أخبار

تأملات (6) د. سليمان داود – النمسا

د. سليمان داود

هذه التأملات في توجيهات الآيات القرآنية وإرشاداتها. “لعلهم يتفكرون في خلق السماوات والأرض” ما الهدف من عرض تلك التأملات؟؟

١ – تقديم

ونحن نعرض هذه التأملات في توجيهات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وإرشاداتها، يراودنا الأمل في إمكان مخاطبة العقول المستنيرة لأبناء الأمة، لحثها على التَّفَكُّر والتَّدَبُّر، وبالتالي التَّعَقُّل والإدراك، ومن ثم الاسترشاد بتلك التوجيهات والإرشادات للارتقاء بنوعية الأداء لدى المؤمنين بقوامة رسالة الإسلام، لصلاح حياة البشر على كوكب الأرض إلى أن يرث ألله الأرض ومَنْ عليها.

لا شك في أن الفرد المسلم مطالب، (أو الجماعة المسلمة مطالبة) بعرض ما يمكنه/يمكنها استشرافه من توجيهات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وإرشاداتها حتى يتسنى للآخرين الاستفادة منها أو التعليق عليها، بما يؤدي إلى إثراء المعرفة على أسس قويمة تُهيِّىء أفراد الأمة الإسلامية للإرتقاء في سلم الإبداع العلمي القويم. وبهذا المنظور، يراودنا الأمل في أن يتحقق

الهدف مما نعرضه من تأملات في توجيهات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وإرشاداتها، التي نخاطب من خلالها العقول المستنيرة لأبناء الأمة، لحثم على التَّفَكُّر والتَّدَبُّر، وبالتالي التَّعَقُّل والإدراك.

في إطار هذه التأملات، نعرض رؤية موضوعية لكيفية فهم الفقرة “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ”، من الآية الكريمة: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ، وَفِي أَنفُسِهِمْ، حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (فُصِّلَت: ٥٣)”. فعندما يقرأ المرء المتأمل في توجيهات الآيات القرانية والأحاديث النبوية الشريفة وإرشاداتها، هذه الآية، لا بد من أن تستوقفه العبارة “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ”، ويسأل: كيف يكون ذلك؟ فالمرء العاقل المُتَفَكِّر والمُتأمل بموضوعية، في توجيهات الآيات القرآنية وإرشاداتها، إذا ما تأمل في بناء أجزاء جسمة، التي تشير إليها الفقرة “وَفِي أَنفُسِهِمْ (كينونتهم) فإن بإمكانه أن يَتَبَيَّن (يرى) آيات الله في نفسه، أي بمعنى، بإمكانه أن يَتَبَيَّنُها (يراها) ويتيقن منها في كيانة، فهناك العديد من الآيات البينات في نفس كل إنسانٍ باستطاعته أن يَتَبَيَّن (يَرى) من خلال تأملها، قدرة الله الذي خلقه؛ والأمثلة على ذلك كثيرة، فيكفي المرء أن يتأمل في نوع الشعر الذي ينبت على أجزاء متفرقة من جسده، فإنه سيرى العجب، وعندئذٍ لا يمكنه إلاَّ القول: سبحان الله؛ ولكن كيف للمرء الذي لم يعرف شيئاً من علوم الفضاء الكوني، أن يَرى (يَتَبين) آيات الله في تلك الآفاق “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ”؟ هذا التساؤل قد يبعث بعضاً من الحيرة في نفس المرء، لأن الإجابة عليه تتطلب إيجاد الوسيلة المادية الملموسة لتقريب إمكان تصور هذا الأمر. لقد استوقفت هذه الفقرة أحد الأصدقاء، ممن استطاع الوصول إلى مستوى علمي متقدم في دراسته، حيث توجه إليَّ بالسؤال في أحد اللقاءات، بعد فراق دام لعدة سنوات، قائلاً: بالنسبة لآيات الله في نفسي، فأنا أعرف كيف أتَبَيَّنُها (أراها يقينياً)، فهناك العديد من الآيات في نفس كل إنسانٍ باستطاعته أن يَتَبَيَّن (يَرى) من خلال تأمله فيها، قدرة الله الذي خلقه؛ ولكن كيف للمرء الذي لم يعرف شيئاً من علوم الفضاء الكوني، أن يَرى آيات الله في الآفاق التي تَذْكُرها تلك الفقرة من الآية “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ” !؟

لا شك في أن المرء يلمس في هذا السؤال بعض الحيرة، لأن الإجابة عليه تتطلب إيجاد الوسيلة المادية الملموسة لتقريب إمكان تصور ذلك الأمر. وأثناء تبادل الآراء بيننا (صديقي، و أنا، وكلانا دارس لعلم الكيمياء) لإيجاد إجابة علمية موضوعية على ما تثيره تلك الفقرة من الآية الكريمة من تساؤلات لدى الكثير من مُتَدَبِري توجيهات آيات القرآن العظيم وإرشاداتها، كان لا بد من اللجوء لاستحضار مثال، أو أمثلة لوجود علامة (أو علامات) مادية تفي بأن تكون مثالاً حقيقياً توضيحياً بإمكان المرء، بقليل من المعرفة العلمية المتاحة، التحقق من وجودها بطريقة علمية موثوق في مصداقيتها باستخدام الأدوات المتاحة له، أثناء بقائه عبر العصور المتتابعة على سطح كوكب الأرض. إضافة إلى ذلك، كان لا بد لنا من  اللجوء لبعض المبادئ العلمية الموثوق في مصداقيتها التي تساعد المرء على إمكانية استشراف الكيفية التي توضح الإجابة على مثل هذه التساؤلات بطريقة علمية بسيطة. لقد وجدنا ضالتنا (صديقي، و أنا) في ما يعرف بحقيقة التشابه، ومبدأ “الهندسة العكسية”؛ فكان علينا أن نبحث عن مثال، (أو أمثلة) مادية موضوعية لوجود علامة (أو علامات) تُمكن المرء من استشراف ما توجه إليه وترشد به فقرة الآية: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ …..، حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (فُصِّلَت: ٥٣)”؛ وهذا ما سنحاول عرضه في هذه الوقفة التأملية لتوجيهات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وإرشاداتها التي تساعد المرء على فهم ما توجه إليه وترشد به تلك الفقرة من الآية الكريمة.

أولاً: في العصر (الفترة الزمنية) الأولى لنزول القرآن الكريم.

في ذلك العصر لم تكن المعرفة العلمية لبني البشر قد ارتقت للمستوى الذي يمكنهم من استشراف الكيفية العلمية المادية التي تؤكد لهم، بطريقة تحليلية موضوعية، ما تشير إليه هذه الفقرة من الآية الكريمة من توجيهات وإرشادات علمية؛ ولذلك عندما سُئِلَ الأعرابي الذي قضى حياته متنقلاً في ربوع الصحراء يبتغي الكلأ لأنعامه، وقد تَفَرَّسَ في معرفة الأثَر، باعتباره أحد مقومات معارفه العلمية التي يلجأ إليها لتدبير أمور حياته، ويُسْتَدَلُّ به (بالأثر) على مؤثراته: بِمَ عَرفْتَ رَبَّكَ؟ أجاب على بديهته: “البَعَرَةُ تَدُلُّ على البَعير، والأثَرُ يدل على المَسير”. لا شك في أن ذلك الأعرابي، عندما نطق بهذه العبارة البسيطة قد استخدم ببديهته توجيهات حقيقة التشابه، ومبدأ “الهندسة العكسية”، حيث قد استدَلَّ، باستخدامه تلك العبارة، بالآيات الآفاقية على وُجود الله وعلى قُدْرَتِه؛ لأنه قد اسْتَدَلَّ بالآثار التي رآها على كُنْهِ مُؤَثِّرَاتها. كلمة حق لا بد من أن يقر بها المرء في حق ذلك الأعرابي: إنه كان ذا بصيرة قويمة. فهل يمكننا في العصر الحالي، عصر تفجر المعرفة العلمية المادية، حيث بلغت معرفة بني البشر العلمية مستويات متقدمة في ما يتعلق بِسَبر أغوار البناء الكوني، من خلال معرفتنا بالدلائل المادية العلمية المؤكدة، ومن ثَمَّ استخدام حقيقة التشابه، ومبدأ “الهندسة العكسية”، لفهم فقرة الآية: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ …”؛ ومن ثَمَّ يستقر في وعي المرء: ……. “حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ”، ويدرك حقيقة الإجابة على التساؤل: …… أوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ؟؟

ثانياً: في العصر الحالي، عصر تفجر المعرفة العلمية الموضوعية.

