مقالات

أبو حامد الغزالي المفترى عليه    د. أحمد الزبيدي – الإمارات

 كنت قد تقدمت بدراسة موجزة عن القاضي الوزير “بهاء الدين قراقوش” بعنوان :” القاضي قراقوش بين الحقيقة والافتراء” ألقيتها على الأمانة العامةِ لاتحاد المؤرخين العرب – في بغداد دار السلام، وقد مَهدتُ للدراسة بكلام نفيس للإمام أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ نقلته من كتاب “الحيوان” ، وهو يذكرُ ما يعرضُ للكِتاب المنسوخ من آفات الناسخين، قال: “….ثم يصيرُ هذا الكتابُ بعد ذلكَ لإنسان آخر، ‌فيسيرُ ‌فيه ‌الورّاقُ الثاني سيرةَ الورَّاق الأوّل؛ ولا تزالُ تتداولهُ الأيدي الجانية، والأعراضُ المفسدة، حتى يصيرَغَلَطاً صِرفاً وكَذِباً مُصْمَتاً.والمصمت : “التامُّ الكامل” فما ظنُّكم بكتاب يتعاقَبُهُ المُترجِمون بالإفساد، وتتعاورُه الخطّاط بشرٍّ من ذلك أو بمثله. . .، كتاب متقادِمُ الميلادِ دهريّ الصنعة”.
وقد علق العلامةُ محمود شاكر- رحمه الله – على هذا النص بقوله: ولم يزلْ أئمَّتُنا وعلماؤنا وأصحابُ العقولِ من شيوخنا، يَرُدُّون الكلامَ المنقولِ المكتوب إلى العقول – بعد التحري للفظه المكتوب – اتقاءً لما عرفوه من تحريف الناسخين، وانتحالِ المبطلين وغفلةِ الجاهلين. ولا نقِفُ عند القول نَخِزُّ عليه تعبُّداً لحروفه، وخضوعاً لنَصِّه. ولئن فعلنا لمَحَقَ اللهُ منا نصفَ العقل وبقى النصفُ الآخَر متردِّداً بين قال فلان وكتب فلان. انتهى. قلتُ:. . وعلى ذلك نمضي… إن شاء الله.
إن مشكلةَ الباحث المسلم مع التحريف والتشويه ليست وليدةُ اليوم أو أمسِ، وإنما هي موجودةٌ مذ أن فطر الله السمواتِ والأرض، وقد بدأت وتمثلت في شخص إبليس وعداوتِه لأبينا آدم عليه السلام، وعداوةِ الكفار والمنافقين لأنبيائهم، وليست قصة الإفكِ عنا ببعيد.وقد يُلبسَ هذا الإفكُ تارة لباس المناهج العلمية، ويُكسى تارة بكساء البحوثِ المنهجية، وأقل ما يقال عن هذه البحوث والمناهج أنها ليست مبنية على منطق تاريخي جيد، وأنها لا تفرق تفريقًا جيدًا بين كتب التاريخ وكتبِ الأدبِ القديمةِ من حيث الحجة في ‌برهانات ‌التاريخ. فإنا نجد كتبًا من أعظم كتب الأدب تنسب إلى الخلفاء من غث الأخلاق ما تناقضهُ سِيَرُ هؤلاء الخلفاء كالذي يروون عن الخليفة هارون الرشيد – وهو بالمنزلةِ من الشرفِ والعلمِ والسياسةِ وطول الانبعاث للغزو والحجِّ- ينسبون إليه من معاقرة الخمر والملاهي والاطلاع على المحارم واستباحة الأعراض وغير ذلك مما لا يمكن أن يصح بوجه من الوجوه.
وإذا كان القرآن الكريم ومُنَزله العلي العزيز لم يسلما من الطعن والمَين، والكذب والتشويه، فمن باب أولى الأنبياء والعلماء، ولقد رأيتُ الطعنَ يقوى ويضعف،ويشتد ويخف، بحسب قوة وتأثير المطعونِ فيه ، ومن جملة هؤلاء حجة الإسلام الغزالي الذي قدم للحضارة الإسلامية والإنسانية على السواء مالا يبخسه وينازعه فيه إلا جاحد منكر!
فقد رموه بكل نقيصة، واتهموه بكل خسيسة، فهو –عندهم- الذي حارب العقل، وغزا الفكر، ما تسبب في جمودهما وتأخرها!
حَسَـــدوا الفَتــــى إِذ لَـــــم يَنالـوا سَعيهُ
فَالقَــومُ أَعــداءٌ لَـــــهُ وَخُصــــــومُ
أصحيح أبأ حامد الغزالي جمد العقل، وأنه أخر الفكر، وهل دفن الفلسفة وأهال عليها التراب،وهل جعلها قاعاً صفصفًا، وأرضاُ بلقعًا، وأرضًا يبابًا؟! إن الحقيقة تقول غير ذلك من غير شك ولا ارتياب!


إن الذي خلق الحقيقة علقمًا       لم يخل من أهل الحقيقة جيلا

فالغزالي من أعظم شخصيات التاريخ الإنساني على الإطلاق بشهادة العدو قبل الصديق، ونظرة واحدة في كتب كبار المستشرقين تدلك على ذلك البريق.بريق صدق وأمانة وهدى ومعالم طريق، ولكن هيهات.. هيهات أن تقنع المضبوعين بالثقافة الغربية، والمهزومين أمامهم روحيًا ونفسيًا !
وكيف نثبت ببراهين مدللة، وأدلة معللة براءة الغزالي من ذلك الإفك، ونزاهته من ذلك الاجتراء؛ الذي لاكته ألسنة أنصاف المتعلمين والمثقفين حقدًا وجهلًا!
بدأت المشكلة حينما تسربت لديار المسلمين مسائلُ فلسفية متعددة، غير أن منها مسائل تتكلم وتبحث في الإلهيات خالفت ما جاء به القرآن والسنة، دفعت بعض علماء المسلمين لدراستها والحكم عليها؛ كالحسن البصري،وغيلان الدمشقي، وجهم بن صفوان ، ثم جاء من بعدهم علماء يعدون رؤوس المعتزلة ؛كواصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وأبي هذيل العلاف، والنظام، تميز هؤلاء بدراسة المنطق الأرسطي بشكل خاص، والفلسفة اليونانية بشكل عام، وأقبلوا عليهما بحثا ودراسة واستدلالا أكثر ممن سبقهم، غير أن القرآن ظل مِدراسهم ومركز بحثهم الذي يدورون حوله ، وصحيح أنهم أفرطوا بالاستدلال بالأدلة العقلية، وأسرفوا في استخدام البراهين المنطقية، نعم، صحيح ذلك، ولكنهم ما فعلوا ذلك إلا لتقوية الإيمان وتنزيه الرحمن، دون انحراف في العقيدة وخروج من الإسلام.
ثم ما لبث أن جاء الجيل الثالث ، فخلف من بعدهم خلف اطلعوا على الأفكار الفلسفية اطلاعا كبيرا،ونظروا في المسائل المنطقية نظرا عميقا، ، بل إنهم قد بالغوا في ذلك كله، فقرءوا كل ما ترجم من كتب فلسفية قراءة عميقة ،وهضموا ما قرؤوا هضمًا جيدًا، فصاروا بذلك يفكرون ويحللون تحليلًا فلسفيًا، وينتجون نتاجًا فلسفيًا، كما يدل عليه البرهان ونظرتهم المجردة في الوجود المطلق وما يقتضيه ذلك النظر، مُسَلِّمين في كل ذلك بما يؤدي إليه البرهان العقلي ، والمسلك الفلسفي، بعيدًا عن الإسلام وشرائعه، والدين ولوازمه، وبالقدر الذي ابتعدوا فيه عن الإسلام كانوا يقتربون من اليونان وبذلك ظهر جيل الفلاسفة فكان على رأسهم: الكندي والفارابي وابن سينا،
فكان من جراء ذلك أن نظر الفلاسفة إلى الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من عَلٍ نظرات ملؤها التجهيل والازدراء والاستعلاء، ونعتوهم بالسفسطة والحمق والغباء ، ووصفوا أنفسهم وحدهم – أي الفلاسفة – بأنهم هم أهل البحث العقلي، والنظر الفلسفي الجاد، والفطنة والذكاء، وأنهم هم الحكماء. شاهد الغزالي ذلك كلَّه فغضب لله غضبة مُضرية، واستعان بالله على تأليف كتابه “تهافت الفلاسفة”، فالغزالي إذن لم يؤلف كتابه من باب الترف الفكري والتمتع العقلي،ولم يؤلفه لأجل الفلسفة وتدميرها، بل ألفه لحاجة سامية في نفسه، وغاية نبيلة في قلبه،في وقت بلغت الفلسفة الإسلامية فيه ذروتها، وبدأت تزاحم وتنازع الشريعة الإسلامية في قلوب العوام، وبدا الشك يتسرب إلى قلوب أنصاف المتعلمين والمثقفين شيئا فشيئا، فهب أبو حامد هبة الليث الهصور يدافع عن حمى الدين، ويدحض بحججه وبراهينه شبه المبطلين، وتحريف الجاهلين،وانتحال الغالين، وتأويل المشككين خلافًا لما يقول بعض المحدثين، تقليدًا لأسيادهم الغربيين .قال الإمام السبكي في كتابه :”الطبقات الكبرى :” جَاءَ وَالنَّاس إِلَى رد فِرْيَة الفلاسفة أحْوج من الظلماء لمصابيح السَّمَاء ‌وأفقر ‌من ‌الجدباء إِلَى قطرات المَاء فَلم يزل يناضل عَن الدّين الحنيفي بجلاد مقاله ويحمى حوزه الدّين وَلَا يلطخ بِدَم الْمُعْتَدِينَ حد نصاله حَتَّى أصبح الدّين وثيق العرى وانكشفت غياهب الشُّبُهَات، وَمَا كَانَت إِلَّا حَدِيثا مُفترى”.
وقبل تأليفه كتابي “التهافت” و “المقاصد” أقبل على الفلسفة إقبال الجائع النهم يَعُبُّ منها ما شاء الله له أن يعُب،ويهضم ما شاء الله له أن يهضم،حتى أمضى في ذلك أعواما ثلاثة ،فسبق من تقدموه، وأعيا من تابعوه .قال -رحمه الله- متحدثاً عن نفسه وتجربته في تعلم الفلسفة في كتابه المنقذ من الضلال :” ثم إني ابتدأت – بعد الفراغ من علم الكلام – بعلم ‌الفلسفة، وعلمت يقيناً: أنه لا يقف على فساد نوع من العلوم من لا يقف على منتهى ذلك العلم، حتى يساوي أعلمهم في أصل ذلك العلم، ثم يزيد عليه، ويجاوز درجته فيطلع على ما لم يطلع عليه صاحب العلم ، من غوره وغائله، وإذا ذاك يمكن أن يكون ما يدعيه من فساده حقًاً ، ولم أر أحداً من علماء الإسلام صرف عنايته وهمته إلى ذلك، ولم يكن في كتب المتكلمين من كلامهم ، حيث اشتغلوا بالرد عليهم – إلا كلمات معقدة مبددة ظاهرة التناقض والفساد، لا يظن الاغترار بها بعاقل عامي، فضلاً عمن يدعي دقائق العلم، فعلمت أن رد المذهب قبل فهمه والإطلاع على كنه رمى في عماية، فشمرت عن ساق الجد في تحصيل ذلك العلم من الكتب، بمجرد المطالعة من غير استعانة بأستاذ، وأقبلت على ذلك في أوقات فراغي من التصنيف والتدريس في العلوم الشرعية، …. فأطلعني الله سبحانه وتعالى بمجرد المطالعة في هذه الأوقات المختلسة، على منتهى علومهم في أقل من سنتين ، ثم لم أزل أواظب على التفكر فيه بعد فهمه قريبًا من سنة أعاوده وأردده وأتفقد غوائله وأغواره، حتى اطَّلعت على ما فيه من خداع، وتلبيس وتحقيق وتخييل، واطلاعاً لم أشك فيه”.ولا غرو في ذلك فقد اتهم من عدد من العلماء وعلى رأسهم تلميذه الكبير القاضي ابن عربي حيث قال:” إن الغزالي ابتلع الفلسفة ولم يستطع تقيئها”. ومع ما في هذا الوصف من غمز لشيخه وإمامه فإنه يدل بشكل واضح على تضلع حجة الإسلام في علوم الفلسفة.
وقد ظهر عمق اطلاع الغزالي على الفلسفة وفهمه لها في كتابه “مقاصد الفلاسفة” الذي صب فيه علمه ومعرفته بالفلسفة اليونانية الأرسطية ؛كأنه ولد في شعابها، وتغذى بلبانها،مما انشز عظمه، وأنبت لحمه،فمكنه ذلك من عرض آرائهم،وبسط أفكارهم،وطرح ونظرياتهم في علومهم المنطقية والإلهية والطبيعية، مقتصرا من علومهم على هذه الثلاث، لأنها تحقق غرضه ومبتغاه وهواه ، وهو مناقشة مسائل معينة توصلوا إليها بحجج ضعيفة، وأدلة واهية، وبراهين متهافتة، وقد عاب الغزالي عليهم كفلاسفة في الإلهيات أنهم يبحثون في ما وراء الكون، أي في الوجود المطلق،بخلاف الإسلام والمسلمين فإنهما يبحثان في الكون وفي المحسوسات فحسب، ويمنعان البحث في ذات الله ، وفي ما وراء الكون، حيث يأمر الإسلام بالتسليم تسليمًا مطلقا، والوقوف عند حد ما يؤمرون بالإيمان به من دون زيادة أو نقصان، ودون أن يسمحوا للعقل الخوض في محاولة بحثه. وقد جرهم هذا البحث إلى القول بأزلية العالم وقدمه، وروحانية نعيم الجنة منكرين محسوساته، وجهل الله- تعالى عن ذلك- للجزئيات، وغير ذلك مما هو كفر صراح في نظر الإمام الغزالي وغيره من علماء الإسلام.
وقد عاب الإمام عليهم أيضًا اندفاعهم في الوصول إلى التفكير والتعمق فيما وراء الوجود،أي ما وراء المادة، غير أن بحثهم هذا كان بعيدا عن الواقع، بعيدًا عن الصدق، وبعيدًا عن الموضوعية، فكان أن أبعد عن الحقيقة، وأبعد عن الواقع ، فضلل الكثيرين، وزين لهم سوء أعمالهم، وحرفهم عن جادة الصواب.
ولك أن تسمي أبحاثهم تلك هرطقة أو سفسطة، أو ظنا، أو حتى تخمينا، ولكن من الخطأ والمجازفة بمكان تسميتها أبحاثا عقلية؛ لأن العقل فيها غائب غير موجود، ولأن تعريف العقل أو الطريقة العقلية:”هي منهج معين في البحث، يسلك للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يبحث عنه ، عن طريق نقل الحس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ، ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع،فيصدر الدماغ حكمه عليه.وهذا الحكم هو الفكر، أو الإدراك العقلي، وتكون في بحث المواد المحسوسة، “كالفيزياء” ،وفي بحث الأفكار “كالعقائد” وبحث التشريع، وفي فهم الكلام،كبحث الأدب وبحث الفقه.وهذه الطريقة هي الطريقة الطبيعية في الوصول إلى الإدراك من حيث هو، وعمليتها هي التي يتكون بها عقل الأشياء- أي إدراكها-، وهي نفسها تعريف العقل، وعلى منهجها يصل الإنسان من حيث هو إنسان إلى إدراك أي شيء سبق أن أدركه، أو يريد إدراكه .ويتبين لنا مما سبق أن هذا التعريف هو التعريف الصحيح الجامع المانع،ولا تعريف غيره مطلقا،وهو ملزم لجميع الناس،لأنه وحده الوصف الصادق لواقع العقل وينطبق عليه.
وقد يظن ظانٌّ أن ما قلناه فيه تجوزا، وهو بدعا من القول، غير أن من يقرأ للفلاسفة الكبار من الأوروبين الذين جاؤوا بعد الغزالي بقليل أو كثير من الزمان تبنوا رأيه – الغزالي- وقالوا بقوله،بل لا نبالغ إذا قلنا أن محاكمة العقل ، والقول بعجزه ومحدوديته إزاء البحوث المعرفية الميتافيزقية كانت سمة بارزة للقرنين السابع عشر والثامن عشر، فها هو الفيلسوف فرنسيس بيكون (1561 – 1626) ورجل الدولة والمعروف بقيادته للثورة العلمية من خلال فلسفته الجديدة القائمة على «الملاحظة والتجريب». وهو من الرواد الذين انتبهوا إلى عدم جدوى المنطق الأرسطي الذي يعتمد على القياس. ألف كتاب “الأرغانون الجديد” أي الآلة أو الأداة الجديدة، التي يجب أن توجه العقل وتزيل أوهامه.ثم جاء الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا فكتب (1632 – 1677) كتابًا بعنوان «رسالة في إصلاح العقل وفي أفضل منهج نسلكه لمعرفة الأشياء معرفة صادقة».جاء فيه:” وأن أخلاق الإنسان، وإيمانه بالله، ودينه أمور ضرورية، لأن البشر بحاجة إلى من يرشدهم إلى الطريق الصحيح بشكل مستمر. ثم جاء جون لوك،وهو أحد كبار ممثلي النزعة التجريبية الإنجليزية (1632 – 1704)، فألف كتابه الذي يعد أول تشريح للعقل البشري بعنوان «محاولة في الفهم البشري». ثم جاء ديفيد هيوم الفيلسوف والاقتصادي والمؤرخ الاسكتلندي ويعد من أهم الشخصيات المهمة في الفلسفة الغربية وتاريخ التنوير الاسكتلندي. (1711 – 1776)، فألف كتابه وهو بعنوان «تحقيق في الذهن البشري»، وهو محاولة للبرهنة على عجز العقل على الخوض في الموضوعات الميتافيزيقية التي ليس لها جذر في الإحساس. بل هو دعوة لتحطيم كل فلسفة مستغلقة مليئة بالرطانة الميتافيزيقية.وأخيرًا جاء الفيلسوف الألماني ايمانويل كانت فألف ثالوثه وهو سلسلة كتب تحاكم العقل وتنزله مكانه؛ وهي: “نقد العقل الخالص”، و”نقد العقل العملي”، و”نقد ملكة الحكم”، أي نقد للعقل النظري وللعقل الأخلاقي وللعقل الجمالي.
ولا نريد أن نتحدث عن “كانط” وثلاثيته لأن الحديث عنهما ليس هنا،ولكن نقول بكلمة المؤرخ والفيلسوف ويل ديورانت حين قال: ” إنه علينا أن نقرأ ما كُتب عن كانط قبل أن نقرأ ما كتبه هو بالذات”.وكلام ديورانت صحيح إلى حد بعيد فبسبب الطبيعة المعقدة لمؤلفات كانط، من الأفضل لنا أن ناخذ بنصيحة ديورانت”.
معروفٌ لدى المثقفين أن كانط من عمالقة الفكر الأوروبي الحديث، فقد استطاع أن يصبغ بصبغته الكانطية معظم التيارات الفلسفية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وأنه وضع العقل نفسه تحت محك النظر،وأخضعه لامتحان القدرة على المعرفة، قبل استخدامه كأداة للوصول إلى المعرفة!وقد خلص من ذلك إلى وجوب تعيين الحدود الدقيقة التي يصلح في نطاقها استخدام العقل كأداة للمعرفة، وحسبنا أن نقول أن هذا القول هو ما نادى به الإمام الغزالي قبل كانط بعقود طويلة.
وإذا عرفنا معنى العقل معرفة يقينية جازمة تبين لنا بشكل واضح الفرق بين تخريفات الفلاسفة وتهويماتهم، في أشياء لا تسمن ولا تغني من جوع، وبحوث علمية غير رصينة هي أقرب إلى التسلية والعبث منها إلى الجد والرصانة!
كذلك، فإن مما اتهم به الغزالي وكان سببًا للإنكار عليه ولا سيما من الفيلسوف العربي ابن رشد مقالته في السببية وإنكاره لها على حد زعمه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫11 تعليقات

  1. دمت وداام عطااؤك دكتور
    باانتظار اامزيد من المقالات الرائعه
    حفظك الله ورعااك

  2. كثير ممّن كتبوا في الفلسفة و علم الكلام من العرب زاغت أفئدتهم إذ لم يستطيعوا الموازنة بين العقل و النّقل، و كان أبو حامد الغزاليّ من القلّة الّتي لم تأخذهم الفلسفة في اتّجاه مخالف للدّين.
    هذه المقالة كلمة حقّ في عالم و إمام افتُري عليه لحقد أو لجهل – كما يرى الكاتب- و كثير من المفترين في قلوبهم مرض و حقد على الدّين لا على الغزاليّ فقط.
    بورك مسعاك أيّها الكاتب الفاضل و أنت تختطّ لنفسك نهجاً للدّفاع عن رموز فكر هذه الأمّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى