مختارات

صفحة من التراث العربي نداء محمد ناصيف – سورية

من شعراء أدبنا العربي الشاعر ديك الجن الحمصي ، فلشعراء أدبنا العربي في العصر العباسي الأول، قصص رائعة ـ رغم نهايتها المأساوية ـ ولشاعرنا قصة مع زوجته ورد بنت الناعمة، ولذلك لم ترتبط مدينة في العالم باسم شاعرها كما ارتبطت مدينة حمص، حيث ولد هذا الشاعر في مدينة حمص على نهر العاصي في سورية، واسمه عبد السلام أبو محمد الكلبي الحمصي، وهو شاعر فذ مرهف الحس، وقد لقب بهذا اللقب؛ بسبب لون عينيه الأخضر، وإدمانه الخروج إلى البساتين، وكان الشاعر منغمسًا في هموم الآخرين، لا يهرع وراء الشهرة والضوء، وله مؤلفات منها كتاب “الحياة الجديدة”، وهو صاحب نبوءة خراب حمص، وتبدأ قصته حين أوهمه بعض الوشاة بأن زوجته تميل إلى رجل غيره؛ فقتلها في ثورة غضبه، ومن دون تفكير، وبعدها تحول الواشي إلى بيت صديقه مكذبًا الخبر.
فاق بشعره شعراء عصره، وذاع صيته في الآفاق؛ حتى صار الناس يبذلون المال للحصول على قصيدة من شعره، مع أنه لم يتكسب بشعره؛ حيث إنه لم يمدح خليفة، ولم يرحل إلى العراق رغم رواج سوق الشعر فيه في زمنه. عاش شاعرنا في وسط أسرة متعلمة وثرية، فكان من الطبيعي أن تدفع الأسرة الصبي إلى المسجد، حيث حلقات الدين ومجالس العلماء. أحب الفتاة “ورد”، وأسلمت؛ فتزوجها وقتلها، وهو القائل:
قولي لطيفك ينثني عن مضجعي وقت المنا م وتنطفي نار تؤجج في الظلام
وكان صديقه “بكر” هو سبب ارتكابه الجريمة التي هزت أرجاء الشام كلها:
قد بات سيفي في مجال وشاحها ومدامعي تجري على خديها
لقد أحدثت تلك الحكاية شرخًاعميقًا في قلب الشاعر، واستمر هذا الشرخ ينزف مرارة وفجيعة، صابغًا حياته بلون الدم المراق:
قتل الذي يهوى وعمّر بعده يا رب لا تمدُد له في عمره
لم ينس “ديك الجن” تلك المكيدة التي تعرض لها، وانتشر خبر الفجيعة المؤلمة في أرجاء المدينة، وبكى العاصي، وعاش الشاعر بعدها كميت، خاصة وأن صديقه قد دعاه بعد فترة، وهو يحتضر، وأسر له بأن زوجته أطهر من مياه نهر العاصي؛ فانفطر قلبه وبكى حتى نفد عقله:
دعوا مقلتي تبكي لفقد حبيبها ليطفئ برد الدمع حرّ لهيبها
وكان يتصدى للوعاظ الذين يلاحقونه مذكرين إياه بالموت والحساب:
والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي
ولا جلست إلى قومٍ أحدّثهم إلا وكنتِ حديثي بين جلّاسي
ولا هممتُ بشرب الماء من عطشٍ إلا رأيتُ خيالاً منكِ في الكاسِ
توفيَ الشاعر بعد سنواتٍ مليئةٍ بالحزن والهم والندم:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا
ويوم وداعها قال:
ودعتها ولهيب الشوق في كبدي والبين يبعد بين الروح والجسدِ
رحم الله شعراءنا الأفذاذ وما أفرزته مصاعب حياتهم من تراث شعريّ عظيم لا تزال الألسن والأجيال تردده إلى يومنا هذا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى