إبداعات

قصة قصيرة أول المعزّين أمان السيد*  –  أستراليا

أمان السيد

 

في الطّريق إلى مغتسله الجوّاني يتعثّر بالملابس التي يظهرعاريًا منها، كانت يده اليمنى تؤرجح جمجمة لعجوز صبغت جلدها تغضّنات تكفي لتعطي انطباعًا صادقًا عن عمر صاحبها، وقد طفق يهتزّ ما تناثر من شعرها الأشيب وفق خطو من يقبض عليها.

  لا يبدو أنه يعير الجمجمة أدنى التفاتة من احترام، أو تقدير، وليس هناك ما يؤكّد صلته بها، يتّجه إلى النّافذة متصدّرًا إيّاها بقامته. كان ضخم الجثة بعضلات مفتولة، انزرعت عليها من الغرز ما يوحي بحقل اكتسحه الربيع قريبًا، لذا فقد كان من الطبيعيّ أن يملأ النّافذة كلّها، يأخذ بتحسّس عقدة قويّة تمكّنت بإحكام من عنقه، وخلال ذلك يروح يحدّق بعمق في المشنقة التي تراءى لمخيّلته أنها تُنصب وسط السّاحة أسفل. رفع الجمجمة عاليًا، ولوّح بها لعدد كبير من المقبلين آخذين في التصفيق، ثم تراجع تاركًا التّصفيق يتابع تأجّجه.

المياه تتساقط من جسده شفّافة، فتطمسه، ثم تنزلق عنه، وهي في طريقها إلى السّاحة، لتلتهم الذين وفدوا من مختلف الاتجاهات، ومعهم المشنقة، التي ارتخى عنقه منها ساطعًا كضوء انشقّ فجأة من ركام من البغاء، كان مقتنعًا الاقتناع كلّه أنّه بذلك يستكمل نظافته من دنس الخطايا التي يعرف أنها تتكمّش به منذ أن استفاق في الفجر مشبعًا بثقل المخدّر الذي تناوله في الليلة التي سبقت، ليجد رأس أبيه العجوز المنكبّ على سجّادة الصّلاة في قبضة يده. كان الرأس مذعورًا، وقد احتفظت شفتاه بتمتمات لم يتسنّ لها أن تنطلق.

  يرتدي الرّأس بعد أن يصبّه في الفراغ من أعلى جذعه، ثم ينتزع إحدى البزّات الرّسميّة، يخرج إلى السّاحة، ثم يمدّ ذراعه يبارك المعزّين.

*أديبة أسترالية من أصل سوري لها مجموعة إصدارات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى