عتبة أولى:
بعنوان لافت، يتضمّن الكتاب كلمة الشجاعة لإثبات أن الفرد مخلوق اجتماعي، بيولوجي. نوضح أن العنوان صدمة أولى وضّحت فكر إدلر الذي اعتبر أن الأهداف والاحتياجات من جملة محركات الإنسان ودوافعه، وعلى الإنسان أن يحددّ لنفسه مسارًا من أجل الوصول إليها، ويطلق على هذا أسلوب(نمط) الحياة، وأهم دافع عند الإنسان هو التغلب على عقدة النقص، والوصول إلى الكمال معتمدًا على الإرادة الحرّة، وقد تضافرت في الكتابة جهود المؤلفَين:
ـ إيشيرو كيشيمي، ولد في اليابان ، في كيوتو/ عام 1965الباحث الذي كان يرجو أن يكون فيلسوفاً، من خلال تخصصه في الفلسفة الكلاسيكية الغربية، ولكن اقتصرت أبحاثه حول علم النّفس “الإدلري” الفردي، عمل مستشارًا في عيادات نفسيّة كمرشد معتمد، ألّف كتاب “مدخل إلى علم النفس عند إدلر”.
ـ فوميتاكي كوجا، وهو كاتب محترف، نال العديد من الجوائز، ولد1973، تأثر بحكمة إدلر القادرة على رفع التحدي في وجه الأفكار، زار كيشمي في كيوتو، وحرر ملاحظاته على شكل محاورات تحاكي النمط الأفلاطوني و سقراط، وهي الطريقة التقليدية المستعملة في الفلسفة اليونانية.
ولو تطرقنا إلى سيرة (ألفرد إدلر) سنذكر باختصار:
ـ عالم نفساني، صاحب مدرسة ( السكولوجية الفرديّة) في علم النفس، من مواليد (فيينا، النمسا) ولد عام/ 1870/ كان مصابًا بالكساح كما كان التلميذ الأضعف في صفّه، لكنه ما لبث أن انتقل في العام نفسه، إلى المقدمة بسبب تلقيه تهديدًا بتحوله إلى إسكافي، تعافى بسرعة من الالتهاب الرئوي الذي كاد يفتك به بعد أن قال الطبيب إنه سيموت، بعد أن فقد أخاه الذي مات على فراش يجاوره، ثم درس الطب، وانتُخب رئيس “التجمع النمساوي للتحليل النفسي”، ألف كتبه “معرفة الإنسان” ، “معنى الحياة”، “تقنية علم النفس بالمقارنة الفردية” ، “سيكولوجيا الولد صعب المراس”.
أعطى أهمية خاصة إلى العلاقات الداخلية في الإنسان والمنافسة في الإرادة. الجدير بالذكر أن إدلر كان يسعى باستمرار إلى إشعار الآخرين بأهميته وقيمته على الرغم مما هو عليه من إعاقة شكلًا وجسدًا.
مقدّمة
الإنسان فرد يحكمه الشعور، ومهما كانت نزعاته الفردية توحي بالتشاؤم، أو تتخذ أساليب محدّدة للتعبير عن الغضب والرفض، فهي أشياء تُعزى لفهمه الخاطئ للحياة، حيث للإنسان قدرة على تغيير كل ما يريد، حتى الماضي ذاته، وهو حرّ لأن يختار أن يعيش بسعادة عندما يقرر ذلك، عليه أن لا يفقد إنسانيته في التعبير عن غاياته، مهما كانت.
حاول المؤلفان اتخاذ الإطار الحواري الفلسفي قالبًا يحمل جوهر الفكر الإدلري، ونظريته في هذا الكتاب الذي اتخذ شكل الرواية، عبر حوار بين شاب وفيلسوف، طرح فيه الشاب أسئلة كثيرة ليجيب عنها الفيلسوف ضمن نسق تسلسلي مرتب من الداخل (الجوانية) إلى (البرانية)، ظهر لبّ الاشكال في أهم سؤالين، هل يمكن للمرء أن يكون سعيدًا؟ وهل حقّا العالم بسيط؟
من خلال تفكيك تشابك التناقضات، كان الطلب الأول من الفيلسوف، أن ينظر الشاب للحياة من وجهة نظر طفل، ليبدو العالم بسيطا، لأن العالم ليس موضوعيًا بقدر ما هو ذاتي، و (الطفل) أو الشاب بالعموم هو من يضيف إليه معنى، أي يجعل العالم معقّدًا، ثم بالشجاعة والمواجهة، (يستطيع الناس أن يتغيروا)
سأل الشاب كيف ذلك بكونه يبحث عن الحقيقة؟ فجاءت إجابة الفيلسوف متضمنة شرح نظرية إدلر التي بين من خلالها يظهر أن نمط الحياة يحدد اتجاه الإنسان، من خلال خمس مراحل جاءت مقسّمة بفقرات كثيرة، عناوينها:
1ـ عليك أن تنكر الصدمة النفسية.
2ـ جميع المشاكل هي مشاكل علاقات (بينشخصيّة).
3ـ أهمل مهام الآخرين.
4ـ حيث يوجد مركز العالم.
5ـ العيش عن قصد هنا والآن.
سنمر على المراحل بالتسلسل، حسب شرحها في الكتاب:
1ـ لو تتبعنا الإجابات، نجد أن الفيلسوف أرجأ الحديث عن السعادة مقابل الاهتمام بالتغيير أولًا، “يود الجميع لو يستطيع أن يتغير” ص 23. السبب في عدم تتبع ثقافة التغيير هو أن جميعنا لدينا انطباع أننا نود أن نتغير لكن “لا نستطيع أن نتغير مهما كانت شدة رغبتنا في ذلك”، وضرب الشاب مثلًا صديقه الذي حبس نفسه في غرفته، خوفًا من مواجهة المجتمع، فكان رد الفيلسوف: قد يكون تعرض لحوادث أو صدمة نفسية، أو معاملة سيئة من والديه، وبذلك فقد ثقته بنفسه، وهذا هو السبب الذي يجعله يخاف مواجهة الناس، لذلك اختلق وضعية الخوف والقلق باعتبارها وسيلة إلى غايته وهي عدم الخروج، فتصنّع المرض، وهذا هو الفرق بين “علم المسببات” لدى فرويد، و”علم الغايات”، وبذلك في علم النفس الإدلري لا يفكر بوساطة “أسباب الماضي” وإنما بوساطة “غائية الحاضر” متجاهلًا بذلك أهمية الماضي.
وعليه فإن المعالجين الذين يحددون منظورًا سببيًّا (سيشرحون لك ما تعانيه، حدث لك في الماضي سيكتفون بالمواساة بقولهم، أنت لست المخطئ) ص 28، وحجّة الصدمات النفسية المزعومة هي أهم ما يميز علم المسببات، دون وصف للعلاج المطلوب، لذك علينا أن ننكر الصدمات النفسية، ونصنع تحديدًا ما يخدم غايتنا.
وعن فقرة “نحن نصنع الغضب”، كان الشاب يقرأ في المقهى، قلب النادل القهوة على سترته، فغضب الشاب وانخرط في الصّياح، كيف فسر الفيلسوف هذا الموقف؟
رد الفيلسوف: إذا كان الناس لا يمكنهم التحكم في عواطفهم، فالغضب إذن وسيلة إلى غاية ما. أخذتك عاطفتك المتمثلة بالغضب إلى غاية الصياح، فكنت ترغب بإرضاخ النادل لذلك اصطنعت الغضب، لتذله، (باختصار، إنما هو أداة ـ يقصد الغضب ـ يمكننا أن نتوسّل بها وفق حاجاتنا).
جادله الشاب بأن الفيلسوف ينكر العواطف الإنسانية، لكن الرد كان:
أن علم النفس الإدلري كطريقة في التفكير هو فلسفة معارضة تمامًا للعدمية، أي نحن لسنا عبيدًا لعواطفنا، وهنا علم المسببات الفرويدي ينكر إرادتنا الحرّة، ويعامل البشر كأنهم آلات.
“الشاب: شجاعة أن تكون سعيدًا” ص57، “الشاب: أتخذ باستمرار قرار أن لا أتغيّر، لا أملك الشجاعة على أن أختار أسلوب حياة جديدًا، ولذلك السبب لستُ سعيدًا”. ص58
وبهذا فإن كلّ الناس يستطيعون أن يتغيروا وفق مبدأ الغائية عند إدلر، ولكن المرحلة الأولى التي تسبق القدرة على التغيير هي الفهم، ولكي تفهم عليك أن تنطلق من ذاتك لترضى بأن تكون كما أنت، وتحب نفسك، لا لتكون مثل أحد، وهذا يتحدد منذ الولادة، لأن كل مولود لديه أدواته الخاصة منذ الولادة. هو لا يستطيع من خلالها أن يغير طبعه أو شخصيته، لكنه حتمًا يستطيع أن يغير أسلوبه (طريقته) في الحياة، والأسلوب هو الكيفية التي نميل إلى التفكير بها والعمل بها.
أنت لن تستطيع اختيار بلد ولادتك، العرق، الهوية، الثقافة، ومع ذلك أنت الذي تختار شخصيتك وهي (الأنا) من خلال أسلوبك في الحياة. حيث الناس يستطيعون أن يتغيروا من خلال الأسلوب ومتى شاءوا.
2ـ إن الغائية أن نمنح ظاهرة ما غايةً بدل سبب، وذلك يبدأ بأن تحب نفسك أولًا، والبحث عن الأسباب التي تجعلك تفعل ذلك، كأن تمنح نفسك مزايا وتركز عليها، بعيدًا عن تعداد النقائص، هكذا تكتسب ثقتك بنفسك، ضرب مثل الفيلسوف طالبة كانت قلقة جدًا من احمرار وجهها أمام الآخرين، وحدد السبب، بأنها كان لديها مشاعر لشاب ترغب بالإفصاح عنها، ولكنها لم تكن مستعدة، لذلك كانت في كل مرة تتعرض لهذا الشعور، والحقيقة كانت تخشى أن يرفضها ذلك الشاب، لذلك تتعرض لاحمرار وجهها وبذلك تتخلص من الاعتراف، خوف أن يرفضها. هي أيضًا لم تكن تثق بنفسها، ولو حدث ورفضها فإن عدم ثقتها سيزداد، كانت بحاجة للتشجيع. تتوضح الغاية هنا في أن لا تُجرَح في علاقاتك مع الآخرين، ثم إن جميع المشاكل هي مشاكل علاقات بينشخصية، بمعنى لو أن العالم كله لا يوجد فيه سوى شخص واحد، واختفى جميع الناس، فهل ستختفي المشاكل؟ لنفهم هذه المسألة علينا أن نعترف بأن الشعور بالنقص هو المسبب الأول لها، وهو عبارة مرتبطة بحكم القيمة التي يصدرها المرء على ذاته.
القيمة، هي أمر يتأسس على سياق اجتماعي، مثلا قيراط الألماس يساوي كذه لأننا من يمنحه تلك القيمة، ولكن من زاوية أخرى الألماس ليس سوى حجر صغير لامع، فلو أنك الشخص الوحيد في العالم ولا وجود لشخص آخر، هل سيكون للقيمة مشكلة، علينا الاعتراف بأن جميع المشاكل هي مشاكل علاقات بينشخصية.
ولأن النقص هو حقيقة مشكلة علاقات بينشخصية، فهو يصيب الجميع، ولا تُعتبر مشاعر النقص سلبية، وإذا تم السؤال: “لماذا الناس لديهم تلك المشاعر أصلًا؟” فإن إجابة الفيلسوف هي: “يولد الناس في هذا العالم ككائنات دون حماية، والناس لديهم رغبة كونية في تفادي تلك الحالة، يطلق إدلر على ذلك عبارة “السعي إلى التفوق”، بمعنى إرادة التحسن، إلى وضع مثالي، لدينا مُثُل وغايات نسعى إليها، غير أننا ما دمنا لا نصل إلى تحقيق تلك المثل فإننا نميل إلى الاحساس بالدونيّة”، ص 84،85
فيقول الفيلسوف إن ملاحقة التفوق والشعور بالنقص ليسَا مرَضين، ولكنّهما محفزان لمواصلة النمو والتحسن بطريقة سليمة، كأن يقول أحدهم: “لم أتابع دراستي، إذن ينبغي لي أن أبذل جهدًا أكثر من الآخرين، فإن هذا يصدر عن حالة نفسية طيبة”، أما إذا تحول إلى استخدام هذا الشعور بالنقص كعذر فإنه عندها يكون عقدة نفسية، أي أنا لم أتابع دراستي، إذا لا أستطيع أن أنجح، أنا لستُ جميلة، إذا لن أتمكن من الزواج هذا أيضًا عقدة نقص وليس مجرد شعور به.
لذلك نجد المتباهون يعانون مشاعر النقص من خلال إبهار الآخرين، كذلك بعض الذين لديهم تجارب مع التعاسة، يحاولون أن يتخذوا تلك التعاسة سلمًا للارتقاء فوق الآخرين، كأن يكونوا مرضى، ثم يكشفون عن شعورهم بالنقص ويستخدمونه لصالحهم.
ويعود بعدها الفيلسوف ليؤكد أن الحياة ليست منافسة، لأن السعي إلى التفوق لا يجب أن يكون برغبة المرء في التفوق على الآخرين، بينما هو الحالة العقلية لذلك الذي يتقدم وحيدًا خطوة خطوة إلى الأمام، فالشعور بالنقص السليم ليس أمرًا ينتج عن مقارنة الذات بالآخرين، ولكن عن مقارنة الذات بالمثال الذي نتصوره عن ذاتنا. في النهاية “نحن جميعًا مختلفون، الجنس، والسن، والمعارف، والتجارب، فلا وجود لاثنين متماثلين كل التماثل، … وأننا لسنا متطابقين، لكننا متساوون”.ص 99
سؤال مهم طرحه الشاب: هل تعني بذلك أن الطفل ينبغي أن يعامل معاملة الراشد تمامًا؟ الفيلسوف: كلا، ولكن ينبغي أن يعامل باعتباره إنسانًا.
نرى أن النظرية الإنثربولوجية لدى إدلر لها أثر عميق في تبلور مفهوم نمط الحياة للتغلّب على عقد النقص والوصول إلى الكمال في الحياة، فهو أول من أدخل مصطلح (أسلوب الحياة) في علم النفس.
نوضح هنا أن أسلوب الحياة هو لازمة الكلام في نظرية إدلر، فإن أسلوب الحياة الذي يتبلور منذ مرحلة الطفولة، هو الذي يحدد ردة فعل الأشخاص في مواجهة المشاكل، وهو الشاخص الذي تصاغ ردود أفعالنا بموجبه، يتشكل نمط الحياة من مجموع قيَمنا وأفهامنا، في علاقتنا مع أنفسنا والآخرين والعالم ليتأقلم الشخص من عقبات الحياة.
ويقول الفيلسوف إن نمط الحياة يتبلور على أساس تفوق الفرد على سلسلة من العقد النفسية. كما ويصعب تغيير نمط الحياة بعد بلوغ الطفل الرابعة أو الخامسة من عمره، ويمكن إدراك أسلوب حياتنا من خلال طريقة مواجهتنا لتكاليف الحياة الخمسة، وهي: النمو الذاتي، الأمور المعنوية، العمل والمهنة، التعامل مع المجتمع، الحب.
ويعتقد إدلر أن ماهية الانسان الاجتماعية تستند إلى الحاجة العميقة للتعلق والانتماء إلى المجتمع الإنساني، وذلك لأن السنوات الأولى تكون السلوك الهادف والغائي، والاعتراف بالخطأ ليس هزيمة، ليتغلب على المهام التي تفرضها الحياة، فعقدة النقص تدفع الانسان إلى السّعي من أجل تحقيق النجاح والسّلطة، والاستعلاء، ويرى كذلك أن سلوك الفرد لا يحددّ عبر الوراثة وتأثير البيئة فقط، إنّما بالتعامل مع الحياة والقيود المفروضة فيها، لرؤية الانسان متفائلًا، فالإنسان يملك إرادة حرّة تمكّنه من العمل على صياغة العناصر و العوامل الاجتماعية المؤثرة عليه، وعلى الرغم من أن بعض جوانب ماهيّة الإنسان، تعد في رؤية إدلر أمورًا ذاتيّة، إلا أن التجارب هي التي تحدد كيفية تحققّ هذه العناصر، فنحن لسنا ضحايا طفولتنا، إنما يستفاد من تجارب الطّفولة في صياغة نمط الحياة، واعتقاد (الأهداف الخيالية) التي تكمن في المستقبل، هو الذي تعمل على بلورة السّلوك.
3ـ في المرحلة الثالثة، طلب الشاب من الفيلسوف التحدّث عن الحريّة، (ليس فكرتي أنا، لكنّه أمرٌ عثرت عليه في المكتبة، سطر مقتطف من رواية لدوستويفسكي،” المال هو الحريّة المسكوكة”، ما رأيك في هذا؟) رد الفيلسوف: لنفترض أنك أدركت الحرية المالية، و لم تعثر على السعادة، ماهي المشاكل والحاجات التي ستستمر بالنسبة إليك في تلك اللّحظة؟
تلقّى الشّاب تربية قاسية على يد والديه، فتعرّض للقهر والمقارنة بشقيقه الأكبر، ولم يكن يعتدّ ابدً بأي رأي من آرائه، وكان يتحمّل ادعاءات عنيفة تصفه بالتّافه، عاجزًا عن أن ينسج صداقات في المدرسة، فكان يقضي جميع فسحه وحيدًا في المكتبة، التي صارت ملجأه الوحيد، ثم قرر أن يعمل في مكتبة رافضًا رغبة والديه في إدارة مطبعة تخصّ العائلة، ليتحمّل ثقل الحريّة التي حددّت ميوله بعيدًا عن رغبة والديه.
(الشاب: أنت تتحدث عن الشجاعة؟ …قلت إن علم النفس الإدلري هو “علم نفس الشجاعة”، الفيلسوف: أضف إلى ذلك حقيقة أن علم النفس الإدلري، ليس علم نفس التملك، بل علم نفس الاستعمال، …. ثم إن السببية الفرويدية هي علم نفس التملك، الذي يقود على مذهب الحتمية، بينما الإدلري هو علم نفس الاستعمال، فأنت الذي تتخذ القرارت)ص135
بيّن الفيلسوف هنا أن علم النفس الإدلري يرفض الإقرار بالحاجة للسعي إلى الحصول على اعتراف الآخرين. وفق منطق الفصل بين المهام، (فالدراسة هي مهمة الطفل، …الشاب: وكيف نفصل بين المهام؟ الفيلسوف: ألا نقحم أنفسنا في مهام الآخرين، هذا كل ما في الأمر.) مبينا أن جميع المشاكل في العلاقات البين شخصية، هي نتيجة كون الناس يتدخل بعضهم في مهام بعض. وعبارة هذا لأجل مصلحتك التي يرددها الآباء، إنما هي لأجل مصالحهم. و(عندما يتعلق الأمر بالأسرة فإن المسافة تكون أقل، ومن ثم من الضروري الفصل بين المهام بشكل دقيق). ص160
ومهما تكن الصعوبة، يجب حل عقدة غوردياس، حسب أسطورة الملك المقدوني الذي أحكم العقدة، وقال إن من يحلّها سيصبح سيد آسيا، بعد عجز الشجعان عن التفكير في حلّها جاء اسكندر الأكبر، وقطعها بضربة سيف واحدة، ليخبره أخيرًا بأن الحريّة هي مقاومة المرء لغرائزه، ودوافعه التلقائية. “الحريّة هي أن تكون غير محبوب من الآخرين أحيانًا”. ص179
4ـ علم النفس الفرداني والكليانية
نشرح الفقرة بأن سعي الإنسان نحو الكمال يقوم على الإطار الذّهني للأشخاص، ورؤية الفيلسوف فكر إدلر من هذه الناحية هي رؤية ظاهراتية تنظر إلى أسلوب خاص يدرك به الأفراد عالمهم، وتشمل هذه الواقعيّة الذّهنية مدركات الفرد وأفكاره، وقيمه، ومعتقداته، واستنتاجاته، فالسّلوك إنما يدرك في إطار الرؤية الذهنية، والظاهراتية، والواقعية العينية ـ من وجهة نظر إدلر ـ أهمية أقل من الطريقة التي نعبر بها عن الواقعية، والمفاهيم التي نصل إليها من خلال تجاربنا، ويرى الفيلسوف أن سلوكنا هو حصيلة وثمرة تفسيرنا لبيئتنا ومحيطنا، وعلى هذا الأساس فإننا لا نرى ولا ندرك الواقعيات كما هي في الحقيقة، وإنما الذي ندركه هو التصور الذّهني للظروف، فالظاهراتية هي الاهتمام بالعالم الداخلي لكل فرد من أجل كشف واقعيّة أحد المفاهيم الأصليّة للرؤية.
5ـ الوعي الذاتي المفرط يخنق “الأنا” لأن مفهوم الشعور الجماعي فكرة جذابة، لكن الشاب ينكمش في الاجتماعات لصعوبة المواجهة، يطلب منه الفيلسوف مرة أخرى التحلّي بالشجاعة، (الفيلسوف: من المحتمل أن تصل إلى سؤال ماهي السعادة، الشاب: لأن السعادة توجد ما بعد الشعور الجماعي، بقبول الذات وليس إثباتها) ص 247، يؤكد الفيلسوف مرة أخرى(ليس المهم ما زوّدنا به عند الولادة، إنما المهم كيفية استعمالنا لهذا الزاد)، … ، نغير نظرتنا إلى “الأنا” وهذا يعني أن نغير استعمالنا لها) ص 250
لتقبل ذاتك كما هي عليه، فهذه حقًا مسألة مرتبطة بالشجاعة، شجاعة أن تكون سعيدًا. سعادتنا تكمن في علاقاتنا “البينشخصية” أيضًا، كانت استدلالات الفيلسوف تتلخص في (لا يستطيع الناس أن يكونوا واعين بقيمهم، إلا إذا كانوا قادرين على الشّعور بأنهم” مفيدون لشخصٍ ما”.ص283
(شجاعة أن تكون عاديّا) ص290
لأن الحاضر وحده هنا والآن، (الفيلسوف: بما أن لا الماضي ولا المستقبل، هما موجودان، لنتحدّث عن الآن) ص308 فالحياة من وجهة نظر إدلر لا معنى لها، لكن (لا فائدة أن نصوغ تعميمات حول الحياة) يكفي أن نمنح معنى لحياة تبدو بلا معنى، لتكتشف (أن العالم بسيط، والحياة بسيطة كذلك)ص 316.
من الغلاف: “يشرح هذا الكتاب كيف نحرر القوّة الموجودة فينا، لنصير الشخص الذي نتمنّى أن نكونه”.
عرض الكاتبان مفاهيمهما استنادًا إلى نظرية ألفرد إدلر وفلسفته حول الشجاعة، أن كل واحد منّا قادرًا على تقرير حياته، دون أن تعوقه تجارب الماضي، وتطلّعات الآخرين.
في النهاية نقول إن نظريات علم النّفس لا تنشأ في الفراغ، بل إن تبلورها يتوقف على الركائز الاجتماعية والفلسفيّة والشخصيّة، وهي من نتائج العصر الذي تتبلور فيه، وجميع النظريّات تقريبًا تعمل على فهمها للإنسان والوجود، بهدف الحفاظ على السلامة النفسيّة، والمعيارية لحياة أفضل، وفي التأكيد على البعد الاجتماعي للإنسان، فإن الانسان يولد في مجتمع صغير باسم الأسرة، ثم يندمج مع المجتمع الأكبر.
وبما أن نظرية إدلر تتأثر بالمباني الانطولوجية والأنثروبولوجية، والقيمية والابستمولوجية لعصر الحداثة، ونحن نملك رؤية خاصة بالفكر الإسلامي، فليس من الضرورة أن أفكاره تقبل الانطباق التام مع الثقافة الإسلامية، إذ أن المسلم يقيم ارتباطًا مع ذاته، ومع خالقه، ومع الآخرين، والطبيعة، وقد غفل إدلر عن الخالق والطبيعة في نظريته، ولم يتطرق الفيلسوف لأي شيء حول هذا.
وكذلك لإدلر رؤيته المحدودة تجاه ماهيّة الانسان، لكن الإنسان من وجهة نظر الدين كائن ذو بعدَين (مادي، روحي) ، بُعد جسماني يتعلق بالاحتياجات الغريزية والحياتية، والبعد الآخر هو الرّوحاني، يمارس من خلال الكثير من العبادات في سياق إشباع حاجاته الفطريّة والروحانيّة. وإن إرادة الله قد تعلّقت بأن تصدر أعمالنا عنّا بإرادتنا، ولو أنه سبحانه لم يُرد ذلك، لما كان هناك أي تأثير لإرادتنا، حيث لا يمكن غضّ الطّرف عن أن الذي يشكل الانسان وإرادته يقوم على إرادة الله ومشيئته، فكون الانسان مختارًا بحيث يقوم بأفعاله واختياراته لا يعني استقلاله عن إرادة الله سبحانه، والإرادة الحرّة هي تقبل المسؤولية، لذا يتوجب التعامل مع نظريات علم النفس في ضوء المباني الإسلامية لتكون أكثر جدوى ونفعًا.
زر الذهاب إلى الأعلى
جميل جدا…. ما شاء الله تبارك الرحمن