فنون

  الأيقونات السبع

د. أنيسة فخرو*   - البحرين

شادية

فاتن حمامة

ماجدة

لا ولن ولم ترحل الفنانة الشاملة (شادية)، وكيف ترحل وهي التي سكنت في أعماقنا، وهي التي علمتنا الحب الممزوج بالعقل، والرقة بلا تصنع، وفتحت أعيننا على مفاهيم نبيلة كالشهامة والوفاء والنبل والشجاعة والصدق، وزرعت فينا كل القيم الجميلة.

علمتنا الحب والمثابرة والموقف الملتزم والهدوء والرزانة والثقافة والرقي والعاطفة والرقة والحنان والقوة والحشمة والذكاء والدقة والأصالة والأناقة والتواضع والثقة بالنفس، واحترام الذات قبل احترام الآخر. علمتنا الحرية المسؤولة والاستقلالية المقيدة.

وينطبق ما نقوله على شادية على أغلب فنانات الزمن الجميل.

وعندما أقرأ ما يكُتب عنهن بعد رحيلهن، أتساءل لماذا لم يكتبوه قبل ذلك؟ لماذا لم نجعلهن يستمتعن بسماع كل هذه المحبة من الناس؟  لماذا ننتظر رحيل من نحب حتى نغدق عليه عواطفنا؟ وكأننا فعلا نؤكد المثل الشعبي: إن أردت أن تصبح عزيزا مت أو تغرب.

لذلك أكتب عن أيقونات السينما المصرية السبع، اللواتي لولاهن لما أصبح للسينما العربية هذا التأثير الطاغي والمشع حتى الآن، ومن الأيقونات بالطبع ممن رحلن عنا، الفنانة القديرة (أمينة محمد رزق) التي هي خير من مثلت الأمومة على الشاشة العربية، والتي فارقتنا عام 2003 عن عمر 93 عاما، والفنانة الرائعة سيدة الشاشة العربية (فاتن أحمد حمامة) التي فارقتنا وهي في سن 84 عاما،  والفنانة الاستعراضية الشاملة عروس الشاشة العربية (نعيمة محمد عاكف) ، والتي فارقتنا عام 1966 وهي في عمر العطاء والشباب، ولم تتجاوز آنذاك السادسة والثلاثين من العمر، والفنانة المتعددة المواهب سندريلا الشاشة العربية (سعاد محمد حسني) التي رحلت مع أسرارها الغامضة عام 2001 عن عمر 58 .

والفنانة الشاملة الرائعة (شادية) ، واسمها الحقيقي (فاطمة أحمد شاكر) دلوعة الشاشة العربية، وقد رحلت في ٢٠١٧، والفنانة الرقيقة (ماجدة) عذراء وكوكب الشاشة العربية، واسمها الحقيقي (عفاف على الصباحي )، والفنانة (نادية لطفي) شقراء الشاشة العربية، واسمها الحقيقي بولا محمد لطفي. وقد رحلتا عنا في ٢٠٢٠.

أعتقد أنهن الأيقونات الحقيقيات للسينما العربية، وبالطبع هناك الكثير من الفنانات اللواتي ساهمن في إثراء السينما، أمثال ليلى مراد وهند رستم وفردوس محمد، لكني أرى بأن الأيقونات السبع هن المنبع، وهن من ساهمن في تربية الأجيال بشكل غير مباشر، وتركن بصماتهن في حياة كل فتاة وامرأة بشكل خاص، وكل إنسان بشكل عام.

أفلامهن العظيمة ومسيرتهن الفنية السينمائية أعطت الفن عامة، والتمثيل خاصة، قيمة ثقافية متميزة، سواء من خلال مواقفهن القومية الوطنية العروبية المؤيدة للقضية الفلسطينية، أو من خلال مواقفهن الإنسانية في الدفاع عن الحريات بكل أشكالها ضد كل أنواع القمع الاجتماعي والسياسي، كما أعطى وجودهن على الساحة الفنية قيمة اجتماعية راقية للفن؛  حيث كان ينظر قبلهن للفن ولكل من يمتهنه نظرة دونية، وجاءت أيقونات السينما المصرية لترفعن من شأن الفن والسينما والتمثيل إلى الأعالي.

تلك الأيقونات وهبن زهرة شبابهن للفن، وقضين جل حياتهن في أروقة السينما للعمل ليل نهار من أجل إمتاعنا للحظات لا تُنسى من الزمن، فكم أتمنى أن يتم تكريم الفنانات السبع بالشكل الذي يليق بقاماتهن ومقامهن؛ فكل واحدة منهن لا يمكن أن تُعوض، ولا يمكن أن تتكرر؛ وخاصة الفنانة شادية بصوتها الشجي وحضورها البهي ونظراتها الحلوة الطفولية وضحكتها الشقية، وماجدة بنعومتها الفائقة، وفاتن بحضورها الطاغي، ونادية لطفي بنظراتها الفاتنة.. كم أتمنى أن تتحول بيوت هذه الأيقونات السبع إلى متاحف، البيوت التي ولدن وعشن وترعرعن فيها.. كم أتمنى أن تطلق الدولة على بعض المدارس والمعاهد الفنية، وحتى الشوارع، أسماء الأيقونات السبع تخليدا لهن..كم أتمنى أن يتم عمل برنامج تلفزيوني لمناقشة وتحليل جميع أعمالهن الفنية التي أسهمت في رفع الثقافة ونهضتها.. كم أتمنى أن يتم اختيار المجموعة الفنية المتميزة من أعمال كل فنانة، ليتم إدراجها في المناهج الدراسية وتدريسها في المرحلتين الثانوية والجامعية، وخاصة في تخصص كلية الآداب، واختيار الأفلام الروائية التي قمن بتمثيلها والتي كتبها كبار الأدباء أمثال (طه حسين) و (نجيب محفوظ ) و (يوسف إدريس) و (إحسان عبد القدوس)، وغيرهم من الأدباء، لعرضها على الطلبة ومناقشتها وتحليلها والاستفادة منها.

كل المحبة والسلام إليكن من القلب أيتها الأيقونات الفاتنات، سلام لكل الإنجازات العظيمة التي حفرتها أناملكن الرقيقة على أوراق الزمن..

* سفيرة السلام والنوايا الحسنة

المنظمة الأوروبية للسلام والتنمية

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى