الإنسان في أعماقه ليس غافلًا عمّا يدور حوله، ولا جاهلًا بما يتعرّض له من استلاب فكري واستهلاك مادي وروحي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذا الخنوع؟ لماذا يبدو وكأنه سلّم نفسه للعاصفة دون مقاومة؟
ربما لأنّ الشغف بالحياة تلاشى، وحلّ مكانه روتين استهلاكي يلتهم الإنسان من الداخل. صار يسعى بلا توقّف نحو المزيد، حتى غابت عنه قيمة القناعة والرضا، وكأنّ المبدأ القديم “الكفاف والعفاف” صار من آثار الماضي.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
“ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر” [التكاثر: 1-2]
آية تختصر حال الإنسان حين يصبح أسيرًا للشراهة في كل شيء، يركض بلا نهاية، ناسياً أن الرضا زادُ القلوب وراحة النفوس، وقد قال رسول الله ﷺ:
“ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس.” [رواه البخاري ومسلم]
إذن المشكلة ليست في قِلّة ما نملك، بل في شَرَه ما نرغب به بلا حدود، فالاستسلام للواقع ليس لأننا لا نعرف الحقيقة، بل لأننا سمحنا لأنفسنا أن نعتاد على حياة بلا معنى، حياة يسيطر عليها الاستهلاك والركض الأعمى مع غياب تام للبصيرة.
الحلّ بسيط جدا وفي متناول الجميع ،يبدأ بإحياء الرضا والقناعة في النفوس، وبالعودة إلى إنسانيّتنا التي لا تُقاس بما نملك، بل بما نقدّم، بما نزرع من خير، وبما نحفظ من كرامة داخلية لا تهزّها المغريات ،بمعنى آخر ترويض الذات والنفس وقمعها تدريجيا.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
“القناعة مالٌ لا ينفد.”
فلنُعد للحياة معناها، وللقلب طمأنينته، قبل أن نصبح أسرى لما نملك ونفقد ما نحن في الأصل عليه.