منذ أن بدأ مستوطنوا كوكب الأرض بالتَّفكر فيما يحيط بهم من مظاهر الكون، أرضه وسماؤه وما بينهما، حاولوا التَّعرف على مكنوناته. فكانت مشاهداتهم العينية لبعض تلك المظاهر هي المصدر الذي استمدوا منه معرفتهم؛ ومع بداية تطور أساليب المعرفة العلمية، وظهور أجهزة الرصد والقياس لأدق مكونات المادة على ظهر كوكب الأرض، تمكن الباحثون، بعد جهد جهيد من البحث العلمي الرصين الذي استند على القوانين الرياضية، والمشاهدات العينية، من الحصول على النتائج العلمية الموثوقة للتجارب التي أُجْرِيَت على المواد لمعرفة أدق مكونات المادة في حالتها العنصرية؛ حيث اتضح لهم أن ما يعرف ب: “الذَّرَة” هي أبسط وأدق مكونات المادة في الكون. وعندئذٍ ظهر السؤال عن الكيفية التي بُني عليها كيان تلك الذَّرَة؟ وجاء الجواب على النحو التالي:-

أ – الذَّرَة، هي عبارة عن وحدة بناء المادة العنصرية، وهي كيان مادي ذو حجم كروي متماثل الأبعاد في كافة الاتجاهات، وتتألف من نواة يحيط بها غلاف رئيس (فلك)، أو عدة أغلفة رئيسة، (عدة أفلاك)؛ وكل غلاف رئيس يتألف من عدة أغلفة فرعية (أبراج).

ب – نواة الذرة تضم ما يعرف بالجسيمات موجبة الشحنة الكهربية (البروتونات)، والجسيمات متعادلة الشحنة الكهربية (النيوترونات)؛ ومجموع هذه الجزيئات هو الذي يحدد وزن الذَّرَة.

ج – الأغلفة (الأفلاك) الذرية الرئيسة والفرعية (الأفلاك، والأبراج)، هي عبارة عن مستويات للطاقة (طاقة وضع الشحنات السالبة)، تنتشر في كافة الاتجاهات حول النواة. ولكل غلاف رئيس (فلك) عدد محدد من الاغلفة الفرعية (الأبراج). بمعنى أن الذرة تتألف من:-

١- نواة، تحيط بها؛

٢- أغلفة رئيسة/أفلاك، (مستويات كُلّية للطاقة)؛

٣- تتوزع ضمن نطاقها أغلفة فرعية/أبراج (مستويات جزئية للطاقة)

٤- أصغر ذرة عنصرية (ذرة غاز الهيدروجين) لها غلاف رئيس (فلك) واحد، تتوزع ضمن نطاقه الشحنات السالبة؛ (شحنتان فقط).

٥- أكبر ذرة عنصرية لها سبعة أغلفة تتوزع ضمن نطاقاتها العديد من الشحنات الكهربية السالبة (الإلكترونات) على العديد من الأبراج.

والسؤال الآن: هل يمكننا رؤية كيفية البناء الكوني الكلي (رؤية آفاق الكون بأكمله) بضخامته في كيفية بناء أصغر مكوناته العنصرية (الذَّرة)، باعتبار أن رؤيتنا لبناء الذَّرة (التي يمكننا تشبيهها بالأثر) تدلنا على المؤثر؛ أو كما عبر الأعرابي، بقوله “البعرة تدل على البعير”. الإجابة على هذا السؤال تقودنا إلى أهمية البحث في ماهية بناء الذَّرة العنصرية، باعتبار أن تلك هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لنا، التي إذا ما تمكنا من رؤية بنائها الهيكلي، كأصغر وحدة مادية عنصرية في هذا الكون، عندئذٍ يصبح بإمكاننا تطبيق حقيقة التشابه، ومبدأ “الهندسة العكسية” لفهم ما تشير إليه فقرة الآية: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ”، من توجيهات وإرشادات.

وبداية لا بد من الاتفاق على فحوى عبارة “الْآفَاقِ”؛ حيث باعتقادنا أنها تشير إلى البناء الكوني بكافة ما يتضمنه من مكوناته التي تشمل

سماواته السبع محكمة البناء بكل محتوياتها من المجرات الكوكبية، والفضاءات/المسافات البينية بنطاقاتها متباينة الأحجام، متعددة الأبراج/البروج ومتفاوتة العدد بمحتوياتها من مجرات الكواكب، الموزعة بانتظام على أبعاد هائلة في الفضاء الكوني: * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (البروج: ١)؛ * وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (الحجر: ١٦)؛ * تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا، وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا (الفرقان: ٦١).

١ – ما هي الذرة ومِمَّ تتركب، البناء الهيكلي التركيبي للذَّرة؟؟

الذَّرَة هي أبسط مكونات المادة العنصرية في الكون، التي تُظْهر الخواص الكيميائية للمادة؛ وهي تتركب من جزأين رئيسين، هما:-

* نواتها التي تحوي الجسيمات موجبة الشحنة “البروتونات”، والجسيمات متعادلة الشحنة “النيوترونات”؛

** والأغلفة الذرية ذات المدارات الرئيسة، والفرعية (الأفلاك، والأبراج) التي تسبح ضمن أطرها الشحنات سالبة الشحنة “الإلكترونات”.

* تتحكم نواة الذَّرة بما تحويه من جسيمات موجبة الشحنة (بروتونات) في حركة دوران (بتعبير أدق حركة سباحة) الشحنات سالبة الشحنة (الإلكترونات) في الأغلفة الذَّرية (الأغلفة الرئيسة/الأفلاك؛ والأغلفة الفرعية/البروج) حول النواة. وتحتفظ الإلكترونات بمواقعها في الأغلفة الذرية، ولا تتساقط على نواة الذرة بفعل قوة الجذب بين الشحنات الكهربية السالبة والأخرى الموجبة، وذلك نتيجة لاستمرارها (استمرار الإلكترونات)  في الحركة الدائرية (السباحة) حول النواة، حيث تؤدي تلك الحركة إلى ما يعرف بقوة الطرد المركزي؛ وبالتالي فإن بقاء تلك الشحنات متحركة حول النواة ضمن إطار مواقع محددة بدقة، دون أن تسقط عليها، كأنها تستند على أعمدة غير مرئية، التي تمثلها قوة الطرد المركزي. “اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا، ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (الرَّعد: ٢)”.

وبهذه المناسبة تجدر الإشارة إلى موقف حدث معي شخصياً، عندما كنت أحاضر في مادة الكيمياء بإحدى الجامعات العربية.

في إحدى المحاضرات كان الحديث عن البناء الذري للعناصر الكيميائية، وبالطبع كان لا بد من تقديم تعريف للذَّرة العنصرية للمادة؛ فكان ذلك على النحو المشار إليه أعلاه، فما كان من أحد الطلبة إلا أن اعترض على ذلك التعريف للذِّرة، قائلاً: إن الذَّرَة كما عرفها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: هي أصغر جزء أو جسيم من غبار المادة الذي يراه المرء في شعاع الضوء المار من ثقب صغير (أو فرجة صغيرة) في شباك الحجرة المظلمة؛ أي بمعنى أن الذرة هي جُسَيْمَة الغبار التي قد يراها المرء في شعاع الشمس الذي يدخل الغرفة المظلمة من فرجة (ثقب) في الشباك أو الباب. وعندما توجهت لذلك الطالب بالسؤال: من أين جئت بهذا التعريف للذَّرَة العنصرية؟! أجاب قائلاً: هذا ما ذكره العلماء!! وعندما سألته مرة أخرى: أي فئة من العلماء تلك التي جاءت بتعريف الذَّرَة العنصرية للمادة على هذا النحو الذي ذكرته؟! أجاب علماء اللغة والمتبحرين في تفسير آيات القرآن العظيم. وعندئذٍ أدركت: كم هي الفجوة كبيرة بين من يتصدرون لتفسير آيات الذكر الحكيم ذات الصلة بعلوم الكيمياء، والفيزياء، وعلوم الأحياء دون سابق إلمام بأبسط مبادئ تلك المعارف. وحاولت إقناع الطلبة الذين كانوا متحفزين لمعرفة رأى أستاذهم، حيث توجهت للطلبة عندئذٍ بالسؤال التالي:- هل قرأتم أيها الطلبة والطالبات سورة الزًّلزلة، وتفكرتم ملياً في ما توجه به وترشد إليه “لفظة ذَرَّة” في الآيات التالية: * إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا؛ * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا؛ * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا؛ * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا؛ * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا؛ * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ؛ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ؛ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزَّلزلة: ١ – ٨)”؛ إنها “أي لفظة ذَرَّة” بلا شك تُشير إلى أصغر مِثقال (أو أقل كمية من العمل: سواءً أكانت صفة ذلك العمل، خيراً أم شراً، يَعرضُ (أو يُظهرُ نوعية العمل)، أو بمعنى آخر إن الذَّرة، كما يُستَشف من توجيهات هذه الآيات، هي أصغر مِثقال من العمل يُعَبَّرُ به عن نوعية أو خصائص العمل الذي يأتي به المرء. إضافة إلى ذلك جاء ذكر الذَّرة في القرآن الكريم في العديد من الآيات باعتبارها:-

أ – وحدة وزن فقط: * قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ، لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، ……… (سبإ: ٢٢)؛

ب – وحدة وزن/مقدار لنوع العمل: * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ؛ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة: ٧ – ٨)؛ * إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، ……… (النساء: ٤٠).

