إبداعات

 قصة قصيرة   فتاة الشتاء     منال عبدو جمعة  –  سورية

 

منال عبدو جمعة

تلتحف تلك اللحظات برداء البرد وحبات المطر وتتوه القطرات بين عينيها معلنةً السلام والوقوف على وجنتيها.. هي ملاك الأرض الصغير الذي يسير في ذاك الشارع الذي يعج بالمارة والسيارات المسرعة التي تكاد أن لا ترى أمامها من شدة المطر. .حملت مناديل للبيع و تسير بذلك المعطف الخالي من مسماه.. ذلك الرداء البسيط ولا يخلو من تفاصيل القسوة البريئة .. هي في الثانية عشرة من العمر لاتساعدها قدماها على السير.

أمام المطعم.. ظلت واقفه تاركةً الشارع الذي يحب أن تكون فيه للبيع، ولكن المطر وشدته، والجوع وفطرته أجبراها على الاحتماء بلوحة اسم المطعم ومراقبة الطعام من الخارج كيف يحمله “الجرسون” إلى الزبائن بكل نشاط.

آه يا صغيرتي كم هو شعور صعب! لكن تربيتة كتف صغيرة كانت على كتفها.. يا صغيرتي هل أنت جائعة ؟

دمعت عينا الصغيرة: نعم ولكن ما بي هو أكبر من الجوع.. قالت في خلدها: ما بي هو جوع الحياة.. الحب.. العطف.. و الطفولة الضائعة.. مابي لا يمكن لسطور في كتاب التاريخ أن تؤرخه..  ما بي هو حكاية غريب قد سطرها القدر على جدران هذا البلد البارد الخالي من الروح التي فُقِدت عندما غادرنا بيتنا.. ما بي لايمكن شرحه وتجسيده. في لحظة أومأت رأسها ورفعت عيناها إلى ذلك الرجل المقتدر الذي لم يلبث أن يُلحق عباراته بحنَو وتقديم الدعوة لها كي تدخل معه لتأكل.. ولكن.. تسمرت قدماها وهي تُلح على أنها لا تريد أن تأكل ولها إخوة في انتظارها جائعين.. ابتسم الرجل وقدم لها المال كي تأخذ ما تريد من طعام لإخوتها، فتلاشى التعب عن وجهها وابتسمت.. هو هذا ما تصبو إليه.. نعم إخوتها وسد رمقهم هو الهدف في حياتها، والباقي ليذهب أدراج الرياح.. أدراج مهبات القدر والحياة.. وتستمر الحياة.

ت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى