مقالات

    الجمال المزيف.. مؤامرة ريما آل كلزلي      –      السعودية

 

لا شك في أن المرأة هي المرأة على مدى العصور الطويلة، فتاة يافعة جميلة تفعل المستطاع لإظهار الجمال ، زوجة شابة تحاول جاهدة استمرارية هذا الجمال، أم تنشغل بمهامها الجسيمة، أم تنتهي من أعبائها، امرأة كبيرة فاتها قطار كل شيء..

من هنا بدأت فكرة الحفاظ على الجمال فيزيولوجيًا من أول الحياة إلى آخرها ، فقد كنّا نرى المقبلات على التجميل أكثرهن الكبيرات، وهذا حق مشروع للعناية بالمظهر العام الذي يليق بهن..

أما وقد انعكست الآية وأصبحت قاصدات عيادات التجميل من الصغيرات ، بل والصغيرات جدًا في عمر الزهور ، فإن هذا يطرح علامات استفهام كثيرة ، أولها : الفتيات إلى أين بهذا الفكر؟

في لمحة استعراضية لواقع المرأة، سنجد أن المرأة في العقود الأخيرة حصلت على تعليم في أعلى المستويات واختراق لجميع مجالات الحياة من علم وفن وأدب وحتى حرف يدوية احتكرها الرجل عبر التاريخ، و في واقع الأمر إن المرأة استطاعت منذ ذلك الحين وحتى اليوم الانقلاب على واقعها القديم ودورها الاجتماعي التقليدي بجداره منقطعة النظير، حيث تنعم المرأة المعاصرة اليوم بحريات وحقوق لم تحلم بها امرأة أخرى في أي عصر في التاريخ، وقوة حضورها الطاغي في المجتمعات المعاصره لا يختلف عليها أحد.

مع ذلك كله لنا أن نتساءل ومع كل تلك الإنجازات: ماذا عن القوه النفسية أو الداخلية لامرأة العصر؟ وماذا أنجزت المرأه على صعيد حريتها المعنوية الداخلية؟ أو بتعبير آخر، يحق لنا أن نبحث في كيف تنظر هذه المرأة العصرية القوية الحضور والمكتسبات إلى نفسها وإلى المجتمع من حولها ؟

ثمه من يقول إنه وعلى الرغم من كل ما أنجز على صعيد المجتمع من حريات، فإن هذه المرأة العصرية ما تزال أسيرة لجمالها الخارجي، و بتعبير أكثر دقة للمفهوم الذّكوري للجمال، يكون السؤال: هل هنالك حقيقةً من علاقة بين مفهوم الجمال السائد في عصرنا هذا وحرية المرأة ؟ و هل المرأه العصرية مستعبدة اليوم لمفهوم الرجل ورغبته في الجمال؟

في واقع الأمر إن الموضوع يستحق البحث والتأمل، حيث يشير آخر الإحصاءات إلى أن اختصاصات التجميل والعمليات الجراحية التجميلية والحميات الغذائية هي أكثر الاختصاصات الطبية نموًا وازدهارًا في المجتمعات الحديثة ، وقد تضاعفت إيراداتها مرات عديدة في السنوات الخمس الماضية ، كما يتصدر الفن البورنوغرافي القائم على المرأة وجمال جسدها صناعة الأفلام السينمائية سابقًا الفن والأفلام الهادفة بمراحل وأشواط كثيرة.

وفي دراسة إحصائية يمكن وصفها بالدراسة الكارثة نلاحظ أن أكثر من ثلاثة وثلاثين ألف امرأة أمريكية عندما سئلن عن أهدافهن في الحياة، أجبن بأنهن يفضلن خسارة من عشرة الى خمسة عشر “باوند” من أوزانهن على إنجاز أي شيء آخر في الحياة !!

وقد أشارت دراسة أخرى أكثر خطورة وكارثية نشرت حديثًا ، ربما تكون هي زبدة ما نريد الوصول إليه، إلى أن في داخل الغالبية العظمى من النساء المتعلمات والناجحات والمقتحمات لبنية المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية شيئاً ما ينغص عليهن عيشتهن، شيئًا له علاقة بجمالهن الخارجي، أو في كيف ينظرن الى أنفسهن فيزيائيًا، فقد أشارت الدراسة إلى أن داخل هذه المرأة العصرية العاملة النشيطة والجذابة نوعًا من “فوبيا” سوداوية تلازمها.. “فوبيا” تتعلق بأشياء من قبيل الفزع  من تقدم السن والهاجس من السمنة ومن انعدام القدرة على التحكم في الوزن، فثمة قلق عصابي يصاحب هذه المرأة يتعلق بالخوف من خسارة الجاذبية والذبول وما إلى ذلك من أمور تتعلق بالجمال الأنثوي والخوف من عدم القبول في مجتمع مهووس ب “المانوكانات”.

باختصار إن شبح الورقة الذابلة أوالمحروقة يقبع داخل امرأة العصر يقض مضجع نومها ويطاردها من مكان إلى آخر.. هذا ما خلصت اليه الدراسة، ما يؤكد أن مفهوم الجمال السائد اليوم ووجود المرأة تبعًا لذلك في هذه الزاوية الضيقة أوهذه المصادفة البلهاء كدمية هاجسها جمالها الخارجي، لتتقاذفها بعد ذلك رغبات الرجل، ولتعبث باستقرارها وحريتها النفسية في أن تكون ما تكون، ولتتحكم بمصيرها، الأمر الناجم عن بنية سلطوية اقتصادية وسياسية واجتماعية ذكورية في المجتمعات المعاصرة صنعها الرجل، تمامًا كما صنع كل شي آخر في التاريخ من فن وعلم وفلسفة وحرب وسلم.

إن مفهوم الجمال السائد اليوم ليست له علاقة بالمرأة أو بطبيعتها الفيزيولوجية على الإطلاق، بل له علاقة بالهيمنة الذكورية على المجتمعات وتشريعاتها.

إن هستيريا الجمال تحكم سلوك المرأة المعاصرة شئنا أم أبينا، ومعضلتها الأساسية أنها شأن نفسي داخلي عميق أكثر من أي شأن آخر أو قضية أخرى واجهت المرأة عبر التاريخ كقضية المساواة مع الرجل أمام القانون وحقها في التصويت وما إلى ذلك من قضايا.

ومن هنا لا يمكن حل معضلة كهذه بقوانين وتشريعات في ظل غول اقتصادي هائج في الخارج كهذا يريد ابتلاع كل شيء، بل يكمن الحل هذه المرة في أعماق المرأة وصميم تفكيرها.

في العام 1830، قالت لوسي ستون وهي إحدى المحاربات من أجل حقوق المرأة : أن يكون لي حق الملكية أو حق التصويت وما الى ذلك هو شأن تافه بالنسبة لي إذا لم أملك الحق على جسدي واستخدمه كما أريد ، ما أعتقده أن  المرأة المعاصرة في حاجة إلى وقفة مماثلة مع فارق أن عليها أن تقول وبعد قرنين: إذا لم أملك رؤيتي الخاصة بي كامرأة  لجسدي واستخداماته، ولا أُستَعبَد لرؤية الرجل الشهوانية لجسدي….

في النهاية أعتقد أن المرأة المعاصرة محتاجة أولًا و قبل كل شيء لأن ترى نفسها والعالم من حولها بشكل حقيقي بعيداً عن التزييف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى