Uncategorizedمقالات

كلام عن الحُضن

مجدي أبو زيد*

       

مجدي أبو زيد

قلة هم من يعرفون قيمة الحُضن في العلاقة الجسدية ، لكن الكلام هنا عن الحُضن ذاته من دون ربطه بعامل تحفيزي للفعل المباشر للحب الجسدي، وإذا كان الحُضن يحمل معاني سامية بين الرجل والرجل مثل الأب وابنه، أو الأم وبنتها، أو الصديق للصديق بعد غياب، فما بالنا لو نظرنا لهذه المعاني بين المحبين أو الزوجين العاشقين؟ فالحُضن هو الفعل الوحيد الذي يجسّد الاحتواء الكامل بين الرجل والمرأة، وهو فعل كاسح لما عداه مثل القُبلة أو لمس اليد أو حتى الممارسة الجنسية ذاتها، فهذه الممارسات تحكمها دقائق تطول أو تقصر، إلا أنها تبقى بمقياس الزمن قصيرة، لكن الحُضن الحقيقي غالباً لا يستشعر الوقت ولا يهتم به، لأنه فعل غير ممل إلا إذا كان فاعله ينظر له كطقس سريع ، لذلك نقول: “الحُضن الحقيقي” أي الذي ينشد امتزاج روحين، والتحام كيانين، وإنصاتاً بين قلبين، وغفوة عُنِقين، وصياغة ذوبان بين جسدين في واحد.

الحُضن بين الرجل والمرأة هو رسالة توحي بتأجيل كل ما هو حسي واستدعاء كل ما هو إنساني. الحُضن هو الفعل الوحيد القادر على احتواء الغضب بين الرجل والأنثى لأن المحضون يشعر بقيمته ككائن مطلوب في حد ذاته وليس كوعاء للمتعة، لذلك نرى المرأة تتفاخر بأن زوجها أو حبيبها حضنها ليعتذر لها عن موقف ما أو ليعبر عن اشتياقه، فالحُضن هو كرامة المرأة بوصفه احتواءً لا حد له، وهو كرامة للرجل بوصفه اعترافاً بآدميته وتعزيزاً لرجولته وليس لذكوريته “والفرق كبير بين الرجولة والذكورة”.

الحُضن قد يستغني تماماً عن الكلمات وعبارات الغزل على خلاف غيره من الممارسات الجسدية، لأنه يكتفي بحرارة الأنفاس وخلجات الصدر الملهوف، ومع ذلك قد يحتاج لقسوة العناق كتعبير عن محاولة مستميتة لملامسة قلبين وربما لإيغال روحين في بعضهما بعضًا.. لذلك قال الشاعر الراحل محمود درويش “لا تقس على المرأة إلا في العناق”

عزيزي القارئ: كتبت هذه الخواطر بعدما قرأت عن العثور على بقايا هيكلين عظميين في الصين لزوجين في حالة “احتضان” منذ 1500 عام. حينها قلت إن الزمن استطاع التغلب على كل شيء في الجسدين لكنه لم يتمكن من تحلل الحُضن.

*كاتب مصري – الإمارات

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى