انخراط غير المتخصصين يهدد النقد والإبداع، ومن الإشكاليات التي تطرح على الساحة الثقافية من حين إلى آخر،غياب الفكر النقدي عن كثير من الأعمال الإبداعية، وهذا يهدد مسيرة الإنتاج الإبداعي ذاته، ومن هذه الأسباب التي أدت إلى نضوج وتبلور هذا النوع من النقد:-
– نشر المبدعيين نصوصهم وإبداء القراء آراءهم حول النصوص، وهذه التعليقات تحمل مجاملات وآراء لا علاقة لها بالتخصص.
– انتشار قراء متعددي المستويات، وعدم التمييز بين القارىء التفاعلي، والناقد الأكاديمي، والقارىء السطحي الذي يطلق الأحكام الذاتية البعيدة عن مقومات النقد وأسسه الموضوعية.
– من خلال متابعتي المقالات التي تنشر في الصحف الورقية والإلكترونية خاصة، وحتى الكتب التجارية التي تطبع لا تعتمد على أسس ودراسات منهجية وأكاديمية، وهذه الكتابات تفتقر إلى المصداقية النقدية، وتؤدي إلى ضعف الحراك النقدي والأسباب تعود إلى عدم وجود الرقابة الإلكترونية والصحفية في الساحة الثقافية الراهنة، وأيضًا هناك أسباب أخرى أدت إلى تطوير المجاملات، وهي العلاقات الشخصية بين المثقفيين والقراء ، ما خلق هوّة كبيرة في انتشار النصوص والكتب وصبغها بالمدح والإطراء، وتهميش الأعمال التي لها قيمة فنية وابداعية في قائمة الإنتاج الأدبي عربيًا وعالميًا.
فكيف لا يضمحل المشهد الثقافي؟!
إذن نحن في حاجة إلى تحديث النقد والعمل على النقد الموضوعي البعيد عن القراءات الذاتية والسطحية، والعمل في خدمة النص الإبداعي، والبحث عن اللباب لا القشور، لأن النص النقدي لا يقل أهمية عن النص الإبداعي، حيث صارت العلاقة بين الأديب والناقد علاقة متبادلة وحوارية – كما يصفها أدونيس- في قوله: ” النص الإبداعيّ، إذن، ليس تلبية أو جواباً، وإنما هو، على العكس، دعوةٌ، أو سؤالٌ، وقراءته هي حوارٌ معه، لذلك لا بد من أن تكون إبداعية هي أيضاً، وهو أيضاً بالأحرى، ليس وثيقة، بل لقاءٌ بين سؤالٍ وسؤالٍ؛ بين المبدع والقارىء الذي هو مبدعٌ آخر” (أدونيس،2019 :52)
تعتبر نظرية القراءة وجماليات التلقي من أهم الاتجاهات النقدية التي برزت في مرحلة ما بعد البنيوية، حيث “اتجهت إلى القارىء فمنحته سلطة لم تكن له سابقًا، فأصبح بمثابة صانع النص أو منتجه، والنص ذاته ليس في الواقع سوى سلسلة من “الإلماعات” الموجهة إلى القارىء، ودعوات إلى بناء معنى من قطعة من اللغة، وبمصطلحات نظرية الاستقبال، فإنّ القارىء “يُمَلمِسُ” العمل الأدبي، الذي ليس في ذاته سوى سلسلة من العلامات السوداء المرتّبة على صفحة، ودون هذه المساهمة الفعّالة المتواصلة من قبل القارىء، لن يكون ثمة عمل أدبي إطلاقاً” (تيري ايغلتون، نظرية الأدب 2016 : 127)
فالناقد عليه أن يتسلح بأدوات معرفية شاملة حتى يفك فجوات النصوص، ويفتح فراغاتها ويكشف عن جمالياتها، وخاصة النصوص المعاصرة التي تحمل قيمة فكرية ومعرفية وفلسفية كبيرة، لا يتسنى لكل قارىء أن يغور في عالمها.
إذن تعد المجاملات عبئًا وعلة على المسيرة النقدية والإبداعية، و قديمًا كانت المجاملات محصورة في نطاق ضيق وأسهل من الوقت الحاضر لكون الوسائل اختلفت، في الوقت الحاضر التكنولوجيا سهّلت انتشار الكلمة بأسرع وقت ممكن، وحتى آراء القراء أصبحت غير مجدية وغير ناضجة، فالنقد علم كالعلوم الأخرى لا يجوز أن يخالطه الرياء أو المجاملة أو المصلحة، وهو يُدرس في الجامعات، أما الانطباعات السطحية فلا تصبّ في مصلحة الأدب.