أخبار
“بيت الشعر” في الشارقة.. لوحة إبداعية جديدة
المشاركون: هشام الصقري و أحمد اليمني و د. آمنة حزمون ود. خليل الرفوع

محمد عبدالله البريكي يتوسط المشاركين بعد تكريمهم من اليمين د. آمنة حزمون و أحمد اليمني و د. خليل الرفوع و هشام الصقري
جانب من الحضور
الشارقة – “البعد المفتوح”:
نظم “بيت الشعر” التابع لدائرة الثقافة في الشارقة الثلاثاء 9 سبتمبر/ أيلول 2025 أمسية شعرية شكلت لوحة إبداعية جديدة شارك فيها الشعراء: هشام الصقري (سلطنة عمان) و د. آمنة حزمون (الجزائر،)و أحمد اليمني (السودان،) بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير “بيت، وجمهور من الشعراء و الفنانين ومحبي الشعر.
قدم للأمسية د. خليل الرفوع رافعًا “تحيةٌ شعرية خالصة لعاشق العربية، صاحبُ السمو الشيح الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكمُ الشارقة وحكيمها، فمن رؤية سموه يتجدد بيت الشعر تألقًا ليظللَ الشعراءَ بغيمةِ البيان ونَدى الجمال، ومن سحائب فكر سموه ورؤيته في عظَمة اللغة العربية انطلق القائمون على بيت الشعر ليؤسسوا قواعَدَ بيانيةً راسخةً في فجر العربية، وتاريخ الشعر، وسحر الكلمة، ليكونَ من ثمةَ البناءُ مكتملَ البهاء أناقةً كما هي الشارقة في رُوحها وجمالها”، وحيا دائرة الثقافة في الشارقة والقائمين عليها : سعادة عبدالله العويس رئيس الرائرة و الأستاذ محمد القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية قي الدائرة، كما حيا “بيت الشعر” في الشارقة بقيادة الشاعر محمد البريكي، وجاء في تقديمه: “أيهاذا الشعرُ يا صاحبي ويا فوحَ القلب وبوحَ الناي هذبْ جنونَ الكلمات وتوضأْ بدمعة الحزن واسكب غيثك المورِقَ في أحشاء القوافي، وامش نديًّا في عروق الدوالي: فالعمر ضيق، وقيثارة الوقت ثكلى، بيد أن وجهَ القصيدة قمر، وصحبُك الندامى ما زالوا منذ بكاء الطلل وارتحال الحبيبة يسمرون مع الحزن والفرح معًا، ويفتشون عن قدسية الإنسان وخضرة الأرض وزرقة السماء، فالحب شغفهم ودمعتُهم وحبر دواتهم، فظللْ قلوبَ العاشقين بقناديل الغيم، ورتل على أهداب الوجع أغاني رعاة النوارس، فما زال في الوجع متسع للفرح وما زال في الموج خيطُ أمل تجلو عوارضَه سحابةُ قصيدة شهية اللقاء عذبة المذاق .
على الشعر اجتمعنا ليهبَنا من لدنه ضوءًا مغزولا برائحة السنابل متعطرًا بأنفاس المطر وصباحات العصافير، فيا ويحَ القلب إذ يلتذُّ منك بالهجر، ويا ويح النشيدِ إذا كنت عزفًا منفردا على قلبٍ ناقصٍ وترًا… أيها الحاضرون في ترانيم القصيدة طبتم شعرًا ورضًا، هذا مساء القصيدة مزهرا بكم، وللشعر بحضوركم جمالٌ وبيان وبهاء، شعراءُ هذه الأمسية أتَوا وفي كلماتهم يمشي الندى ويخضل البوح، قد سكبوه أقحوانًا”.
استهل الإلقاء الشاعر هشام الصقري بمجموعة من قصائده ذوات اللغة الشفافة والخيال اللافت ومما أنشد قصيدته “سفر لظل مكسور” وفيها يقول:
جَفافٌ ولكنْ من سَرابِكَ مُبْتَلُّ
على نظرةِ الصَّحراءِ يَنكسرُ الظِّلُّ
تُفاوِضُ في رَمْلِ احتراقِكَ فُرصةً
فلا فُرصةٌ لاحتْ، ولا اكترثَ الرَّمْلُ
وَدُونَكَ تَلٌّ لا يُشيرُ لِمَشهدٍ
فكيفَ تَرى إنْ كانَ لا يُبصِرُ التَّلُّ؟!
اعتلت المنبر بعده الشاعرة د. آمنة حزمون بعدد من قصائدها بعباراتها الشعرية السلسة، التي تشد المتلقي إلى أجواء تأملها ومعاناتها. نقول في قصيدتها “عبورٌ ممكنٌ لزمنٍ مستحيلْ”:
أسيرُ إلى معناك و”الخطوةُ الحبُّ”
وظلّي يقينُ الأرض والنور لا يخبو!
وعيناك ! ما عيناك؟ إلا قصيدتي
كتبت على أهدابها ما روى القلبُ
أحبك! لكن الخلاص مؤجلٌ
فودّع نبي الدمع يا أيها الجبٌّ
تركتُ على غصنيك حُزني وضحكتي
فأيّهما باقٍ إذا هاجر السربُ؟
تعاليْ يقول الليلُّ، قدي عباءتي
ليخرج من أعطافها عاشق صبُّ
ويكشفَ عن نايٍ تلاشتْ ثقوبُه
ولم يفتقد ألحانَه العالمُ الرحبُ
أسيرُ إلى معناك! لا شيء ثابتٌ
تغيرت الأسماء واستحلك الدربُ
فصُبَّ على روحي أباريق لهفةٍ
ظمئت بلا عينيك واستفحلَ الجدبُ
ولي ما رأى العشاق من جنة بدتْ
ولكنها تنأى إذا أوشكَ القربُ
أحبك! فاكسر كأس من لايحبّنا!
وقل يا نديمَ القلبِ فليُرفع النخبُ!
أتيتك من جسرٍ عليّ وصخرة [تعني مدينة قسنطينة الجزائرية]
وجب عصيٍّ يُشتهى ماؤه العذبُ!
وليس معي إلا قصائدنا التي
أرتّلها لما تباغتنا الحربُ!
فديتك لا تطفئ مصابيح حلمنا
ولا تنهر الأمطار كي تغفرَ السُحْبُ
ولا تخبر الآتينَ عن نزف روحِنا
فموّالنا جرحٌ وتضميده صعبُ
أسيرُ إلى معناك؛ قلبي خريطةٌ
وفنجان حزني تاه في دمعه الغيبُ
وحدْسي ظلال الغابِ، ذئب مسافرٌ
يخبِّرُني : عودي فلن يزهرَ العشبُ!
وفي قصيدتها “ما أسرّهُ النخلُ” تفضي بمشاعرها التي هي مزيج من االتساؤل المسكون بالقلق والسكينة:
لم يسأل النخل قلبي، كان يعرفني!
وكنت أشبههُ في صبره العالي
مذ مدّ سعفا إلى العلياء صار له
وِردٌ يرتله في هدأة البالِ
ولم أجد رغم ما يدعو إلى قلقي
سوى السكينةِ في حِلّي وترحالي
ولم أقيّد هوى قلْبي منحت له
صحراءَ عمري بلا حاء ولا دال
وجئتُ يا نخلتي الأولى ترافقني
قصيدةٌ فافتحي حضنا لموّالي
ضاقت علي بلادي واختفى حلمٌ
سهرت أشعلهُ في عتمة الحالِ
وليس لي دمعةٌ أخرى أدونها
على أديم المدى فالمشتهى غالي
وليس لي غيرُ هذا الشعرِ يخبرني
عن المرايا التي غارت من الخالِ
وعن شرود حبيبي وابتسامته
لما تحرّضُ ريحٌ رقصةَ الشالِ
أخفيتُ في قلب هذا النخل صورته
ولستُ أسلم من “قيل ومن قالِ”
فأين يا ربة الأشواق موعدنا؟
مضى بعيدا عن الواحاتِ خيّالي
مضى ولم يلتفت، علّي أعاتبه !
كأنّه ساعةٌ في جيبِ رحّالِ
الشاعر أحمد اليمني كان ثالث الشعراء فألقى مجموعة من قصائده القوية بسبكها والعميقة بدلالاتها وصورها.
في قصيدته “الأهمش” يواجه وحده “جحفَلًا من هواجسٍ”:
نُسِيتَ كما يُنسى نبيٌّ على البئرِ
فأدلى عليكَ اللهُ دلوًا من الشعرِ
وكشَّفَ عن عينيكَ كونًا بأسرهِ
وسارَ بكَ المَسرى إلى حيثُ لا تدري
وما أنا إلا أنتَ فاخترْ ملامحي
وجرِّبْ معي يا أنتَ موتًا بلا قَبْرِ
كبرتُ لهذا لم أعُد بعدُ قادرًا
على حَملِ أيامي الثقالِ على ظهري
كبرتُ وعمري الآنَ يا أفقُ قدرُهُ
ثلاثونَ عصفورًا يفتِّشُ عن وكْرِ
فمن يقنِعُ الساعاتِ لي بعدَ عدوِها
بأن تُرجعَ الأيامَ للساعةِ الصفْرِ
توقفتُ عن قطعِ المسافاتِ
مثلَما توقَّفَ قبرٌ عن مواصلةِ الحفرِ
قديمًا وجدتُ الشمسَ في جيبِ مُهرَةٍ
فمن ذا يفُكُّ الشمسَ من قبضةِ المُهْرِ
بجسمي ضجيجٌ كيفَ يُصغى لِهَرْجِهِ
وسيدةٌ صمَّا تنامُ على صدري
سجينٌ هوائي غيرُ كافٍ لأضلعي
وأحلم أن أشتَمَهُ خارجَ الحبرِ
حزينٌ أنا من أولِ السطرِ مثلكُم
وتمتدُّ أحزاني إلى آخرِ السطرِ
كتبتُ كثيرًا قدرَ ما في حصيلتي
من الخوفِ والأوجاعِ واليأسِ والهجْرِ
كأنيّ على الأمواجِ حرضتُ قاربي
وقلتُ لأسماكي تخلَّي عن البحْرِ
وعلَّمْتُ طيري أن يربي جناحَهُ
بعيدًا عن الأشجارِ رغمًا عنِ الذُعْرِ
وحيدٌ كأنِّي من زمانٍ مؤجلٍ
ولكنَّ لي ربًّا على وحدتي يُطرِي
أقاتلُ وحدي جحفَلًا من هواجسٍ
وليليَ عادَاتٌ من الكرِّ والفرِّ
وها أنا موقوفٌ عن الفجرِ عُنوةً
ومعصيتي الكبرى سؤاليَ عن فجْرِ
وفي “شاعِرٌ لا أقَل” يبث همومه ويرسم رؤاه بريشة فلسفية مدادها االشعر:
مِن كُلِّ بَهوٍ على الدروبِ نَمَا
أرخى أمَامًا ولم يُعِدْ قَدَمَا
هذا الذي مِن ثَرَاهُ تَبعَثُه
إلى سماءٍ يفوقُها قِمَمَا
وساوِسُ الخُلدِ حيثُ أسئلَةٌ
تُطِلُّ مِن صَوبِهِ بمَا عَلِمَا
هناكَ لم يَتَّخِذْ لَهُ جَسَدًا
ولا جهاتٍ تَحُدُّهُ عَلَمَا
إن قيلَ لَيلَى ترِدْ بِهِ وَطَنٌ
يئِطُّ مجنُونُها بما كَتَما
هَذَا الغَمَامِيُّ مَن سَيوقِفُهُ
عن الصَّحَارَى إذا تصيحُ ظَمَا
يُقالُ للنَهرِ: بثَّ وحشَتَهُ
ونَزغَ ما ارتابَهُ وما جزَمَا
مِن أوَّلِ الأغنياتِ ظَلَّ له
رقصٌ برَغمِ السِّنِينِ ما هَرِمَا
ونِسوَةٍ قُلنَ والمَدَى سَفَرٌ:
أما لِهِندٍ سوى فَنَاكَ أمَا؟!
عِن النِّهاياتِ فاضَ أوَّلُهُ
وفاضَ عن عُمرِهِ وما انصَرَمَا
لِذَا ارتَدَت أُفْقَهُ السَّماءُ وقد
أبدتَ لَه مِن بَعِيدِهِ سُدُمَا
بِهِ فتًى أيقظَ المدَى صَخِبًا
وناثِرًا بينَ صامِتَينِ فَمَا
نِدَامُهُ أوَّلُ الذين أَوَوا
إلى نجومٍ تُثَقِّبُ الظُلَمَا
يُغازِلُ الرَّملَ عصفُ صاحِبِهِ
مُذ كُلُّ صَبٍّ بِطَلِّهِ وَهِمَا
بِه صغيرٌ علا… براءتُهُ
لم تكتَشِفْ أن بالرَّصاصِ عَمَى
بِهِ زئيرُ الصَّدَى تُراوِغُهُ
غزالَةٌ يمتَطَى بِهَا الأَلَمَا
لها مِن الضُّوءِ ما يُحَرِّضُه
على سَوادٍ يُعَرقِلُ الحُلُمَا
لَكَم تَمَاهَى معَ الوجودِ لَهَا
وكم أثارَتْ بِقَلبِهِ العدَمَا
وكَم رَحِيلٍ أعَدَّهُ غَدُهُ
إلى فَنَاءٍ مُعَمِّرَاهُ هُمَا
ولم يزَل في القَصِيدِ مَشرِقُهُ
وَلَيلُ أمسٍ بِبابِهِ اصطَدَمَا
كم يسألُ الأفْقَ: هل بكى شجَرٌ
على عصافيرَ غادَرَتهُ دَمَا
وهل أثارَتْ جُذُورَهُ مَطَرٌ
وهل تَسامَت غُصُونُهُ قَلَمَا
وظلَّ في خَاطِرِ الطُّيورِ مَدًى
إليهِ تأوِي، وتستَمِدُ حِمَى
هو ابنُ أنهارِهِ وزُرقَتِهِ
وقَوسُ غَيمٍ بِدَمعَتَيهِ رَمَى
رهافَةٌ تجهَلُ الظُّنُونُ بهِا
وأبيَضٌ مِن سَنَاهُ ما انفَطَمَا
مَن ينبُعُ النَّخلُ مِن مَلامِحِهِ
فَمريَمِيًّا يَهِيمُ حَيثُ هَمَا
وها هوَ الآنَ يَبتَنِي سَفَرًا
وشَمعُهُ باسِقٌ بما هُدِمَا
ويستَدِّرُ الوُجُومَ مَسرَحُهُ
ملبِيًّا مَن بِضِحكَةٍ عَشِمَا
مُخَبِّئًا حُلْكَةَ الوراءِ بهِ
وقد أضاءت على يدَيهِ دُمَى
وفي الختام دعا مدير الأمسية الشاعر محمد عبدالله البريكي إلى المنبر لتكريم المشاركين والتقاط صورة تذكارية معهم.