ج – وحدة وزن وسَطيِّة، بين كميتين، إحداهما أكبر، والأخرى أصغر من الذَّرة: * ……. ، وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ  إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (يونس: ٦١)؛ * …………، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (سبإ: ٣)؛

يتضح من توجيهات هذه الآيات الكريمة وإرشاداتها: أن “الذَّرة” هي أصغر وحدة وزن (ثِقل) للمادة التي تحمل أو تعكس خواص العمل (خيراً، أم شراً)؛ وبالنسبة للكيمياء: فهي وحدة الوزن التي تُظهر خواص العنصر. فالأيونات (سواءً أكانت موجبة الشحنة “كاتيونات” أم سالبة الشحنة “أنيونات”) تُعبر عن نوع العنصر، ولكنها لا تَصف/لا تُظهر الخواص العنصرية للمادية؛ وأن هناك أجزاء أو جسيمات من المادة ذات وزن/ثقل أصغر/أقل، أو أكبر من وزن/ثقل الذَّرة، ولكن  تلك الجسيمات لا تُظهر خواص أو خصائص العمل لماذا؟؟ لأن الآيات التي تُعبر عن تلك الأوزان (أثقال الجسيمات) لم تذكر ارتباط لفظة الذَّرة بنوعية العمل في الآية، بل جاءت لفظة الأوزان/الأثقال مجردة/مستقلة؛ وهو ما يؤكد على أن “لفظة ذرة”، في القرآن العظيم قد جاءت للدلالة على أن هناك من الجسيمات المادية ما هو أصغر، وهناك ما هو أكبر من الذَّرة، ولكن لم يأت مع أي منهما ذكر نوعية ما تُعَبِّر عنه (أو تَصِفُه) تلك الجسيمات، بل جاءت للتاكيد على أن لفظة الذَّرة بكيانها المتفرد من يحمل خصائص العمل في الآيات. هذا بالنسبة لوجود لفظة “الذَّرة” في القرآن الكريم،؛ أما بالنسبة للفظة “الذَّرة” في علم الكيمياء فهي أقل وحدة وزنية للمادة العنصرية تعكس/تُظهر خواص تلك المادة؛ أما جسيمات المادة الأكبر (الجزيئات)، من الذَّرة أو الأصغر منها (الأيونات موجبة أو سالبة الشحنة) فهي لا تُظهر/تعكس خواص المادة العنصرية. فعلى سبيل المثال: جزيء غاز عنصر الهيدروجين أكبر من ذرة الهيدروجين  لأنه يتألف من ذرتين (H2)، وهو في الحالة العنصرية مادة سريعة الاشتعال (الاحتراق)، وجزيء غاز عنصر الأكسجين يتألف كذلك من ذرتين (O2)، وهو في تلك الحالة العنصرية مادة تساعد على الاشتعال (الاحتراق)؛ وجزيء مادة الماء يتألف من ارتباط ذرتين من ذرات غاز الهيدروجين، بذرة واحدة من غاز الأكسجين (H2O)؛ والماء بطبيعة الحال مادة لا تشتعل ولا تساعد على الاشتعال؛ أي أن كُلاً من عنصري الهيدروجين والأكسجين المكونين لمادة الماء، قد فقد صفاته العنصرية، وارتبطا سويا لإنتاج مادة الماء ذات الخواص التي تختلف تماماً عن صفات كلٍّ منهما في حالته العنصرية. ولذلك جاءت الآيات التي ذكر فيها عبارة “أصغر أو أكبر” من الذَّرة في الآيات الكريمة لم يذكر فيها كونها تُعَبِّر عن نوعية العمل، بل جاءت للتعبير عن كمية الأداء أو العمل فقط.

عودة إلى تتبع الحقائق العلمية التي تقود المرء إلى فهم فقرة الآية القرآنية الكريمة: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ، ……ّ.. (فُصِّلَت: ٥٣)”.

والحديث الشريف: “كلٌّ مُيَسَّر لما خُلِقَ له”؛ ومقولة الأعرابي: “البعرة تدل على البعير؛ والأثر يدل على المسير”.

وللحديث بقية بإذن الله نتحدث فيها عن التشابه بين البناء الهيكلي التركيبي للذَّرة، والبناء الهيكلي التركيبي للكون،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

    1. أحييك وأشكرك على تقديرك، وأدعو للمشاركة في هذه التاملات بالتعليق أو الإضافة لإثراء الحوار.

  1. أحييك وأشكرك على تقديرك، وأدعو للمشاركة في هذه التاملات بالتعليق أو الإضافة لإثراء الحوار.

  2. موضوع مهم جدا وان كثير من النظريات الفيزيائية ايضا تؤكد كلامك واطروحتك وارجو ربطها بهذا البحث د سليمان رجاء خاص كي نثري هذا البحث مع الحب والتحية والاحترام .مهند الشريف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى