مقالات

“عِبرَةٌ عابِرة” رهف السبع – الإمارات

إن تسأل عن ماهيّتي، فأنا عصفورةُ المحطّات، فراشةٌ، أو نحلة، ما أنا

سوى عابرة، لا أملك إلّا انتماءين: دين، إنسان؛ أحلّق بهما وأنشر أنّ

الدّين إنسانية، أما جميع الانتماءات الأخرى فأعتبرها خيوط الحياة،

الّتي نسجتها لتسجننا بملذّاتها وتُسكِرُنا بنشوة السيطرة حتّى نسقط

ثَمِلين فيسهل عليها اصطيادنا، تضيّق أفقنا ومن ثم تقتلنا وتمسح أثر

وجودنا، لذلك فضّلت التحليق وتوزيع الرحيق على كلّ البشر، أوزّع

السكاكر للصغار، ودعواتٍ للشباب والمسنّين، فالابتهالات هي حلوى

الكبار ينتظرونها بشغف يُخَبِّئونها بمخازنِ الصّبر والأمل، يفرحون بها

وترتعش قلوبهم سعادةً وحبًّا لملقيها، هكذا كنتُ أخترقُ القلوب، عند

كلّ محطةٍ أو مقعدِ سَفَر أواسي مُتعبًا، ألاعب طفلاً، وأعتني بشجرةٍ

هَرِمَة، أسقَطَتْ رياحُ الزّمن أوراقها اليانعة، عند كل محطّة أبحثُ عن

عِبرَة، أستمعُ بفضولٍ لكلّ قصص الغرباء، وأُقصّ عليهم حكاياتي،

نتبادلُ الاهتمام المؤقت، وأرقام التواصل؛ عسى المصادفة الّتي

جمعتنا بادئةُ صداقةٍ دائمةٍ، متناسيةً أنني أنثى المحطّات، لا أستطيع

الاهتمام والتمسّك بأحدهم لفترةٍ طويلةٍ؛ حيث إنّ يديَّ صغيرتان،

وجناحيّ مشغولان بالتحليق والاحتضان، سائحةٌ لا أملك إقامةً دائمةً

إلّا في القلوب، عبر ابتسامةٍ لها فضلُ زيادةِ الأصدقاءِ والمعارف لدي،

ما يؤهلني -إن أردتُ- إقامة دولة عظمى، لولا أنّني بعيدةٌ جداً عنهم،

أخشى الاقتراب ليقيني أنّنا البشر جمالنا ببعدنا، ذلك الّذي يَهِبُنا هالَةَ

الغموضِ الجذّابة، ويُتَوِجُنا بتاجِ المِثاليَّة فنصبح بلا عيوبٍ أو تشوهاتٍ

خلّفتها الكوارث الطبيعيّة من اصطدامٍ بمجرمِ قلبٍ، وبقاتلِ روح، نحن

بالبعد أجمل، والاهتمام الكثير قيود تؤرِّقُنا، تفرضُ علينا أمرًا ليس من

طِباعنا نحن الزّائلين جسديًّا، الأزَلِيّين روحيًّا، لنا عند كلّ محطة سفر

ورحلةٍ داخل أسفار حياةٌ جديدةٌ، ومن كلِّ دَوَاةِ ألمٍ وحبرِ، قَلْبٌ صديقٌ

للإحساس، بعيدٌ عن الحواس.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

      1. بارك الله فيك رهف ومزيدا من النجاح والتألق..ارى فيك ورد الياسمين.. الذي تفوح رائحته عبقا. ولا تنسى. ابدا..

        1. وفيكِ بارك الله، أعتز بشهادتك جدًا إذ أفخر بمعرفتي بقامة علميّة وأم عظيمة مثلك 🌸💐

    1. الكاتبة بشرى، أسعدني جدًا أنها نالت إعجابك.
      جعل الله التوفيق حليفك دومًا 🤍

  1. هي فلذة كبدي وملهم في كثير من الأفكار والأقوال جناحاها صغيران جدا بحروفهما كبيران جدا جدا بمعانيهما .. هكذا يجب أن نكون .. يجب أن نعتز بهذين الجناحين وان نعود من جديد لنقود العالم كما كان رسولنا الكريم والصحابة العظماء .. نقود العالم إلى بر الامان والسلام وذلك دون أن ننتقص او نتهاون بأي ذرة من الدين الحنيف فكل واحد منا على ثغرة من ثغور الإسلام فهيهات هيهات أن يؤتى الإسلام من جانب أحدنا.. لن أطيل ارجو ان تصل رسالتي إلى عقول الكثيرين والسلام عليكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى