مقالات

ملاحظات تعقيبًا على مقال “أبو حامد الغزالي المفترى عليه” للدكتور أحمد الزبيدي أسامة موسى    –   الإمارات

الأخ الدكتور أحمد الزبيدي..
بعد أن طالعت مقالكم “أبو حامد الغزالي المفترى عليه”، لي بعض الملاحظات أرجو أن يتسع صدركم لها، وكما تعلمون خلاف الرأي لا يفسد للود قضية.
١-لا شك ان مقالكم جميل ومتماسك وتناول شخصية جدلية وتاريخية مؤثرة..
٢ -في اعتقادي كان بالإمكان الاستغناء عن المقدمة المتعلقة بقراقوش..
٣ -كان تحيزكم واضحًا وجليًا في الدفاع عن الإمام الغزالي، فأنت لم توجه له أي نقد يذكر، وكما تعلم عزيزي فإنه لا عصمة الا لنبي أو رسول.
٤-من المؤكد ان الغزالي هاجم الفلاسفة وانتقدهم وذهب في ذلك بعيدًا، ولكنه لم يهاجم الفلسفة، فاسم كتابه “تهافت الفلاسفة” وليس “تهافت الفلسفة” ، كما أنه ليس صحيحًا أنه هدم الفلسفة إذ لا يمكن لأي شخص مهما كان مهمًا بلغ علمه أن يهدم علمًا له أسس وأركان وباحثون. كل الأنبياء لم يستطيعوا هدم أي علم من العلوم ، حتى الشعوذة والسحر والخرافات التي حاربتها الأديان ما زالت قائمة إلى يومنا هذا رغم التطور العلمي والحضارة والتكنولوجيا.
٥ إذا اعتبرنا أن الفلسفة أم العلوم وهي بقيت كذلك إلى عصور النهضة،حيث تم فصل علوم الطبيعيات كالفيزيا والكيمياء والفلك والرياضيات، فإن الغزالي هاجم جزءًا بسيطًا من الفلسفة، وهو ما يتعلق بالإلهيات وبعض الطبيعيات ، وبقي مخلصًا للرياضيات والمنطق، لأنهما علمان حقيقيان وصادقان ويمكن التحقق منهما.
٦- في دفاعك عن الغزالي تصف من ينتقده بأنهم من المضبوعين بالثقافة الغربية والمهزومين روحيًا ونفسيًا، وهذا يسمى في المنطق بالمصادرة على المطلوب، ويتناقض مع الموضوعية في تناول البحث، لأن الهوى يعمي عن الأخطاء، وجل من لا يسهو.
٧- تكلمت عن الفارابي وابن سينا والكندي، وهاجمتهم في مقالك وهم لا يقلون أهمية في ما قدموه للحضارة العربية الإسلامية عن الغزالي إن لم يكن اكثر.
٨ -ذكرت في مقالك أن الغزالي عاب على الفلاسفة بحثهم في ما وراء الكون بخلاف الإسلام والمسلمين فهم يبحثون في الكون والمحسوسات!!!!
علمًا بأن الإسلام بحث في ما وراء الكون والغيبيات، وتكلم عن الجن والملائكة والجنة والنار ويوم القيامة وبداية الخلق ونهاية الخلق…الخ..وكلها من الميتافيزيقا.

٩ -في تعريفك للعقل يبدو أن هذا التعريف مقتبس من الفلسفة الماركسية، وإن إصرارك على أن هذا هو التعريف الوحيد والصحيح والصادق .. إن هذا الإصرار يا صديقي صادم لأن كثيرًا من الفلاسفة الذين عاصروا ماركس ومن جاؤوا قبله وبعده اختلفوا معه في تعريف العقل، ومنهم استاذه هيغل، وكانط ، وراسل، ومارتن هيدغر.
١٠- كما يعلم الجميع أن المعرفة الإنسانية تراكمية ومتطورة، ولا يستطيع أن يوقفها أو يلغيها أو يهدمها شخص أو حزب أو مذهب، فكيف يكون باستطاعة شخص واحد أن يفعل ذلك كله؟
عندما جاء ديفيد هيوم بمقولة إلغاء السببية، قال الفلاسفة إن أوروبا ذهبت للإلحاد، وما هي إلا سنوات حتى جاء الرد عليه من أعظم الفلاسفة المعاصرين له وهو إيمانويل كانط في كتابيه “العقل العملي” و”العقل المحض”،وعندها قال كانط قولته المشهورة:” لقد أيقظني هيوم من سباتي”،عندما كتب الغزالي كتابه “تهافت الفلاسفة” رد عليه فيلسوف قرطبة ابن رشد في كتابه “تهافت التهافت”، فلماذا لا نقول إن ابن رشد أعاد للفلسفة اعتبارها؟
أخيرًا.. نستطيع القول إن للغزالي تأثيرًا في تحريم الفلسفة عند بعض المذاهب السنية خاصة، فبعض الأشاعرة حرموا الفلسفة، وأما السلفيون فيعتبرونها رجسًا من عمل الشيطان، وعندهم مقولة “من تمنطق فقد تزندق”، رغم أن الغزالي كان وما زال من أشهر المناطقة وله كتاب “معيار العلم” من أهم كتب المنطق.
رحم الله الامام الكبيرأبا حامد الغزالي الذي كان عملاقًا في الفكر والثقافة العربية الإسلامية، وأحد أعمدة الفكر فيها، أغنى التراث بكثير من الكتب والمراجع  التي ما زالت إلى يومنا هذا منارات لطلاب العلم والمعرفة،
والشكر لأخينا د. أحمد الزبيدي لاختياره هذا الموضوع الجميل والشيق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. جميل هذا الحراك الفكري الثري… تظل وجهات نظر ولكل حقيقة وجهان… إلا الثوابت.
    الأشخاص وقراءتهم محل نظر ونقاش . مقال مفيد ويكفي ادب الحوار فيه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى