بيتٌ صغير قديم في طرف قرية، ربما لا يزيد عن غرفة واحدة، يمرٌّ عليه يوميًا تقريبًا وهو في طريقه الى مقر عمله عندما يعبر “الكوبري” السريع ، حيث يقع البيت أسفله. أثاره طلاء هذا البيت بالأسود والأصفر وهو يقف على جانب الطريق وحيدًا. بدأ يدقق في هذا البيت الغريب كل يوم، شهورٌ مرت والهاجس لا يفارقه، قلبه يحدّثه عن وجود شيء في هذا البيت، شيء غير عادي. خلق فيه إغواء لا يمكن مقاومته.
دفعه فضوله في إحدى الليالي وفي وقت متأخر إلى أن يتوجّه إلى هذا البيت الذي تكتنفه الغرابة، وقف أكثر من ساعتين أمامه وظلمة حالكة تلفه وصمت مريب. ما أثار استغرابه أن الباب المهترىء المطلي باللون الأخضر الفاتح مغلق لكن دون مزلاج أو قفل من الخارج. حاول أن يتنصت بوضع أذنه على الباب الخشبي، لكنه لم يسمع سوى طنين الصمت الأجوف مع رائحة كريهة لا تطاق. تجرأ أكثر وحاول فتح الباب وتأكد بشكل يقيني أنه مغلق من الداخل بمصراع. لا صوت، لا ضوء، لا حياة. إحساسه العميق بالأشياء وطبيعته الفضولية المفرطة أثارت الكثير من الأسئلة في رأسه.
سأل أحد المارة من نفس القرية عن البيت، فعرف أن عجوزًا كانت تقيم فيه لكنها توفيت منذ سنوات، ومنذ ذلك الحين أصبح مهجورًا. لم يشف هذا الرد غليله لأنه متيقن أن الباب مغلق من الداخل، ولا بد أن هناك أحدًا داخله. شعور غريب قوي لديه أن هناك حكاية وراء هذا المكان. في ليلة أخرى غامر وطرق الباب عدة مرات ولم يسمع أي رد. تلبّسته حالة جنونية وحاول فتح الباب عنوةً لكنه فشل. عاد إلى سيارته وأخرج القطعة الحديدية التي تستخدم في تثبيت عجلات السيارة وأدخلها بين دفتي الباب مستخدمًا أقصى قوته حتى انكسر طرف المزلاج الداخلي وانفتح الباب. الظلمة سيد المكان، سمع صوت الصمت وهو ينفجر غبارًا، استخدم مصباح هاتفه الجوال ودخل. شعر بالذهول مما شاهد: هيكلين عظميين متعانقين على أريكة حمراء اللون. الرائحة في الغرفة خانقة، التقط عدة صور. رأى سكينين ودمًا أحمر مائلًا للسواد يغطي المكان، فعرف أنهما انتحرا بقطع شرايين اليد وبدا من المشهد أن الحادثة مرت عليها فترة طويلة، تراءى له أنه يشاهد لوحة سريالية، جسدان متعانقان حتى نهاية الطريق، وأي طريق.
قاوم الروائح النتنة واستمر في التركيز والبحث، فوجد على جانب الأريكة ورقة ملطخة بالدم مكتوبًا عليها: “نهاية حكاية حب نقية نحرتها المذهبية.. احتجاج .. مشهد للتاريخ”. في أسفل الورقة ظهر اسم الفتاة والفتى.
سرد جميل فعلا…قصة ممتعة مؤثرة رائعة…دام التميز والإبداع