خليفة الشيمي
الخطّ العربيّ عموماً له جماليّاته ، وهو أحد أنواع الإبداع العربيّ كونه يحمل جذوراً من الثّقافة العربيّة والإسلاميّة والإنسانيّة ، كما يعدّ فنّاً متكاملاً ، يعبّر الفّنان المبدع عن رؤاه وأهدافه في ابتكار لوحة فنّيّة تعطي أبعاداً نفسيّة تتراخى في ظلال الإبداع والحسّ الفنّيّ الجماليّ ، وسنتوقّف عند بعض اللوحات رغم كثرتها ، وهي التي يبرز فيها البعد الجمالي والحسّ المرهف في الإبداع الفنّيّ لدى المبدع في الخطّ العربيّ الفنان خليفة الشّيميّ.
الشيمي فنان تشكيلي وخطاط من جمهورية مصر الشّقيقة ومسؤول المعارض والفعاليات الثّقافية في النّادي الثّقافي العربيّ في الشّارقة، وعمل في وظيفة مدرّس متعاون في كلية الفنون والتصميم في جامعة الشارقة و الجامعة الأمريكية في الشارقة، وهو الذي تعلّم أصول قواعد الخطّ العربيّ واكتسب مهاراته مذ كان في مقتبل العمر وريعان الشّباب من تركيا ، فنمت موهبته على يد أشهر الخطّاطين ، وأقام معارض كثيرة ومتنوّعة اتّسمت كلها بالعطاء الفنّيّ والجماليات الإبداعيّة ، وتبرز الجمالية في لوحاته التي تتميّز بالحرّيّة الإبداعيّة عموماً عبر طواعية الخطوط لموهبته وإبداعه وفنّه، الذي يسعى للابتكار في إظهار مهاراته الفنّيّة ما بين استقامة وليونة في الإبداع الحسّيّ والجمالي ، لتظهر في إشراق لوحة فيها عنصر التّكامل والانسجام الفنّيّ.
ولعلّ من الأهمّيّة بمكان الإشارة لعلاقة الخطّ العربيّ بعلم النّفس ضمن ما يُطلَق عليه ” علم الجرافولوجي ” الذي وضع أسسه الباحث الفرنسيّ كريبكس، وهو علم يعتمد علم النّفس في تحليل الشّخصيّة استناداً للخطّ العربيّ ، ليبرز السّمات العامة للشّخصية ، قبل الحديث عن الدّلالات النّفسيّة في إبداع الفنان خليفة ، فكيف تتجّلى العلاقة بين علم النّفس والفنّ الجماليّ والإبداع في الخطّ العربيّ لديه ؟!
انطلاقاً من ذلك نقرأ لوحات الفنان خليفة بنظرة شموليّة تكامليّة ، أي : وفق الشّكل العام للكتابة والحركة والمسافات بين الحروف والكلمات والهوامش في اللوحة وتداخل الحروف ضمن الكلمات واستعمال الألوان لإبراز الجمالية الفنّيّة في إبداع الخطّ العربيّ لديه، وفي قراءتي الفنّيّة لبعض لوحاته، وجدت فيها أمواجاً من الطّاقة والانفعاليّة الحيوية لدى الفنّان المبدع خليفة، ورأيته وهو يخطّ لوحة مستعملاً خطّ الثّلث بهدوء وفرشاة خفيفة مباشرة ودون أي إعداد مسبق للوحة إلّا في خياله المتّقد إبداعاً، لتتميّز تلك اللوحة بالحرّيّة والرّشاقة والإبداع الجمالي والشّموخ والثّقة بالنّفس ، ومن المعلوم في علم النّفس الجرافولوجي أنّ الخطّ ذا الحركة الهادئة البطيئة يميل فيه الفنّان المبدع للتّأنّي والرّكود والسّكون والهدوء، وهذا ما تتميّز به لوحات خليفة الشيمي وإبداعه الفنّيّ ، ويعتمد استعمال الخطّ الكبير وتداخل الحروف بين بعضها بعضًا سواء في استعمال خطّ الثّلث أم الدّيواني أثناء الكتابة للوحاته الفنّيّة، ممّا يعطي انطباعاً لتلك الحالة النّفسيّة التي يعيشها ، وهي تبرز الرّاحة النّفسيّة والتّكيف مع المحيط الخارجيّ عموماً، وتعبّر عن حسّ جماليّ ووعي وخيال متّقد .
كما يعتمد استعمال الألوان المتناقضة في اللوحة لتمثّل حالة جمالية في إبداع التّناقض ممّا يضفي التّوازن ، وتكون له قيمته الفنّيّة التي تتجلّى بإعمال العقل في المتناقضات، وتقريب المعنى الفنّي لذهن المتلقّي أو المُشاهِد ، ونراه في استعماله اللون الأصفر على خلفية بيضاء يعطي النّور والأمل، ويأتي استعماله اللون الأزرق ليدلّ على الحركة والحيويّة والتّجدّد ومعنى الحقيقة ، ويجاور الأزرق باللون الأحمر ممّا يعبّر عن انفعالات حسّيّة للحبّ والثّورة ، ونقرأ فيهما معنى حقيقة الحبّ أو حبّ الحقيقة ، ويستعمل اللون الأبيض، وفي جهة مقابلة لذلك اللون يعتمد إبراز اللون الأسود ، وهما لونان متناقضان تبرز فيهما حالة التّفاؤل والتّشاؤم والحزن والكآبة، ممّا يضفي الجمال على اللوحة الإبداعيّة وموسيقا تنساب ثائرة بالمتناقضات، وكأنّ المتلقّي أمام لوحاتٍ تتكامل فيها عناصرُ الجمال والإبداعُ الفنّيّ.
ولعلّ ما ذكرتُه يمثّل بعضاً من إشارات لأعمال ولوحات تتميّز بالإبداع الفنّيّ والحسّ المرهف الجماليّ، وتعبّر عن خيال تتجدّد فيه معاني الجمال والحركة والحياة والخصوبة واتّقاد عواطف وانفعالات تبرز تحكّم المبدع خليفة بتلك الانفعالات والعواطف والأحاسيس.
———– *باحث إعلاميّ وتّربويّ ،عضو الجمعية السّوريّة للعلوم النّفسيّة والتّربويّة
زر الذهاب إلى الأعلى