إقبال صالح بانقا
يخرج المرء إلى الحياة الدنيا مدفوعاً بعون الله ورحمته فيسعى بهما ثم بعون من حوله ليلتمس الوجود في الأرض، فأول سعيه رضاعته وصدر أمه و بعدها أكله و شربه، ويدب في الأرض ويمشي و يتفقد العالم الصغير من حوله بعون أسرته وحمايتهاحتى يخرج إلى العالم الخارجي، أي يخرج من شرنقة الأسرة ليلتمس المعرفة و العلم، فيواجه المجتمع فيعاني الأمْرَين.. أمر التحصيل و أمر الانخراط في المجتمع ليُكوِّن شخصيته و ذآته ويكون له دور، و يكون فرداُ فعالًا في نسيج المجتمع، وهو وحظه و تكوينه ونوع مجتمعه، فإما أن يخرج إلى الحياة معافى أو تعصف به رياح الحياة ، ويلازمه الفشل والعياذ بالله.
الأمية عارض ينشأ عليه الفرد و يعترضه فيتغلب عليه كل حسب طاقته وذكائه و ظروفه وما يَلقى من اهتمام من حوله، والجهل نقمة لا يزكيه العلم و لا يزيله، وكما في المثل (القلم لا يزيل البلم).
كذلك الغًفلة عار يلازم من ابُتلي بها و يجعله ذليلا له؟ يُدنيه ويُحط من قَدره وأعماله و يرخصه ويُنهي عمره لو لازمه.
أما الانحطاط أو الإحباط، فهو كائنًا ما كان لابد أن يمر به بنوآدم في حال ما أوعمر ما سواء بسبب أو بدونه مهما كان ومهما أوتي المرء من صحة أوعقل وذكاء وأحوال أو ظروف مُساندة و دعم أٌسري أو مجتمع معافى وصحي أو حتى مال أو بنين أو عز وجاه و سُلطة.
بالطبع الانحطاط يتأتى لو انعكست تلك العوامل عليه، فلا بد أن يمر به الفرد في حياته شاء أم أبى، ولا بد للفرد أن يَذوق كل ذلك أو كل تلك الأحوال كي يتعلم وينمو فيكون أو لا يكون.
حكى أحد المشرفين على داخلية سكن طلاب جامعة أمريكية في بلد خليجي ثري أنه جِيء بطالب من دولة خليجية أُخرى ابتغاء الالتحاق بالجامعة والسكن في داخليتها من قبيل سعي الأهل الدوؤب للارتقاء بأبنائهم في اختيار الجامعة والتخصص وما شابه، وبالطبع كانت كل الأحوال أو جميعها مهيأة لهم، لكن ما أن التحق الصبي ذو ال 17 عامًا بالجامعة والسكن حتى عانى المشرفون منه ومن قلقه وعدم نومه في الليل بتاتًا، فقد تعوَّدَ أن يكون هناك أحد من أفراد أسرته يخلل له شعر رأسه حتى ينام، و إلا انتابه القلق والتوتر والضيق والحزن و ربما البكاء وحُرم من النوم، فأصبح المشرفون صاغرين بعد لآي وتعب يتناوبون على تخليل شعر رأسه حتى ينام، وأضحى الأمر مدعاة للسخرية بينهم رغم حرصهم الإنساني على مراعاة أمر الطالب المُبتلى.
مرعام كامل على هذه الحال ولم تتبدل حال الطالب إلى أن ذهب إلى بلده لقضاء الإجازة، لكنه لم يعد بعدها إلى الجامعة أوالسكن.. ذهب ليكون قريبًا من أسرته لتلافي علته ولم يعرف لاحقا ما ألم به وبمستقبله و بمسالة تلقيه العلم.
بالطبع هذه نتيجة التربية في مجتمع مترف، ووافق الترف دلالاً مفرطاً وعدم تَحمل مسؤولية من الأهل أو ما شابه. بالطبع هذا ليس تعمبمًا لكنها حالة وجدت مع اختلاف الظروف وتنوعها.
يمر الفرد بكل ما سبق من أمية وجهل وغفلة وانحطاط وفق ما كتب له ، فهي أحوال وأقدار تُلازم الفرد مكتوبة عليه يكابدها مع ضعفه الذي خلق عليه لحكمة لا يعلمها إلا خالقه،
وينزوي المرء لو امتد به العمر عند الكِبر والعَجز ليُحصي نتائج كَبَدِه منها، ويحاسب نفسه عليها ابتغاء رضا الله و الفوز بجنته لو قُدرت له.
زر الذهاب إلى الأعلى