تفسيره وأطلق عليها ” بدع التفاسير”، ولم نقصد إلى عدها وإحصائها، وإنما أردنا فقط التمثيل، ومن أراد الاستزادة فعليه بكتاب “الكشاف” فإنه له كشاف.
أَلَمْ تَرَ: تقرير لمن سمع بقصتهم من أهل الكتاب وأخبار الأوّلين، وتعجيب من شأنهم. ويجوز أن يخاطب به من لم ير ولم يسمع، لأنّ هذا الكلام جرى مجرى المثل في معنى التعجيب.
رُوي أنّ أهل داوردان قرية قبل واسط وقع فيهم الطاعون فخرجوا هاربين، فأماتهم اللَّه ثم أحياهم ليعتبروا ويعلموا أنه لا مفرّ من حكم اللَّه وقضائه.
وقيل: مرّ عليهم “حزقيل” بعد زمان طويل وقد عريت عظامهم، وتفرّقت أوصالهم، فلوى شدقه وأصابعه تعجبًا مما رأى، فأوحى الله إليه: ناد فيهم أن قوموا بإذن اللَّه، فنادى، فنظر إليهم قيامًا يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت.
وقيل: هم قوم من بنى إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد فهربوا حذرًا من الموت، فأماتهم اللَّه ثمانية أيام ثم أحياهم وَهُمْ أُلُوفٌ فيه دليل على الألوف الكثيرة، واختلف في ذلك، فقيل عشرة، وقيل ثلاثون، وقيل سبعون. ومن بدع التفاسير (أُلُوفٌ) متألفون، جمع آلف كقاعد وقعود.
قال الطبري: “يقول تعالى ذكره: وما عظَّم الله حقّ عظمته، هؤلاء المشركون بالله “.
والطيُّ: ضد النشر. بيمينه: بقدرته، أو هي صفة لله مع التنزيه والتفويض. والمقصود سعة قدرة الله تعالى، وأن الأمور العظام كالسموات والأرض لا يعييه طيها وقبضها.
قال الزمخشري: “ومن بدع التفاسير : مطويات بيمينه مفنيات بقسمه، لأنه أقسم أن يفنيها، ومن اشتم رائحة من علمنا هذا فليعرض عليه هذا التأويل ليتلهى بالتعجب منه ومن قائله، ثم يبكى حمية لكلام الله المعجز بفصاحته، وما منى به من أمثاله، وأثقل منه على الروح، وأصدع للكبد تدوين العلماء قوله، واستحسانهم له، وحكايته على فروع المنابر، واستجلاب الاهتزاز به من السامعين”.
وهم أربعة وعشرون: “آدم، وإدريس، ونوح ،وهود، وصالح ،وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وهارون ، وشعيب، وأيوب، وإلياس، والبسع، وذو الكفل، وداود، وسليمان، وزكريا، ويحيى، وعيسى، ويونس عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام “
{وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ }، وهم كثيرون، وعند ابن حبان (361) وغيره؛ بسند ضعيف أن أبا ذر سأل رسول الله، كم الأنبياء؟ قال “مئة ألف وعشرون ألفا” قلت: يا رسول الله، كم الرسل من ذلك؟ قال: “ثلاث مئة وثلاثة عشر جَمّاً غفيرا” .
أخرجه الطبري والطبراني في الأوسط وابن مردويه من رواية جابر الجعفي-وهو ضعيف- عن على رضى الله عنه في قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } قال أرسل الله عبدا حبشيا، فهو الذي لم نقصص عليك». قال الزمخشري : وهذا من بدع التفاسير.
قال الزمخشري: ” والخطاب للإنسان في قوله وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ على طريق الالتفات. أو إلى الحق والخطاب للفاجر تَحِيدُ تنفر وتهرب. وعن بعضهم: أنه سأل زيد بن أسلم عن ذلك فقال: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكاه لصالح بن كيسان فقال: والله ما سنّ عالية ولا لسان فصيح ولا معرفة بكلام العرب، هو للكافر”. ثم قال : هذا من بدع التفاسير.
تتحدى الآية الكريمة الثقلين أن ينفذوا ويخرجوا من حدود السموات والأرض إن استطاعوا، لأنهم لا يستطيعون ذلك إلا بقوة وهم يفتقدونها.
ومن بدع التفاسير قول بعض المعاصرين أن السلطان المقصود به في هذه الآية هو سلطان العلم، واغرب بعضهم فقال: السلطان هو سفن الفضاء، وبعضهم أبعد النجعة فقال: ان السلطان هو اسم رجل الفضاء الذي كان في مركبة الفضاء.
وهذا فوق أنه من بدع التفاسير فهو تفسير منحرف بل هو تحريف للقرآن، لآن الآية تقول: {إن استطعتم) وهي تفيد التحدي والتعجيز، وكلمة(أقطار) يفيد مجاوزة السموات والأرض والخروج منها.
ومع أن الزمخشري -رحمه الله- ذكر في تفسيره (19) مثالًا على بدع التفاسير، إلا أنه رحمه الله وغفر له خالف قاعدته ووقع فيما نهى عنه، ونحن إذا شاء الله في الجزء الثالث من هذه السلسلة سنذكر ما تُعقب به رحمه الله من المفسرين الآخرين.
السلام عليكم دكتور أحمد.
جزاك كل خير على التوضيحات عسى الكل يستفيد منها.
سلمت يمناك دكتور
تفسير سلس ورائع
جهودكم مباركة باذن الله