نظم “نادي تراث الإمارات” جلسة حوارية الجمعة 10 مارس 2023 ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية بعنوان “استلهام التراث الثقافي في العمل الإبداعي” تحدث فيها الباحث والأديب محمد نجيب قدورة، وأدارها الإعلامي الأديب وائل الجشي بحضورفاطمة المزروعي مديرة مركز زايد للدراسات والبحوث التابع للنادي وبدر الأميري مدبر إداري في مركز زايد للبحوت والدراسات و سعيد المناعي مستشار تراثي في نادب تراث الإمارات .
استهل وائل الجشي حديثه بقوله: الحديث في التراث واستلهامه له تداعياته وشؤونه وشجونه، ويختلف الأمر باختلاف الميدان التراثي، فهناك التراث المادي وغير المادي والتراث الثقافي غير المادي ومنه بالطبع العمل الإبداعي، و موضوع جلستنا هذه “استلهام التراث الثقافي في العمل الإبداعي ” يحدثنا فيه الباحث الأديب الأستاذ محمد نجيب قدورة، وهو صاحب تجربة تستدعي الخوض فيها عبره. عمل مدرسًا للغة العربية في سوريا وليبيا والإمارات،
عضو مؤسس لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع رأس الخيمة، عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين ، عضو الرابطة العربية للثقافة،
شاعر شعبي و فصيح، وباحث في التراث له مقالات ودراسات و قصص قصيرة، ومن مولفاته المطبوعة:
9- ابن ماجد المعلم الأريب في إفهام اللبيب(٢٠١٥) دار القاسمي
10- فوق أوتار الخيال (٢٠١٦)
11- رحلتي الثقافية في الإمارات ( منشور في مجلة رأس الخيمة تباعًا).
12- شمعة دموع الفرح (2019)
13-حماسة ابن عسكور (مشترك)
14- معجزة الشعر النبطي عوشة بنت خليفة السويدي 2022
15- السيرة البحرية – 2022
16- سيرة الشيخ أحمد بن محمد بن سلطان القاسمي -2022
من أعماله المخطوطة:
– هذه رحلتي (سيرة ذاتيه)
– تغاريد في بديع سلطان (سيرة شعرية) قيد الطبع
– فتى الخلجان (سيرة شعرية)
– نوافذ مضاءه ( ديوان شعرفصيح)
– ما لا يكون (ديوان شعر فصيح)
– نسم يا هوى ( ديوان شعر شعبي)
وتحدث الباحث الأديب محمد نجيب قدورة مستعرضًا محطات من تجربته في التعامل مع التراث ، ومما قال: “و لكيلا يبقى التراث حكراً على جيل مضى أو مجرداً من ماء الحياة كان لا بد من استلهام تلك الأحلام المؤجلة ووضعها في سياق تحت عنوان “ذلك من تأويله”، فتكون الأعمال الأدبية والقرارات النقدية مدخلاً جديداً إلى بوابات الاستثمار الثقافي، أجل كلنا أبناء تاريخ بعيد، لكننا نجد أنفسنا مضطرين لتحويل المعلومة التراثية إلى معلومة حداثية نوثقها من خلال إعادة إنتاج التراث بالبناء عليه وإغنائه، ولعلي أضرب مثالاً على ما في التراث من عبارات يمكن تحويرها كقول القدماء : آني طير أخضر ، أمشي وتمخطر ، خالتي ذبحتني وأبويا أكلني ، وأختي لمت عظامي فتكون الجملة المستحدثة : آني سمك في البحر الله خلقتني، من رزقه أطعمني، صياد اصطادني لين يهدى باله في رباية عياله » .. قد يقال هذا تزوير فنقول: نحن استلهمنا الإيقاع الداخلي للعبارة فاستلهمنا الطاقة الايجابية في البنيان الجمالي لإخراج القول القديم من معناه الأسطوري المرعب إلى معناه الواقعي المرغِّب.
ولا بأس في أن نشير في ابتكار الفكرة إلى حكاية إيزيس وأوزريس في التراث العراقي أو المصري أو أي كان، وبالطبع أنا هنا لا أدعو إلى نسف علْم الفولكلور .
ربما يقول آخر: وكيف نستلهم من نهمات البحار وحدوات البر؟ فأقول: جيد أن تبقى كلها في البال غير أن روح التعابير تشبه ما نسميه إعادة التوزيع الموسيقي أو الخروج من المناطقية إلى ما هو عليه الحال الآن، فلقد كانت الناي آلة نفخ للمزارعين، والربابة آلة عزف للرعاة، والطبلة آله قرع للبحارة، ألا نرى اليوم أن الأغاني غدت تستثمر جميع هذه الطبقات اللحنية في تشكيل جديد دون أن تخرج أية آلة من منطقتها الأصلية.
ثم ألا ترى أننا نبالغ كثيراً إذا أبقينا شهرزاد تروي الحكايات لتنسي شهريار أحزانه، بينما نحن نرى في عصرنا أن المرأة لم تعد تلك المضطهدة المقفل عليها في قمقم أو صندوق ، بل قد بدأنا نعرف أسماء الشاعرات بعد أن كما يرمز لهن بألقاب لا طائل منها إلا الحديث من وراء حجاب الوجود. ومن هنا تبرز المرأة كقوة ثقافية واقتصادية واجتماعية، فلا تبقى من سقط المتاع ولم نعد نسمع العبارة الترقيصية التراثية : “جالك ولد يا فلان خطك غلبني، وصل لعند الباب، يمشي ويتعبني” ولكل كلام تأويل”.
الاستلهام ليس إزاحة
ويمضي محمد نجيب قدورة قائلًا: “من المؤكد أن ثمر الشوك لا يكون عنباً ، وأن السماء لا تمطر ذهباً وأن الحنظل ليس له حلاوة.
نحن لا نناقش في أوهام إلا إذا كانت لدينا القدرة في وعي وجود العبارات التراثية بمعناها العميق ودراستها على أنها قيمة مضافة، فليس منا من لا يستطيع استثمار هذه العبارات وسواها عندما نتوجه إلى الطبيعية بقصد آخر كفهمنا أن لثمر الشوك قيمة في مكانه، فلا تتوقع أن تجني منه العنب، ومن المنطقي أن الأمطار في فائدتها هي الخير كله الذي يعطي الثروة القادرة على شراء الذهب، عندما يحسن الناس الزرع والضرع، كذلك الحنظل يتحول إلى معناه الجميل عندما نعلم أن له فوائد طبية، فالله لم يخلق شيئاً عبثاً، ويستحيل أن نزيح الاستلهام والاستيحاء ونحن بصدر عمل أدبي كما فعل الأديب الدكتور هيثم الخواجة في رواية
“السماء تمطر ذهباً” وهو لم ينكر المفهوم المباشر بل تجاوز إلى إبداع التراث وإلباسه الصورة الذهنية المستبصرة.
القراءة المبدعة للتراث
يقتضي وعي التراث بأن نقرأه قراءة مبدعة، والسؤال ما وجه الإبداع في قراءة العمل التراثي طبق الأصل الموروث ، قلت : المثل التالي فيه نكهة من فاكهة الجواب كقول الأسبقين» زرعوا فأكلنا ونزرع ليأكلوا».
هيهات أن يكون التراث متجمداً في قطب ما … أجل هنا الفكرة التي يتمخض عنها إبداع كمن أوصى ولده أن يقلب الأرض بحجة أن جده خبأ كنزاً فيها. كبر الولد لم يجد كنزاً، تحسنت حال الأرض، والأب على فراش الموت قال الولد الكبير لوالده: كن مطمئنا يا والدي لقد وجدت الكنز .. انفرجت أسارير الأب واستراحت روحه .. قال لي أحدهم .. لماذا تتعب نفسك في القراءة التراثية، تلك أمة قد خلت، قلت في نفسي ويحه .. نحن عندما نقرأ نقرأ في يوم ما صنعته البشرية في آلاف السنين، وسنن الكون وقوانينه موجودة ، لكنها تحتاج إلى اكتشافات وبراهين، وهي تتوخى منا أن نستكمل الفراغات ليتم تشكيل الصورة المستقبلية لمن بعدنا … من هنا كدليل على ما أقول في استلهام التراث من خلال قراءته المبدعة ما قمت به في تجربتي الأدبية عندما ألفت “ملحمة ناموس جلفار”، حيث نسجت سيرة عالم البحر أحمد بن ماجد في حبكة شعرية ملحمية فيها وعي معنى علم البحر وربط بعالم الفلك ودور أسود البحر في سلامة وأمن التجارة البحرية، وهو ذات الفعل في كتابي “تغريبة الماجدي ابن ظاهر” حيث البناء على حكمة ابن ظاهر في السلوك التربوي والوعي لطبيعة الحياة البدوية وتغير الأحوال والربط بين تجارة البر والبحر وتشكل ما يعرف بسنع البدو في التنوير والحضور الثقافي
قواعد التراث المبدع
كلنا نعرف الشاعر المسرحي العالمي شكسبير، وكيف أنه سطر مسرحياته لصدى التاريخ زمانه ومكانه وثقافته، فلم يكن شكسبير مؤرخاً، بل هو المستلهم مراعياً قواعد التراث المبدع في وحدة الزمان والمكان ومراعاة مفاهيم عصره حتى وهو يتحدث عن أساطير الأزمنة الغابرة، ثم ها نحن إلى اليوم في كل الآداب الإنسانية نرى استخدم الترميز للمفردات والحكايات التراثية سواء في الشعر أو الرواية أو المسرح أو الفن التشكيلي دون الخروج عن قواعد اللعبة الفنية، قد نستعير لا ثعلبا أو ذئباً أو غيمة أو ناقة للدخل كل ذلك في عمل فني محافظين على الرمزية لطباع الناس مع وعي لخصوصيات التراث المحلي لندخل فالبوم عندنا رمز للخراب، وعند الأيكليز رمز للخصب، والثور عندنا رمز للتهور، والحمار رمز للغباء، بينما في الحكاية التراثية التي نريد نقلها لمن بعدنا… قد نجعل الحمار أذكى لإحداث عصف ذهني في خيال الطفل، ولا بأس أن نجعله فيلسوفاً كما صنع الكاتب المهجري زكي قنصل ، ولا بأس أن تفهم قضية ناقة سيدنا صالح مثلا على أنها تتكلم وتحذر الناس من شر قادم .. المهم في قواعد البناء التراثي أن نحدث ونبتكر بأساليب عرض مقنعة تجعل التراث جسرًا ما بين ماض وحاضر ومستقبل، كما نستطيع نحن أن نستلهم من مسميات تراثية ما نشاء كالمها أو الصقر أو اليمام أو حتى “واق واق” كما صنع الدكتور عبد العزيز مسلم في قصته “بنات واق الواق” أو كما صنع ابن حزم الأندلسي في مجرد تسمية كتابه عن الحب باسم “الحمامة المطوقة”، وكم من تجارب استطاعت أن تحيي التراث من جموده، وتتحول به إلى عمل إبداعي قابل لاستحقاق الحياة المستدامة؟
وفي الختام كرمت فاطمة المنصوري كلًا من محمد نجيب قدورة و وائل الجشي، وتم التقاط صورة تذكارية مع أسرة ” نادي تراث الإمارات”.