لم يكن لي خيار أبدًا في استبدال أمي لي بثديها مقابل “البزازة” أو الرضاعة الصناعية ، فقد كنت أحب ثدي أمي أكثر، لكن قيمة ثدي أمي وأنا طفل بالنسبة لي كانت الحياه كلها وليس لي خيار آخر أو أفضل. لقد اشتهيت بعدها الشيكولاته عوضًا عن ثدي أمي. لقد أصبحت الشيكولاته ثم اللعب بعد ذلك أهم عندي من الثدي ومن الشيكولاته لأنني سألعب دور الملك ومعي الملكه ذات الثدي، وتحولت ساعتها قضية العالم كلها في إقناعي بشرب كوب اللبن، بينما كنت أفضل عليه الشيكولاته بلا منافس، وفي مقابل هذا المشهد هناك مشهد آخر لونه أحمر عند ثدي زوجتي وأنا في الثلاثين من عمري. بالتأكيد كانت المقارنه لصالحي وأنا طفل وأنا في الثلاثين ، ورغم نضج عقلي كنت أنافس طفلي في الحصول علي الثدي ، لأن الثدي هنا أفضل من الشيكولاته واللعب ، وسوف أدفع لك مليون شيكولاته مقابل هذا الثدي، وعندما تكثر الدوافع وترتقي من مجرد الغذاء إلى المتعة ثم غرور السلطة سوف تكتسح الثالثة وهي شهوة السلطة ، والتي هي ليست غريزه أصلًا في الإنسان ، وسوف يقتل الرجل أباه أو يسجنه مقابل تولي حكم البلاد، أوالعكس سيحدث لو علم الأب بنوايا الابن في رغبته بتنحية أبيه عن السلطة.
إن التقام الابن لثدي السلطة بدلًا من استئثار أبيه بها وحده أو أخيه ، والتي يَقتُل فيها ويسجن أقربَ الناس إليه في مقابل الحصول على ثدي الأمة كلها، وربما يسجِن شعبًا كاملًا أو يقتله إذا وقف مع ابنه للحصول على ذلك. إن التقام الثدي عند الطفل هو غريزه البقاء التي تفي بحاجة الشراب والغذاء، أما ثدي الثلاثين فهو يفي بغريزه أخرى يمكنني أن أتغاضى عنها أو أتمادى فيها بحسب أخلاقي وتهذيبي لنفسي ، لكن التقام ثدي الأمة كلها ليس بغريزه مطلقًا، إنه الغرور والكبر، إن طفلًا واحدا لم يرتكب جريمة في مقابل هذا الثدي، وإن الجرائم التي ترتكب مقابل أثداء أو صدور النساء تصل إلى حد القتل، ولكن مع ذلك فهو قتل فردي وحوادث فردية. لك أن تتخيل أشكال الجرائم في حق الأفراد بسبب ثدي الثلاثين الفتان، أما بالنسبة لإعتلاء جسد الأمة كلها فحدِّث ولا حرج. إن رمسيس الثاني تزوج ٥٧ فتاة بخلاف المحظيات في مقابل أنه قتل كل رجال بني إسرائيل حذرًا من موسى ، وجاء موسى رغم كل هذا الحذر ليقتل فرعون لأن فرعون تمسك بسلطة ليست له إنما هي للإله، بينما هو يعتدي على سلطان الله في الأرض ، والمقابر الفرعونية التي اكتشفت وكم الذهب المودع فيها تدل على أن السلطة لا تنتهي بموت الإنسان. إنني أطمع في سلطة أخرى بعد الموت، ويقول صاحب القرية: “ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرًا منها منقلبا” (الكهف 36) ويقول الله عز وجل معبرًا عن صدر فرعون وأمثاله: “أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ” (المعارج ٣٧)، وغريب جدًا أن يقنع إبليس آدم بالخلود والملك مقابل التقام ثمرة الشجرة ، وهدف سامٍ و بعيد في مقابل هدف سخيف “فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ” (طه ١٢٠) .. إنه وعد غريب يدل على دراية إبليس بهدف وطمع الإنسان ، “وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا
ثم يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ” ( المدثر ١٤-١٥)، وإن كل الصراع على السلطة تجسد في وهم الأكل من الشجرة ، وإنه يطمع في ملك به أنهار عسل ولبن، إنه بعدها سوف يلتقم ثدي الأرض .. سيعود مره أخرى إلى رحم الأرض وسيفقد كل شيء، فلماذا إذن لا ينتهي الصراع على السلطة أوالثدي مقابل الشيكولاته؟ إنه لا ينتهي لأن إبليس هو الذي سوف يزين لك طعم الشيكولاته باللبن.