مقالات

  المجاملات الأدبية       ريما آل كلزلي  –   السعودية

انخراط غير المتخصصين يهدد النقد والإبداع، ومن الإشكاليات التي تطرح على الساحة الثقافية من حين إلى آخر،غياب الفكر النقدي عن كثير من الأعمال الإبداعية، وهذا يهدد مسيرة الإنتاج الإبداعي ذاته، ومن هذه الأسباب التي أدت إلى نضوج وتبلور هذا النوع من النقد:-

– نشر المبدعيين نصوصهم وإبداء القراء آراءهم حول النصوص، وهذه التعليقات تحمل مجاملات وآراء لا علاقة لها بالتخصص.

– انتشار قراء متعددي المستويات، وعدم التمييز بين القارىء التفاعلي، والناقد الأكاديمي، والقارىء السطحي الذي يطلق الأحكام الذاتية البعيدة عن مقومات النقد وأسسه الموضوعية.

– من خلال متابعتي المقالات التي تنشر في الصحف الورقية والإلكترونية خاصة، وحتى الكتب التجارية التي تطبع لا تعتمد على أسس ودراسات منهجية وأكاديمية، وهذه الكتابات تفتقر إلى المصداقية النقدية، وتؤدي إلى ضعف الحراك النقدي والأسباب تعود إلى عدم وجود الرقابة الإلكترونية والصحفية في الساحة الثقافية الراهنة، وأيضًا هناك أسباب أخرى أدت إلى تطوير المجاملات، وهي العلاقات الشخصية بين المثقفيين والقراء ، ما خلق هوّة كبيرة في انتشار النصوص والكتب وصبغها بالمدح والإطراء، وتهميش الأعمال التي لها قيمة فنية وابداعية في قائمة الإنتاج الأدبي عربيًا وعالميًا.

فكيف لا يضمحل المشهد الثقافي؟!

إذن نحن في حاجة إلى تحديث النقد والعمل على النقد الموضوعي البعيد عن القراءات الذاتية والسطحية، والعمل في خدمة النص الإبداعي، والبحث عن اللباب لا القشور، لأن النص النقدي لا يقل أهمية عن النص الإبداعي، حيث صارت العلاقة بين الأديب والناقد علاقة متبادلة وحوارية – كما يصفها أدونيس- في قوله: ” النص الإبداعيّ، إذن، ليس تلبية أو جواباً، وإنما هو، على العكس، دعوةٌ، أو سؤالٌ، وقراءته هي حوارٌ معه، لذلك لا بد من أن تكون إبداعية هي أيضاً، وهو أيضاً بالأحرى، ليس وثيقة، بل لقاءٌ بين سؤالٍ وسؤالٍ؛ بين المبدع والقارىء الذي هو مبدعٌ آخر” (أدونيس،2019 :52)

  تعتبر نظرية القراءة وجماليات التلقي من أهم الاتجاهات النقدية التي برزت في مرحلة ما بعد البنيوية، حيث “اتجهت إلى القارىء فمنحته سلطة لم تكن له سابقًا، فأصبح بمثابة صانع النص أو منتجه، والنص ذاته ليس في الواقع سوى سلسلة من “الإلماعات” الموجهة إلى القارىء، ودعوات إلى بناء معنى من قطعة    من اللغة، وبمصطلحات نظرية الاستقبال، فإنّ القارىء “يُمَلمِسُ” العمل الأدبي، الذي ليس في ذاته سوى سلسلة من العلامات السوداء المرتّبة على صفحة، ودون هذه المساهمة الفعّالة المتواصلة من قبل القارىء، لن يكون ثمة عمل أدبي إطلاقاً” (تيري ايغلتون، نظرية الأدب 2016 : 127)

فالناقد عليه أن يتسلح بأدوات معرفية شاملة حتى يفك فجوات النصوص، ويفتح فراغاتها ويكشف عن جمالياتها، وخاصة النصوص المعاصرة التي تحمل قيمة فكرية ومعرفية وفلسفية كبيرة، لا يتسنى لكل قارىء أن يغور في عالمها.

إذن تعد المجاملات عبئًا وعلة على المسيرة النقدية والإبداعية، و قديمًا كانت المجاملات محصورة في نطاق ضيق وأسهل من الوقت الحاضر لكون الوسائل اختلفت، في الوقت الحاضر التكنولوجيا سهّلت انتشار الكلمة بأسرع وقت ممكن، وحتى آراء القراء أصبحت غير مجدية وغير ناضجة، فالنقد علم كالعلوم الأخرى لا يجوز أن يخالطه الرياء أو المجاملة أو المصلحة، وهو يُدرس في الجامعات، أما الانطباعات السطحية فلا تصبّ في مصلحة الأدب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫12 تعليقات

  1. بالفعل
    كارثة حقيقية انخراط غير المتخصصين مع المتخصصين في بوتقة نقدية واحدة عبر مواقع التواصل
    المقال ممتاز و مميز

  2. من أهم أسس العملية النقدية الصحيحة توافر عنصري العلمية والموضوعية, فمن يتصدى للممارسة النقدية عليه أن يكون متمكنا من أسس العملية النقدية ومناهجها وطرائقها وأدواتها, هذا من جهة, وأن يكون دقيقا منصفاً في إظهار جوانب القوة والضعف في النص المدروس بعيدا عن المحاباة والمجاملة من جهة أخرى. هذا موضوع مهم جدا يستحق يستحق النشر و المناقشة .

    1. أصبت د أحمد فيما ذكرت ، فالنقد أداة تقويم فالنقد طريقة لإكساب الفرد معيار للحكم والمفاضلة و يمكنه من تطوير شكل الحياة التي تنعكس آثارها على المجتمع.
      شكرا جزيلا للمشاركة برأيكم العلمي.

  3. مقال صادق ونظرة ثاقبة من الكاتبة في رصد ما يجري فعلا في عالم الأدب وخاصة بعد ظهور مواقع التواصل الإجتماعي والمجموعات الأدبية على هذه المواقع التي يقوم بتأسيسها والإشراف عليها أناس لا يفقهون بالأدب للأسف حيث يتم منح الشهادات والأوسمة الوهمية لمن لا يستحقها فيظن صاحب الوسام أو الشهادة التكريمية أنه أصبح اديبا او شاعرا لا يشق له غبار، وقد طغت المجاملات والشللية حتى على معظم المؤسسات والجهات الرسمية في معظم بلداننا العربية والتي تقوم بإحياء الأمسيات الأدبية فنجد نفس الوجوه مكررة ومملة في هذه الأمسيات والمحافل ويعتمد ظهور الأديب فيها على العلاقات الشخصية مع هذه الجهات ولجانها الأدبية المسؤولة .. وهناك من هو أجدر منهم بالظهور في مثل هذه المحافل ..
    لقد اختلط الحابل بالنابل في عالم الأدب، وكما تفضلت الكاتبة نفتقد إلى الموضوعية والنقد الحقيقي للنص والذي لا يقل عن النص بحد ذاته، فللنقد أدواته وعلى الناقد أن يجيد استخدام هذه الأدوات وأن يحكّم ضميره الإنساني والأدبي والأمانة العلمية والأدبية ليكون سببا في الإرتقاء بالنص الأدبي لا الإنحطاط به، لقد صرنا في زمن نفتقد فيه إلى الناقد الحقيقي إلا من رحم ربي ..
    باختصار لقد زاد تهميش الأدباء الحقيقيين وطفا على وجه المشهد الأدبي من لا يستحق هذه المنزلة.
    نسأل الله العفو والعافية
    بارك الله فيكم

    1. من أمقت مايحصل وقد ذكرته حضرتك نعم ، ظهور الأدباء الكرم وخاصة ممن لديهم باع طويل في الادب والثقافة بناء على علاقات شخصية ، ويهمش الفكر البناء ومعايير الثقافة.
      أهم مايلزم الناقد الأدوات والضمير وفقت لما ذكرت .
      شكراً استاذي الفاضل لكرم التعليق

  4. مقال شفاف فيه إشارات ذكية إلى الأسباب في تراجع الفكر النقدي البناء مما يؤثر سلبا على أعمال إبداعية هامة. للأسف نحن في زمن فاسد في أغلب جوانبه، ويحتاح إلى نشلة قوية تبدأ من الذات قبل كل شيء، فالمحاصصة الشخصية أداة فاعلة في نحت المجتمع نحو الأسمى والأفضل، ويجب ردع المشوهين الذين يفرضون نفسهم على ساحات الإبداع بخلفية الزيف والجهل..
    النقد خلق جديد للنص المبدع، شرط أن يكون الناقد متمكنا من أدواته، وغير منحاز إلا إلى الإبداع الحقيقي..
    تحية للكتابة السعودية المحترمة.

    1. النشلة والتصحيح يبدأ من الذات .. لن أضيف على ماذكرت ، فقد وصلنا إلى أسوأ مراحل الخلل في الثقافة.
      تعريفك للنقد رائع، أشكرك ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى