أخبار

أمسية نابضة بالحيوية والرؤى في “بيت الشعر” بالشارقة

محمد عبدالله البريكي يتوسط المشاركين بعد تكريمهم من اليمين علي النهام و علي مي و هناء الشاوي و محمد المامي

جانب من الحضور

الشارقة    –    “البعد المفتوح”:

الشعراء علي مي (فلسطين) و د. محمد المامي (موريتانيا) و علي النهام (البحرين) كانوا شعراء أمسية نبضت بالحيوية والرؤى نظمها “بيت الشعر” في الشارقة الثلاثاء 2 سبتمبر / أيلول 2025 بحضور الشاعر محمد عبد الله البريكي مدير “بيت الشعر” في الشارقة وجمع من الشعراء والأدباء والفنانين ومحبي الشعر ، وقدمت للأمسية و أدارتها هناء الشاوي (سوريا)، حيث رفعت الشكر لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة لرعايته منابر الإبداع، ومنها “بيت الشعر”، مرحبة بالحضور ومعرِّفة بالشعراء.

افتتح الإلقاء الشاعر علي النهام بقصائد تفيض بالعبارات الشعرية وتنم عن تمكن . قال في فصيدته “ذاكرة القرابين” التي يرى فيعا احنمالاته “بلا فرح … وغيمةُ العيدِ بالأحزانِ تُروينا”:

إنّي أرى واستحالَ الكونُ سكينا

خانتكَ رؤياكَ أمْ خنتَ القرابينا

إنّي أرى واحتمالاتي بلا فرحٍ

وغيمةُ العيدِ بالأحزانِ تُروينا

إنّي أرى واصطفافُ الموتِ في شفتي

يوزعُ الحزنَ في الأضحى فساتينا

إنّي أرى واستحالَ الطفلُ أضحيةً

ومؤمنًا جئتُ أجترُّ  البراهينا

أمدُّ للطفلِ أمرَ الله مرتبكًا

يمدُّ صبرًا يزيدُ القلبَ تحصينا

يا شيخَ قلبي أراكَ الآنَ محتشدًا

بالحزنِ تتلو على نبضي السكاكينا

أراكَ من قلقٍ تمضي إلى قلقٍ

وثورةُ الخوفِ تجتاحُ الشرايينا

أرى بعينيكَ ألعابي وأسئلتي

وحزنَ أمي إذا ضمَّتْ أسامينا

أرى المآتمَ – وابيضَّتْ – ولا رسلٌ

ولا قميصٌ ولا ريحٌ فتنجينا

أرى اتساعَكَ مكتظًّا بأجوبتي

أرى خسوفًا يحيلُ العيدَ سجيّنا

تسيلُ عيناكَ والأعيادُ يابسةٌ

وطفلُكَ الماءُ ما خانَ البساتينا

تسيلُ عيناكَ والأحلامُ ذابلةٌ

ولليتامى تُربّي الدمعَ زيتونا

تسيلُ عيناكَ والتهليلُ مختنقٌ

وشهقةُ الضوءِ نبكيها وتبكينا

تسيلُ عيناكَ .. هل في العينِ متسعٌ

لطفلِكَ الـ قالَ بعدَ الوحي آمينا؟

أبي لماذا أراكَ الآنَ مرتعشًا

ودمعُكَ الجمرُ  يغتالُ الندى فينا

إنْ قالَ ربُّكَ قمْ فالعيدُ موعدُنا

هذا دمي فاصبغِ الأحلامَ والطينا

لكنه اللهُ يبني في الرؤى وطنًا

ويمنحُ الصابرَ الإنسانَ تمكينا

جاءَ الفداءُ وكفُّ اللهِ ترسلُه

من السماءِ لقلبِ الأرضِ تطمينا

فاخضرتِ الأرضُ بالأفراحِ واحتفلت

بمولدِ العيدِ أحلامُ المحبينا

وفي “الرحلة الأخيرة” يسافر متسائلًا: ” من يوقظُ الطفلَ في روحي التي هرمت”:

مزمّلاً بالصلاةِ البكرِ يا أبتي

موشّحا بقيامِ الليلِ والصِلَةِ

تسافرُ الآنَ بالأقمارِ محتشدا

ووحدهُ الليلُ متروكٌ على جهتي

تسافرُ الآن – ما في الآنَ من أحدٍ

أعدْ ليَ الريحَ كي تحيا بها رئتي

أعدْ ليَ الأمسَ  كي تزهو مواسمُنا

فتنبتَ الضَحكةُ الحيرى على شفتي

أعدْ إليّ حكاياتي التي يَبِسَتْ

وفسّرِ الماءَ في أغصانِ أسئلتي

فأنتَ من صغتَ للمعنى حديقتَهُ

وأنتَ من أطعمَ الأشعارَ أخيلتي

تغادرُ الآنَ من دنياكَ منتصرا

تجري إلى اللهِ كالأنهارِ إذْ جرتِ

تغادرُ الدارَ والدنيا معطلةٌ

من يشرحُ الآنَ للأبوابِ أجوبتي؟

أبي مواعيدُنا الخرساءُ صاخبةٌ

حتى الفناجينُ في الميعادِ قد بكتِ

حتى الحكاياتُ ما عادت مبللةً

بالقهقهاتِ وبالأفراحِ  والدعةِ

يدسّني الفقدُ دمعا في عباءته

واليتمُ آخرُ  موتٍ زارَ حَنجرتي

من يوقظُ الطفلَ في روحي التي هرمت

ويسكبُ العيدَ في أعماقِ أوردتي؟

كان الشاعر التالي علي مي و عدد من قصائده المفعمة بالحيوية والمعبرة عن تطلعاته، وقد أشرك الجمهور في قصيدته “هويِّـة” التي ينادم فيها وحدته وحده :

لأفرَّ من قلقي على الأشياءِ
سافرتُ متَّبعاً رؤى البسطاءِ

واخترتُ ركناً في الحكايةِ نائياً
لأكون ذاتي خارج الأسماءِ

روحي هدوء بحيرةٍ منذورةٍ
للطَّير أو للنَّسمةِ الزَّرقاءِ

وأحبُّ سيِّدةً وأحرسُ وردَها
كي لا يصاب العمرُ بالصَّحراءِ

وحدي أنادمُ وحدتي فكأنَّني
ملكٌ على أحزاني السَّمراءِ

لي كبرياءُ البحرِ بعضُ جنونهِ
لكنني  من حارة الفقراءِ

لم أفهم الإنسانَ وهو محاصرٌ
بمديح نرجسة الأنا الصَّفراءِ

يرنو إلى المرآة غير مصدقٍ
كيف الردى سيطالُ وجه الرَّائي

ويظلُّ يقدحُ بالفراغ  ليدَّعي
أنَّ اسمهُ هو آخر الأضواءِ!

لا شأن لي بالحرب أو بملوكها
من يشترون المجد بالأشلاءِ

من صيَّروا التاريخَ أرملةً على
أرض الرَّماد تصيحُ يا أبنائي

الواقفين على حيادِ حرائقي
الحَالمين بأدمع استجدائي

أنا رهن خطوتي الطليقة أنتمي
في كل أرضٍ لانسرابِ الماءِ

قدري بأن أرث القيامة حالماً
بمرور ليلٍ دونما شهداءِ

ليلٌ جوار الشاي لا المشفى فهل
يا ربُ كنتُ مُبالغاً بدعائي؟

وفي قصيدته “أيا قمراً مِلءَ شُبَّاك رُوحِي” تعلو نبرة التأمل والتساؤل:

ذَكَرتُكِ في مُستَهَلِّ الحَنِيْن
فَعَرَّشَ في قَلْبِي اليَاسَمِين

أَنَا الموجُ لَو لَمْ تجِدني يَدَاكِ
فكَيفَ عَلى سَاحلٍ أستَكين

وَكَيفَ أواجِه ألفَ احتضارٍ
يُحَاصرُ في رِئتي الأُوْكسجِين

أيا قمراً مِلءَ شُبَّاك رُوحِي
ويا حُلماً خُضتُهُ عَن يَقِين

أمرُّ عَلى صُورٍ جَمعَتنا
مُرورَ فقيرٍ بكنزٍ دفِين

صَغِيرينِ كُنَّا فَكَيفَ استطعنا
التَّوغلَ في البحر دُون سَفِين
وهَا نَحنُ نَــكـبُرُ دُونَ اكتراثٍ
لـرسمِ التجاعيدِ فَوقَ الجَبِين

أهَذا هُو العمْرُ فِيلمٌ قَصِيرٌ
وفِيهِ يَمُرُّ قِطَارُ السِّنِين

وَمَاذا عَلَى العاشِقِين إذا ما
مَضوا نَحوَ أقدارِهم بَاسمين

**

غَداً حِين يُفتَحُ بَابُ الغِيَابِ
وَينضبُ نَــهرُ الحَياةِ الضَنِين

سَيبقى لَنَا في الحَدائقِ عِطرٌ
وفي كُلِّ عَزفٍ شَجِيٍّ رَنِين

وتصبح آثارُ خَطوكِ وَرداً
وَينمُو عَلى كُلِّ جَدبٍ وطِين

ويَبقى نَخيلُ البِلادِ حَنُونَاً
يُظِـلُّ سِوانا من العاشقين

**

أَلَا تَجلِسِينَ بِقربي قَلِيلاً
لِيضحَك وَجْهُ المَساءِ الحَزِين

أَلَا تَصعَدِين كَنجمٍ أخيرٍ
يسامرُ مَن في السُّهادِ سَجِين

أَلَا تهبطِين حَمَامَاً.. حَمامَاً
ببَاحَة رُوحِي وَلَو بَعدَ حِـــين

أُحِبُّكِ لا أدَّعي باختِياري

وأقبِضُ جَمرَ الهوى باليَمِين
وَآتيك مُحتشداً بالأغَاني
وبالأمنيات ِ التي تَعْلَمين

فكوني ملاذاً لمنْ ظلَّ دهراً
يرى العَيشَ دُونَكِ مَحضَ كَمِين

واختتم الإلقاء الشاعر محمد المامي بمجموعة من قصائده القوية بسبكها و العميقة بدلالاتها ومنها قصيدته “مرثية الماء” إلى روح إيلان كردي قال فيها:

المفردات على شفاهك حـائره                     

 والمــــوت يرسم حول وجهك دائره

والرمــــــــل آثر أن يضمك عـندما 

قذفــتك أمـــواج الحيــــاة الغــــادره

والماء يوشك أن يقــــــول مودعًا: 

والــبحر يلقي للضفــــــاف جواهـره

وجع الضفـــاف العانقتـك بداخـلي 

يا أول الطهــــــر الغريق  وآخـــــره

نامت عيــونك إذ رحلــت ولم تـزل 

عينــــاي بعـــدك من أساها ساهــره

(ماما) ويجهش بالقصيـدة نـازفـا 

والمــوج قَطّـع بالحيــــــاة أواصـره  

يسقي تراب اليأس غيـــم وداعها 

ومحاصر بالموت ، وهــي محاصره

صلت عليها الريح غب َّ قصـــيدة

لم تكــتمل لللامكـــــــان مغــــادِره

منذ انطفأت رؤى القصائد دمعـة

 في زرقة المعــنى الشجي مسـافـره

قبل ابتـــــكار الحزن في أشعارنا 

ترثــيه عذراء الغــــــيوم العــــابره

بستـــان قلبي من غيــابك عامــر

والمـــاء أنت له ستـبقى ذاكــــــره

وفي قصيدته “العرافة”رسم أفكاره وأحلامه على لسان عرافة “تمعن النظرا”:

أًطَـلَّ من شرفــة المعنى الذي ابتكرا

وأودع الغـــيم ســر الــما ء واستترا

تبتَّل الضوء في عينـــيه وانبجـــست

من قلــــبه اللــــغة العذراء  فانهمرا

تـــقول عرافــة إذ تمــعن النـــظرا :  

فنجــانُ قهوتـــه لا شيء فـيه يـُرى

فربمــا حُجـــبت عــني بواطـــــــنه   

 أو ربما  ذاق  ماء الشوق فاختمرا

(ما بين معترك الأحداق) مات هوى (1)  

  ودان بالـحــب لمَّا لم يـــــجد وَزَرا

مسـافـرًا في فضـــاء الله يوشـك أن        

 يغــيب في جبة الحلاج إن حضـرا

خطــوط فنجــــانه لا ظل يسكــنها             

 فظـــله ما  اســتوى إلا لـينكســــرا 

يدُسُّ في عتــمـة الألفـــاظ فكرته

ليشهق الضـــــوء في أفق الرؤى نضرا

 (يضمه المسك ضم المستهام به)2

وبعد حــين يــعود المسـك معتــذرا

قبضت ُمن أثَـر الساجيـن دمعته    

 فكــلما لامـستْ شيئـا غدا وتــرا

قرأت في دمعه المكسـور أن يـدا          

  ستُلبس الشمس من أحلامنا دررا

وأن من سكبوا في الأرض فتنتهم        

سَيُحــرَقون بها ، إني أرى شجـــرا

أحسست في دمعه ما لا تشــف به           

كل الفناجــــين لمــا حزنه كــــــبرا

كانــت له جنـــــتا عدن ومملكــــة          

وكـان يطــــعم خــــبز الله للفــقــرا

رأيـــته قســَّم الأفراح بــينهـــــــمُ  

ووزع البســـمة البيضــــــاء والمطرا

وعاد منكسرا في كهـف أحرفه     

يتلــو على الريح من أوجـــــــاعه سورا

سكبت دمعته في الكوب أبصرها   

وكرَّتيــن ِ بها إذ أرجـــِعُ البـصـــرا

رأيته والنجوم البـيض ساجـدة           

 أمامه ؛ ورأيـت الشمس والقـمـرا

ويغزل الدهشة العذراء أخيلة             

 ليعْـــــــبُر الحرف للحلم  الذي انتظرا

ستخلع البهجة السمراء بردتها      

 يومــًا عــليه ، فيغدو تاســع الأمــــرا

____________________

*1 – مطلع قصيدة لابن الفارض
*2- شطر من قصيدة لأبي الطيب المتنبي

____________________________

وفي نهاية الأمسية كرّم الشاعر محمد عبدالله البريكي الشعراء المشاركين ومقدمتهم ملتقطًا مهم صورة تذكارية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى