إبداعات

    قصة قصيرة الإنسية نادية عبدالوهاب خوندنة*  –  السعودية 

نادية خوندنة

  دوّت صافرة العسَّا بصوت عالٍ شق سكون ساعة السحر وأنطلق صوته الجهوري مخيفاً ومتسائلا: ” من هناك؟” وتردد صداه على جدران قلعة اللاسلكي الرابضة كعملاق نائم منذ الأزل، وواجهات البيوت الخالية التي تحيط من ثلاثة أضلاع متقطعة بالساحة الواسعة أو كما عرفت “بالبرحة”، وفي لحظات سريعة كان العسَّا يقف أمامي يحاصرني بنظرات تجمعت فيها دهشة صاعقة مع حيرة لم يستطع مداراتها لأنه وجد أمامه سيدة متلفحة بعباءتها السوداء لا يظهر منها سوى وجه حزين.

” هيا.. أرني -إن كنت أنسية-  ماذا سرقت من هذا البيت الكبير؟”

وصلتني عدوى الحيرة والارتباك والخوف، من العسَّا فحرت جواباً.. و إذا به يشد الحقيبة التي كنت أحملها .. استطاع بقوته وقوة غضبه أن يجذبها من يدي رغم تشبثي الشديد بها! فتح الحقيبة بسرعة البرق وعاثت يده فيها، ولكنها خرجت بخفي حنين.

وأسفي!! قضيت ساعات طوال في منزل العائلة الكبير الذي عشت فيه سنوات الطفولة والصبا ألملم ذكريات سعيدة، عميقة كبئر زمزم، كثيرة كأعداد الطائفين بالبيت العتيق، صادقة المشاعر والحنين كدموع الخاشعين عند الملتزم، وبسبب هذا العسَّا المخلص لعمله رأيتها تنسل من حقيبتي عندما فتحها، واحدة تلو الأخرى، وتتصاعد رويداً رويداً نحو الأعلى.. لحسن حظي استطعت في آخر لحظة أن أمسك ببعضها فإذا بها تشدني معها عالياً.. عالياً نحو السماء وقد تحولت وتجسدت قلوباً عملاقة بيضاء اللون وحتى عباءتي استحالت كديمة بيضاء تلفني بحنو بالغ، وانطلق الآذان لصلاة الفجر من مآذن البيت الحرام يملأ جوانحي بسكينة وطمأنينة غامرتين. 

حانت مني إلتفاتة سريعة أو نظرة وداع أخيرة … فرأيت وجوهاً كثيرة ترتسم الطيبة والمحبة على محياها وأيدٍ عديدة تلوح لي.

 تناهت لمسمعي – برغم المدى الشاسع بيننا- دعوات صادقة وتوصيات بالسلام والتحية لمن سألقى من أحباب. 

*كاتبة سعودية

      

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى