إنّ ما يعرف بالمجاملات الأدبية أو “النفاق الأدبي” والتزمير والتطبيل للأدباء عامة وللشعراء على وجه الخصوص، داءٌ يضر بالأدب وأهله وبالأجيال القادمة، فالمُتتبع لما يجري في عالم الأدب وخاصة بعد ظهور مواقع التواصل الإجتماعي مثل “فيسبوك” و”تلغرام” و “تويتر” وغيرها، والمجموعات الأدبية التي أُنشئت على هذه المواقع، حيث يتم منح الشهادات التكريمية والأوسمة الوهمية من قبل هذه المجموعات لمن هبّ ودبّ، ولمن لا يستحقها فيظن صاحب الوسام أو الشهادة التي لا وزن لها في تقييمه أنه أصبح أديبًا أو شاعرًا لا يشق له غبار، وقد طغت المجاملات والشللية والمحسوبيات على هذه المواقع بشكل كبير حتى فقدت مصداقيتها، وانسحب منها مَن يُقدّر ويحترم الأدب والشعر، وللأسف الشديد سرى هذا الداء البغيض في عروق جهات ثقافية في معظم بلداننا العربية وحتى في بلاد المهجر، حيث توجد الجاليات العربية، والتي تقوم بتنظيم وإحياء الأمسيات الشعرية واللقاءات والمهرجانات الأدبية وغيرها من الفعاليات المختلفة، فنجد الوجوه نفسها مكررة ومملة في هذه المحافل ، التي يعتمد ظهور الأدباء والشعراء فيها على المحسوبية والعلاقات الشخصية مع هذه الجهات ولجانها الأدبية المسؤولة عنها، ما زاد في تهميش الأدباء الحقيقيين الذين يستحقون الاهتمام في مختلف صنوف الأدب، وطفا على وجه المشهد الأدبي من لا يستحقون الظهور لتمثيل الحركة الأدبية المعاصرة في مثل هذه المحافل الأدبية.
لقد اختلط الحابل بالنابل في عالم الأدب عامة والشعر خاصة، وأصبحنا نفتقد فيه الموضوعية والنقد الحقيقي للنص، والذي لا يقل أهمية عن النص بحد ذاته، مع العلم بأن النقد عند العرب وغيرهم كان موجودًا منذ أقدم العصور، فهذا النابغة الذبياني يجلس تحت قبة حمراء في سوق عكاظ ويتوافد إليه الشعراء من شتى البقاع ويعرضون عليه أشعارهم، فيتناولها بالنقد ويُحكِّم بينهم ويحدد مراتبهم ودرجاتهم.
وللنقد أدواته المعروفة، وعلى الناقد أن يجيد استخدام هذه الأدوات وأن يُحكّم ضميره الإنساني والأدبي والأمانة العلمية والأدبية ليكون سببًا في الإرتقاء بالنص الأدبي لا الانحطاط به عند النظر إليه بعين غير المتبصر بأمور النقد. لقد صرنا في زمن نفتقد فيه الناقد الحقيقي إلا من رحم ربي، ويتَحَرج فيه النقاد المتخصصون من النقد العلني، حيث يتعرضون للتنمر والإساءة ممن أخذتهم العزة بالإثم من أصحاب النفوس الضعيفة، والذين يظنون أنهم قد وصلوا إلى المرتبة التي تضعهم فوق النقد، وأصبح يتدخل في أمور النقد من هم ليسوا من أهله، ويحَكِّمون أهواءهم وعلاقتهم الشخصية بصاحب النص، ويهرفون بما لا يعرفون، ويكيلون المديح والثناء لصاحب النص على غير وجه حق، ما زاد الطين بِلّة، فالأدب يرتقي بالنقد البنّاء، وعلى الأديب التعاون مع الناقد الحقيقي والاستفادة منه في تطوير نفسه للارتقاء بالنص، وعندها تسير الأمور في المسار الصحيح لنخلق جيلًا من الأدباء والشعراء والنقاد يُعتد به ويكون قدوة للأجيال القادمة.
أما في الأعمال الورقية والدواوين المطبوعة فلا توجد رقابة فعلية للجهات المسؤولة عن مراجعة هذه الأعمال قبل وصولها لدور النشر التي تقوم بطباعتها، وكثير من هذه الدور لا تمتلك بين موظفيها الكفاءات الجديرة بمراجعة النصوص كالمدققين اللغويين مثلا، فنجد أن المطبوعات الصادرة عنها مليئة بالأخطاء اللغوية والنحوية والكتابية، وأصبح كل ما يهم هذه الدور الربح المادي على حساب المادة المطبوعة، فالمؤلف أصبح هو من يتكفل بتكاليف الطباعة على حسابه الشخصي، عندما تملك المال ستطبع ما تشاء من الدواوين ولو كانت لا تساوي قيمة الورق الذي طبعت عليه، وأصبح الأدباء والشعراء يتفاخرون بعدد الدواوين المطبوعة التي صدرت لهم، مع العلم أن مصطلح الديوان الشعري يجب أن يطلق على كافة الأعمال الأدبية التي كتبها الشاعر طيلة حياته وتجمع كلها في ديوان واحد، وهذا ما وصلنا من الشعراء القدماء حيث نجد لكل شاعر ديوانا واحدا، وما غير ذلك من مطبوعات من المفروض أن يطلق عليه مسمى مجموعة شعرية.
ولا بد من الإشارة هنا إلى دَور بعض المؤسسات الثقافية الرسمية بالتكفل في طباعة الأعمال الأدبية على نفقتها الخاصة..
وعلينا أن لا ننسى أيضا دَور الإعلام الموجه والكثير من المحطات الفضائية التي تديرها رؤوس أموال مشبوهة وأيادٍ خفية تقف وراء تشويه تاريخ هذه الأمة وتمارس غزوا مبرمجا لتاريخها وثقافتها ودينها ولغتها العربية بدعوى الحداثة ومواكبة العصر، وتقوم باستخدام كل الوسائل والطرق لخلق جيل جاهل بلغته ودينه وتاريخ أمته وثقافتها، هذا الغزو أشد قسوة وتأثيرًا من الإحتلال العسكري والاستعماري القديم.
وأختم بأنه على الرغم مما تقدم، فلكل جواد كبوة وما زال الخير موجودًا في أبناء هذه الأمة العريقة إلى أن يشاء الله.
“فأما الزَّبد فيذهب جفاء .. “
زر الذهاب إلى الأعلى
سعادة الأستاذ جمال الجشي… لك التحية والتقدير والاحترام على ما طرحت من آراء وما أشرت إليه من أدواء في مجالات النقد والشعر والأدب والثقافة….
شكرا لك شاعرنا الكريم ولمرورك الطيب ، تحيتي وتقديري.
نعيم رضوان ..
أحسنت ووضعت النقاط على الحروق فليس كل من كتب قصيدة سمي شاعرا وليس كل من خط رواية سمي أديبا المجاملات في الأدب تضر الأدب ولا تقدم له شيئا
مع الحب والتحية استاذنا جمال مقالك مهم وما طرحته يستحق وقفة تامل وتفكر وتبصر وقفة مع الذات لمن يهمه الأمر مع الاحترام والتقدير. مهند الشريف
شكرا جزيلا لك أستاذ مهند .. تحيتي وتقديري
أحسنت، شكرا لك أستاذ نعيم ولمرورك الطيب
مع الحب والتحية مقالك مهم ويستحق وقفة تامل وتفكر وتبصر وقفة مع الذات صريحة لمن يهمه الأمر مع كامل الاحترام والتقدير . مهند الشريف
أحسنت، شكرا لك أستاذ نعيم ولمرورك الطيب